لم يكن لدي أدني فكرة عن موضوع مقالي القادم، فتحت حسابي علي «تويتر»، وإذ بتغريدة لصديق يطرح فيها عنوان هذا المقال كموضوع للنقاش، وبخبث طفولي لكاتب مبتدئ فتحت مدونتي، وكتبت العنوان «دوافع الإيمان بالله»، موضوع يستحق البحث؛ ليس في مواقع التواصل الاجتماعي، ولا بين طيات الكتب، ولكن في نفس كل واحد منا؛ لأن دوافع وحقيقة إيمان كل إنسان تختلف عن الآخر؛ أو هذا ما أعتقده، كما أعتقد أن فكرة وجود إله خالق يستحق العبادة هي فكرة أزلية فُطر العقل البشري عليها، مهما اختلف اعتقاد المجموعات البشرية في شكل هذا الإله أو ماهيته أوطريقة التواصل معه، أو حتى اعتقاد بعضهم في وجود العديد من الآلهة، كما كان الحال عند عدة حضارات سابقة، فإن فكرة وجود إله لازمت الإنسان منذ  نشأته.

وعند التفكير في الدوافع النفسية لتلك الفكرة أو هذا الاعتقاد بالمنطق العقلي البحت، وبعيدًا عن المعتقدات الدينية المختلفة والأدلة المادية التي اطّلع عليها، أو سمع بها الكثير من البشر عبر  التاريخ البشري، كالرسل والكتب المقدسة والمعجزات، وربما رآها بعضهم رؤيا عين، فإننا سنجد العديد من الأسباب والدوافع النابعة من داخل النفس البشرية لإيمان الإنسان بإله، وأما عن هذه الدوافع، فشخصيًا أراها على النحو التالي:

1- الإرث

والارث هنا يمكن اختصاره في «هذا ما وجدنا عليه آبائنا»، وبعيدًا عن أن هذه العبارة خصيصًا استخدمت في الغالب لتجسد حال الوثنيين عبر التاريخ، والذين أشركوا مع الله آلهه أخرى، إلا أن هذا النص يمكن أن يكون دافعًا قويًا في الاتجاه المعاكس أيضًا، وهو التوحيد، فلا يمكن إهمال نشأة الإنسان وتربيته والأفكار التي تزرع في عقله من قبل الأهل والعشيرة، خاصة إن كانت مقبولة لهذا العقل البشري؛ وتأثيرها على تكوينه العقلي، وتحديد ثوابته وخطوطه الحمراء، والتي يكون على رأسها بالطبع الإيمان بالإله، كلٌ حسب اعتقاده.

2- الحاجة

يبدو أن فكرة اللجوء للإله العظيم الوهاب الذي يملك كل شيء كانت ولاتزال الملاذ الأخير لمحاولة الإنسان الحصول على حاجاته التي لا تنتهي، والتي كلما زادت واستعظمت، زاد عجز الإنسان على تلبيتها والظفر بها؛ مما يجعله يلجأ إلى ربه، والذي حسب اعتقاده هو الغني الذي يملك كل شيء، فخزائنه ملأى، وأمره بين الكاف والنون، والحاجة كدافع بشري نحو الإيمان بالله دائمًا ما يجب ربطها بدافع آخر، وهو الضعف.

3- الضعف

والضعف في الغالب دافع حال، بمعنى أن الإنسان في أغلب أحواله ذو نزعة غرور وتعالٍ وشعور بالقوة وعجبٍ بالنفس، ولكن حين يضعه قدره في صراع ما مع أحد المخلوقات التي سُلِطت عليه، كالفيروسات أوالبكتيريا مثلًا في حالة المرض، أو في حادثة ما، كتعرضه للخطر، نتيجة رياح أو أعاصير أو أمواج عاتية أو براكين أو زلازل وما إلى ذلك، أو حى أمام أحد المفترسات من الحيوانات، حين يشعر الإنسان في لحظة ما بضعفه وقلة حيلته، يلجأ هنا إلى من يعتقد أنه قادر علي كل شيء، وأقوى من كل شيء؛ لينجيه من مهلكته هذه، ولهذا تدعونا معتقداتنا الدينية إلى استحضار هذا المعنى بشكل دائم؛ لأن هذا سيجعلنا نلجأ إلى الله دون انقطاع، والضعف يمكن اعتباره قرين الخوف.

4- الخوف

ربما يقول قائل إن الخوف نوع من أنواع الضعف البشري، وهذا صحيح بلا شك، إلا أنني هنا لن أتعرض إلى هذا الخوف الناتج عن حادثة ما، نتيجة أمر ما نعلمه، ولكني هنا أعني هذا الخوف الغيبي، الخوف مما لا نعلم، من المستقبل، من الموت، مما هو أبعد حتى من الموت، من تلك الأشياء غير القابلة للتجريب، ولا حتى التلقي عن طريق معرفة الآخرين، هي أشياء يعتقد البعض بها، ولا يؤمن بها آخرون، أو حتى لا يستطيعون تقبلها بشكل ما، ولكن معضلة هذه الجزئية تكمن في أن النجاة منها يرتبط بالإيمان بها، والإيمان بها يرتبط بالإيمان الحقيقي بالله، وفيها يتجلى المعني الحقيقي للإيمان الغيبي الراسخ، فلا يمكن تجنب مهالكها إن كان الاعتقاد فيها من جانب الاحتياط، فإما الإيمان التام بها وبربها، وإلا هلاك، كما أن عدم الاعتقاد ليس مبررًا لصاحبه في حال كونها حقيقة، لذلك يمكن أن نعتبر هذا النوع من الخوف من أقوى الأسباب التي تدفع الإنسان إلى الإيمان بالله.

5- الأمل

هو قرين الخوف الغيبي الذي تحدثنا عنه آنفًا، كما يمكن اعتباره على رأس الحاجات البشرية، وهو أمر بديهي في حال اعتقادك بأن إيمانك الحقيقي بالله سيكون سببًا في نجاتك من عذابات ومهالك، فهذا يعني ضمنيًا أملًا غير محدود في عطاءات كبيرة، وفوز وفلاح، ويجسد هذا في الديانات السماوية بالخلود في جنة والتقلب في نعيمها الأبدي الذي لا ينقطع، والحماية من منغصات الحياة الدنيوية، نهاية برؤية الله تعالى كما في الإسلام.

6- الجوانب الروحانية

لا شك أن هناك جوانب روحانية يصعب وصفها أو حتى تأصيلها بشكل علمي، لكنها موجودة وتحدث، فتجد الكثير من الناس يخبرك عن شعوره بالراحة بعد أدائه عبادة ما بكيفية معينة، كالصلاه بخشوع مثلًا أو قراءة القرآن بتدبر، أو اللجوء إلى الله بالدعاء والتضرع، وهذا لا يتعلق بالديانات السماوية فحسب، وإنما حتى في ديانات الشرق الأسيوي، كالبوذية وغيرها يمكن أن تتجلى معانٍ كهذه، نتيجة التفكر والتأمل؛ مما يستحضر شعورًا روحانيا فريدًا، وهذا بالطبع من أهم الجوانب التي تخلق لدى الفرد شعورًا حقيقيًا بصلته بالله؛ مما يزيد من تعلقه به، ويجعل الإيمان به أكثر عمقا ورسوخًا.

لا أدّعي بأن هذه هي كل الدوافع النفسية التي دفعت البشر إلى الاعتقاد الدائم بوجود إله لهذا الكون والإيمان به، حتى في حال عدم وجود أنبياء أو كتب سماوية أو معجزات، ولكن هذا ما توصلت إليه بجهد عقلي شخصي؛ مما يعني بالطبع احتمال الخطأ قبل الصواب، والموضوع بكل تأكيد لازال مطروحا للنقاش.

أما عن صديقي طبيب الأوعية الدموية السكندري صاحب الفكرة، فلا أعلم إن كانت إشارتي له هنا ستكون شافعًا لي عنده في حصولي على الفكرة دون الرجوع إليه، أم أن حيلتي هذه لن تجدي نفعًا، عمومًا سأعلم هذا قريبًا، فله مني خالص المحبة والتحية والاعتذار.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

عرض التعليقات
تحميل المزيد