حدث هذا في الولايات المتحدة عام 1919، حيث دخل كفاح المرأة الأمريكية لنيل الحق في التصويت الانتخابي في حينها عامه الأربعين بدون أن يحقق الأغلبية المطلوبة لتعديل الدستور.
كانت القاعدة الدستورية تنص على أنه لكي يتحول أي تعديل دستوري مُقترَح لقانون، فلا بد من موافقة ست وثلاثين ولاية على الأقل على التعديل، من أصل ثمانٍ وأربعين ولاية كانوا يشكلون عندها تعداد الولايات المتحدة الأمريكية.
في ذلك العام، تمكنت خمس وثلاثون ولاية من إقرار التعديل المطلوب، وتبقت موافقة ولاية واحدة لكي يتم تمرير التعديل الدستوري بنجاح.
وبناءً عليه، فقد طُلب من أربع ولايات إضافية إجراء تصويت برلماني لاستطلاع الرأي بخصوص التعديل المقترح. لكن ثلاثًا من تلك الولايات رفضت المشاركة في التصويت، ولم يوافق على المشاركة سوى ولاية واحدة هي تينيسي. وبذلك أصبح مصير التعديل معلقًا بنتيجة التصويت البرلماني بتلك الولاية.
في الصيف التالي، اشتعلت في ولاية تينيسي حربٌ من نوع خاص أُطلق عليها في المراجع التاريخية “حرب الورود”، ولهذه التسمية قصة أخرى.
كان الصراع في تلك الأيام على أشده بين مؤيدي حق النساء في التصويت على الانتخابات وبين المعارضين. ففي الوقت الذي نشط فيه المؤيدون وتسابق متطوعوهم للتوعية بالقضية وتوزيع الورود الصفراء رمزًا لكفاح النساء لنيل حقوقهن، استجاب المعارضون بتوزيع الورود الحمراء نكاية فيهم وتمييزًا لتابعيهم. ومن هنا جاء اسم “حرب الورود”.
ثم أتى اليوم المشهود. اجتمع برلمان تينيسي لبحث المسألة، وعلق كل عضو برلماني في عروة سترته وردة حمراء أو صفراء تعبيرًا عن ميوله، وانعقدت آمال ومخاوف الكثيرين على نتيجة التصويت.
بعد كثير من المداولة والجذب والشد، جاءت نتيجة التصويت بالتعادل: ثمانية وأربعون صوتًا لصالح التعديل وثمانية وأربعون صوتًا آخر ضده، وبدا أن التعديل في طريقه للرفض.
لكن مفاجأة غير متوقعة حدثت في اليوم التالي. حيث فوجئ أعضاء البرلمان بطلب أحد زملائهم من ذوي الورود الحمراء تغيير صوته من الرفض للموافقة، لأنه قد تلقى خطابًا من أمه تسأله فيه الموافقة على التعديل، ولأن “الولد الصالح يفعل دائمًا ما تطلبه منه أمه”.
ابني العزيز
عليك بالإسراع على التصويت لصالح التعديل، وألا تترك الأمور معلقة طويلاً. لقد استمعتُ لخطبة السيد “شاندلر” المعارضة للتعديل ووجدت فيها الكثير من الغلظة، وكنت أنتظر أن أرى كيف سيكون موقفك، لكني لم أجد شيئًا بعد. لا تنسَ أن تكون فتىً طيبًا وأن تساعد السيدة “كات” في إقرار التعديل.
خالص الحب
ماما
كان هذا هو النص المتداول لخطاب الأرملة العجوز “فيب برن” لابنها “هاري” عضو البرلمان ذي الأربعة وعشرين ربيعًا، والذي نالت بسببه النساء الأمريكيات الحق في التصويت الانتخابي لأول مرة بعد أربعين عامًا من المطالبة به.
اليوم، وبعد قرابة المائة عام على تلك الواقعة، أصبح حق النساء الأمريكيات في التصويت الانتخابي أمرًا طبيعيًا لا يثير أي نوع من الجدل، وذلك كله بفضل وعي أم واحدة، واستجابة ولدها لها رغم الهجوم الضاري الذي تعرض له لاحقًا بسبب موقفه.
فطوبى للأمهات الواعيات، وطوبى للأولاد الطيبين.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست