تطوع عدد من الشباب لتسجيل فيديو يرصد ردود فعل الأمهات حين يقول لهن أولادهن “بحبك” عبر الهاتف، ومن قبلهم طلب شيخ من متابعيه على الفيسبوك وتويتر إرسال رسالة حب إلى زوجاتهم وانتظار الرد، كانت هذه العينات عشوائية متعددة الجنسيات والبيئات ومختلفة المشارب، ونُشر غيرها لدوائر أضيق كالأم المقدسية والأم المصرية. وكانت النتائج صادمة في أغلب الحالات إن لم تكن كلها!
قوبلت كلمات الحب بالشتائم والسباب، وتحولت في مكالمات أخرى لشكٍ مريب، وكانت الغالبية العظمى تسأل: ها.. ماذا تريد؟! أي ماذا بعد هذا الحب! وأخريات تجاهلن الأمر تماما وبدأن في الطلبات.
للوهلة الأولى كانت التجارب مضحكة ومحرجة ولكن إذا تمعنت فيها فلن تجد إلا البكاء بعدها، البكاء على الجدب العاطفي الذي وصلنا إليه، الحزن على التصحر الذي امتد لأرواحنا، والجفاف الذي أصاب ضفاف قلوبنا!
تأتي تلك المأساة ونحن في أمس الحاجة لروابط تجمعنا وكلمات تبلسم جروحنا، وكأننا كلما زادت جراحنا نزفنا مع الدم مشاعرنا فأصبحنا مرضى الأجساد والأرواح.
لا أعلم تحديدًا ما السبب الرئيسي في هذه العدوي المتفشية، رغم أن أصل أدياننا المحبة والحب والرحمة، ولكن ظلام “عملية” الغرب قد خيم على بيوتنا دون أن نحاربه بنور شرقيتنا، بل صرنا ننظر لهذا الظلام ونؤصل له، فتجد الزوج/ الأب يكتفي بتعبه في توفير حياة كريمة لأسرته ويشعر أن هذا الكدّ أسمى من كل الكلام وحين يناقشه أحدٌ تجد الرد جاهزا: (أومال أنا بعمل كل ده عشان مين؟ مهو عشانكم)، وتنخرط الأم في دوامة متطلبات أبنائها حتى تذوب تماما حتى لا تجد إلا الضرب والعصبية تعبيرا عن “حرصها” على أطفالها، وهكذا يُربى الأبناء على أن الحب أفعال فقط وأن الأقوال وما يتصل بها من مشاعر لا وجود لها في معجم الحياة، لذا يكون العجب والخجل من التفوه بألفاظ الحب ولو حتى في المناسبات.
وكذا الأزواج أيضا، حتى وصل بنا الأمر أن نُفرد زوايا خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي نحكي فيها عن “نوادر” ما نرى من محبة الأزواج كأن يهدي زوج زوجته وردة!
أو أن يسأل جرسون فتيات في مطعمه عن ميداليات في أيديهن ليهدي زوجته مثلها ظنا منه أنها ستفرحها كثيرا، ويكملن بقية يومهن في سعادة لا توصف من لمعة الحب المسكوب من عينيه أثناء اختياره اللون المفضل لزوجته، ولسان حالهن يسأل عن محمية تحفظ هذا الزوج من الانقراض.
كنا نعترض على حبنا المعلب دون مواد حافظة، ولكن الآن في زمن اللجوء والحروب والسجون نتمنى أن تعود لنا ولو رشفة منه تمدنا بما يعين على المسير في دروب التعب.
وأصبحت قصة الرسول صلى الله عليه وسلم مع الأب الذي أخبره أنه لم يُقبل أولاده قط، تراثًا يُروى ولا يجاوز الآذان.
فما أكثر كلمات الغزل بيننا وما أقل الحب.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست