الإصرار الغريب الذي تبديه إحدى دول الخليج لإطلاق سراح الدكتور باسم عوض الله، ليس غريبًا، لأن القول ببقائه داخل الأردن واتهامه يعني إسقاط أهم مشاريع المنطقة، خصوصًا ما تعلق بالجانب الاقتصادي منها.
قبل سنوات كان أحد أهم مشروعات الدكتور باسم عوض الله، في الأردن يرتبط بفتح الأبواب على مصراعيها لإدخال مشاريع استثمارية جديدة في المنطقة، خصوصًا الحدودية منها؛ ليقع الاختيار على مدينة العقبة؛ لما تمثله من موقع إستراتيجي، لكن أحد محددات المشروع تمثلت في أفكار عوض الله ذاته، الذي اعتقد أن تطبيق المشروع لا يكون إلا بعزل مؤسسات القرار الأمني عن السياسي أولًا، وثانيًا تحييد العشائر الأردنية.
هذه المشاريع رُفضت أمنيًّا، لقدرتها على تفتيت الدولة والمؤسسات، وتسمح بإنتاج واقع جديد، يخدم (العدو على حدودنا)، كان المشروع يبدأ من العقبة، ليمتد إلى المناطق السعودية والمصرية والفلسطينية المحتلة، إلا أن أحلام الرجل صُلبت أردنيًّا.
بعد أن رحل عوض الله من الأردن للعمل لصالح دولة خليجية، حمل معه المشاريع، وقدم افكارًا بحجة الإصلاح، للدخول في اقتصاد ما بعد النفط، فكان مشروع مدينة «نيوم» التي لقيت ترحيبًا من ولي عهد تلك الدولة، الباحث عن تحقيق إنجازات سريعة، تمهيدًا لاستلامه السلطة في مملكته.
وعليه، فإن قول وقبول الدولة الخليجية ببقاء باسم عوض الله مسجونًا في الأردن إثر محاولة «الانقلاب الفاشل» يعني هز صورة ولي العهد شخصيًّا، وخلق أزمة جديدة تضاف إلى أزماته المتتالية، وبالتالي خسارة مشروع «نيوم» وثقة المستثمرين الدوليين، كما يهز قطاعات ارتبطت وراهنت عليه.
فدور وأثر عوض الله في المشروع عميق، فهو يمثل المنظر الأهم له خارجيًّا، ومرتبط باستقدام كثير من الشركات والاستثمارات للمشروع، باعتباره أحد الركائز القادرة على تسييره.
المشروع نوعيٌّ بحد ذاته، بغض النظر عن سلبياته، لكن حصر فوائده والتحكم بها وتوزيعها، وفق رؤية ولي عهد تلك الدولة، يحول دون دخول الأردن في المشروع، كشريك أصيل، وهذا أحد أسباب غضب الملك عبد الله من الدكتور باسم عوض الله، الذي لم يساعد في تحقيق نتائج إيجابية للاستفادة من المشروع.
لذا يأتي سجن الدكتور باسم عوض الله؛ خطأً غير متوقع، جاء في صالح الدولة الأردنية، وكورقة قوة بيد العقل الأمني السياسي، للتفاوض على شروط جديدة في المشروع العملاق، بما يخدم مصالح الدولة العليا.
القول أن التخلي والرضا والقبول باستعادة الدولة الخليجية للدكتور باسم عوض الله، محض خيال، لن يتحقق إلا في حال قبلت الدولة الخليجية بشروط الأردن الجديدة انطلاقًا من مصالحه، خصوصًا ما تعلق بالاستثمار في منطقة «نيوم» وسرها الضائع.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست