ما يحدث كلّ مرة في الشرق الأوسط من أحداث ذات طابع عسكري أو سياسي أو ديبلوماسي أو ربّما حتى ذات طابع ديني يجعلنا نتساءل لماذا دومًا هذه المنطقة فقط؟ ولماذا العالم الإسلامي دون غيره من العوالم؟

إنّ الإجابة عن هذا السؤال تحتّم علينا معرفة تشكيلة هذه المنطقة وتركيبتها، وهذا طبعًا دون أن نغوص في عمق ذلك، فهذه المنطقة هي محيط لأكبر قضية في العالم منذ زمن طويل ألا وهي القضية الفلسطينية أو القضية المركزية كما يحلو للبعض تسميتها، ففلسطين لقدسيتها واستراتيجيتها كانت ولازالت وستبقى حسب المؤرخين والمستشرفين قضية للصراع التاريخي والعقائدي والسياسي والعسكري.

فالغرب المتشدد أو الاستئصالي، وليس كل الغرب طبعًا، يسعى دومًا للسيطرة على العالم الإسلامي عمومًا، والعالم العربي خصوصًا، وذلك انطلاقًا من هذه المنطقة التي على أساسها تبنى كلّ الخطط، وفيها تتضح معالم كل تغيير جديد في العالم.

فالغرب يريد أن يحافظ على فلسطين تحت سيطرة اليهود لإرضائهم وحتى تبقى مقياسًا يعرفون بها درجة وعي العرب، فكلّما أرادوا معرفة درجة وعي العرب ومدى استفاقتهم إلا ويثيرون قضية في هذه المنطقة ليعرفوا ويقيسوا حجم ردود أفعالهم، وذلك بوسيلتهم المحبوبة المكروهة لهم في نفس الوقت: ألا وهي ابنتهم المدللّة الدولة الصهيونية، أو ما يعرف بإسرائيل، والغرب اليوم يريد السيطرة على نفط الخليج وأمواله منها، ويريد التسلل إلى تركيا ونظامه منها أيضًا، خاصة أنّ هذا الأخير (النظام التركي) أصبح في السنوات الأخيرة يقلق أوروبا وأمريكا بنشاطه الاقتصادي، وخرجات زعيمه رجب طيب أروغان الذي زاد ويزيد عشاقه يوميًا من جماهير العالم الثالث، وخاصة الجماهير العربية التي أصبحت تراه أملها الوحيد، والذي يشفي غليلها بعد أن خيّبهم حكامهم العرب طيلة السنوات الأخيرة، كما أن الغرب من هذه المنطقةّ يريد إبقاء إيران تحت نظره دومًا.

وفي ظل هذا الصراع المعقّد الممزوج بخطة غربية محكمة تبقى كل السيناريوهات محتملة الحدوث ولعلّ أول سيناريو لحل الأزمة في المنطقة هو نهوض العرب وتحرير المنقطة من كل صراع من خلال بروز قوى يحسب لها ألف حساب كبروز مصر أو الجزائر أو حتّى العراق وسوريا مستقبلًا، أو توحّد العرب معّا كما حدث في موقفي 1967 و1973 وهذا السيناريو يبقى بعيد المنال في الوقت الحالي؛ لما تعيشه أغلب البلدان العربية من ركود سياسي وفكري، وحتى ضعف دبلوماسي، ولما تعيشه من خيبات وضعف على جبهاتها الداخلية.

والسيناريو الثاني هو تنامي قوة دولة تركيا التي تسعى لأن تبسط نفوذها في المنطقة وتكون قائدة لها، فهي تقود مشروعًا مناهضًا للغرب ومحرّرًا للمسلمين في المنطقة وهذا ما جعل الغرب يتفطّن اليوم لقوة تركيا وبدأت العراقيل تحوم حولها، آخرها محاولة جرّها لمستنقع الدماء في سوريا على حدودها بغرس إرهاب (داعش) فيها وكذا محاولة إحياء المشكلة الكردية التي توصّل إلى تهدئتها سابقًا الزعيم التركي أردوغان.

والسيناريو الثالث وهو المخيف على الإطلاق ويتمثل في تنامي قوة إيران والتي يراها الغرب الوسيلة الجديدة في أيديهم لبسط سيطرتهم على العالم الإسلامي والعربي، وذلك كونهم متيّقنين بأن وسيلتهم الحالية إسرائيل ستنهار، بل ستزول خلال السنوات القليلة القادمة بشهادة مكاتب دراسات عسكرية غربية واستشرافات سياسية، بل حتى وتنبّؤات أدبية فنّية وهي التي ظلت في أيديهم لعقود من الزمن شوكة في حلق العالم الإسلامي.

ولعّل ما يخيف في هذا السيناريو هو أن إيران جزء من العالم الإسلامي، ولكن يختلف تمامًا عن باقي أجزاء العالم الإسلامي الأخرى كونه شيعي العقيدة وثوري النظام وله طموح كبير في إعادة أمجاد الإمبراطورية الفارسية التي قادت العرب لسنوات، وإذا أرادت إيران السيطرة على دول العالم الإسلامي فإنّها ستدخل معهم في حرب طويلة الأمد ستستنزف كلّ الطاقات؛ كونها ستجمع بين مسلمين شيعة وآخرين سنّة؛ نظرًا لتأثير الاختلاف العقائدي على باقي مجالات الحياة.

وفي ظل كل هذه السيناريوهات يبقى السيناريو الأول بعيدًا عن الواقع، رغم أنّه حلم كل العرب المسلمين، والسيناريو الثاني هو الأبيض والمشرق والأقرب للواقع اليوم بعودة الإمبراطورية العثمانية المسلمة بقيادة تركيا، أمّا السيناريو الثالث فهو السيناريو الأسود على الإطلاق؛ لما له من عواقب على المنطقة، وعلى المسلمين ككلّ.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

تحميل المزيد