من الضروري وحتمًا ولابد أن يكون النظام الحالي هو آخر نظام عسكري يحكم الدولة المصرية. فمهما طال أجل النظام العسكري الحالي يجب أن يكون هو الأخير في سلسلة الحكم العسكري الذي بدأ بانقلاب تنظيم ما يسمى بالضباط الأحرار؛ لأنه ببساطة شديدة سيكون هناك نزاع وصراع داخل المؤسسة العسكرية فيمن سيخلف النظام الحالي مستقبلًا.
والمتابع للأحداث في الدولة المصرية على الصعيد السياسي نجد بوادر للصراع من أفراد المؤسسة العسكرية المصرية يمثله أفراد من المؤسسة العسكرية أمثال الفريق أحمد شفيق، الفريق سامي عنان والعقيد أحمد قنصوة.
وإقبال هذه القيادات على العمل السياسي ظاهره الرحمة وباطنه العذاب، فالظاهر هو التعدد والباطن هو الانقسام والصراع.
ولمن سيقول إنهم في رباط إلى يوم الدين أقول له إن ذلك لا يعني عدم إزالة العوائق التي توجد أمام هذا الترابط ألا وهي عمل العسكر في الحياة السياسية التي تتميز بالتعدد عكس الحياة العسكرية التي لا تعرف سوى الأمر – نفذ وبعد ذلك تَظلم – وعمل أفراد الجيش في السياسة سبب كاف للفرقة والصراع على الكرسي.
نعم استطاعت القوات المسلحة عبر رأس النظام الخالي في التخلص من أولئك القيادات بطريقة أو بأخرى؛ مما أدى خل والساحة السياسية منهم، والانفراد بالسلطة من قبل رأس النظام، إلا أنه كما يقول المثل «مش كل مرة تسلم الجرة».
فإذا وجد الرؤساء العسكريون الأسباب التي شرعنت لهم تولى السلطة، فماذا ستكون إذًا الأسباب في المستقبل بعد رحيل النظام الحالي، سواء آجلًا أم عاجلًا.
اللواء محمد نجيب
لقد وجد اللواء نجيب أول رئيس عسكري بعد انقلاب 23 يوليو (تموز) 1952 الشرعية في طلب التنظيم المسمى بالضباط الأحرار في أن يتولى السلطة كأول رئيس للجمهورية المصرية من هنا اكتسب شرعية السلطة بناءً على دعم الضباط الأحرار له بعد أن أمسكوا بزمام الأمور بعد ترحيل الملك فاروق الأول وإعلان الجمهورية. أي نعم دعمته الجماهير وفئات كبيرة من الشعب المصري، ولكن للأسف لم يمنع كل هذا من سطوة فكرة الاستيلاء على السلطة من قبل بعض الضباط الأحرار، ألا وهو البكباشي جمال عبد الناصر الزعيم الفعلي للتنظيم؛ مما أدى في نهاية الأمر إلى الانقلاب على اللواء محمد نجيب.
البكباشي جمال عبد الناصر
ثم جاءت شرعية البكباشي جمال عبد الناصر من أنه هو الزعيم الفعلي لتنظيم الضباط الأحرار وأفراد التنظيم من الضباط يعرفونه جيدًا، كما أن الفترة التي قضاها منذ الانقلاب إلى التاريخ الذي تولى فيه رئاسة الجمهورية كان قد هيأ نفسه، وقدمها بشكل جيد وثوري؛ مما أَوجد قبولًا لدى الجماهير والشعب المصرى لتقبله كرئيس للبلاد، بالإضافة لدعم الضباط من التنظيم الذين انتشروا في جميع أركان ومفاصل الدولة ومناصبها خلال تلك الفترة المشار إليها.
الرئيس أنور السادات
أما الرئيس أنور السادات، فقد كان أوفرهم حظًا من أكثر من جانب ، فه وله باع كبير في العمل السياسي فيما قبل انقلاب 23 يوليو 1952، فقد كان يعمل في أحد التنظيمات السرية وشارك في التخطيط لمقتل أمين عثمان صاحب المقولة الشهيرة أن العلاقة بين مصر وبريطانيا كعلاقة الزواج الكاثوليكي لا طلاق فيه، أي أنه من المؤيدين لاستمرار الاحتلال الإنجليزى لمصر إلى الأبد، وهو ما أدى إلى اغتياله بعد هذا التصريح الشهير.
كما أن الرئيس السادات انضم بعد ذلك بعد حصوله على البراءة في قضية مقتل أمين عثمان وعودته إلى الجيش المصرى إلى تنظيم الضباط الأحرار، وقد عينه الرئيس عبد الناصر نائبًا له قبل موته.
أي أن السادات اكتسب أكثر من شرعية لتوليه الرئاسة مثل تاريخه في العمل السياسي قبل 23 يوليو 1952 وانضمامه لتنظيم الضباط الأحرار وتعيينه نائبًا للرئيس.
الرئيس المخلوع مبارك
أما الرئيس المخلوع مبارك فقد كانت أكثر شرعية اكتسبها هي مشاركته في حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973، والتي أعطته دفعة كبيرة لتولي منصب نائب رئيس الجمهورية لما يقرب من خمس سنوات قبل رحيل الرئيس السادات.
الرئيس السيسي
ثورة 30 يونيو (حزيران) 2013 ومواجهة الإرهاب هو ما استثمره الرئيس السيسي في اكتساب شرعية له ليحكم الدولة المصرية، ويستمر في حكمها حتى الآن.
وعن المستقبل فيما بعد فترة حكم الرئيس السيسي فإنني أتوقع صراعًا حادًا على المنصب من بعد فترة حكمة؛ مما يستدعي أن نقيم حياة ديمقراطية صحيحة حتى تظهر كوادر مدنية تستطيع أن تشغل منصب الرئاسة فيما بعد فترة حكم الرئيس السيسي، مثل تقوية مؤسسات المجتمع المدني، والأحزاب السياسية التي تعتبر مفرخة لظهور القيادات السياسية، فالدولة المصرية ليست غير قادرة على أن تخرج وتُولِد لنا قيادات سياسية تستطيع أن تتولى منصب رئيس الجمهورية.
وأخيرًا فأقول لمن سيقول إن بإمكان الرئيس السيسي أن يعين نائبًا له، سواء قبل رحيله بفترة أو عند الرحيل كما حدث أيام الرئيس المخلوع مبارك حينما عين اللواء عمر سليمان نائبًا له في أواخر أيامه، فإنني أرد وأقول أن ذلك سيكون أول مسمار في نعش الدولة المصرية التي لا تسمح ظروفها بمثل ذلك، وسيكون ذلك أول الخطوات وأول أسباب الصراع الذي أتحدث عنه.
فلا حل سوى إقامة حياة ديمقراطية صحيحة وصحافة حرة ويجب أن يكون الرئيس السيسي هو آخر حكام العسكر في مصر.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست