إنَّ التحديات التي يواجهها العالم الإسلامي اليوم جدُّ مستعصية من كل النواحي السياسية والعسكرية والاجتماعية والثقافية، وقد بيَّن الغرب اليوم في وَضَح النهار عن نواياهم، وتكشرت الأنياب وسقطت الأقنعة، ورُفع الستار، وظهر للعالم أجمع «سيناريو» هاته المسرحية المهزلية التي تدخل ضمن قانون الغاب، تتبادل فيها الأدوار ويتنوع الإخراج من فصلٍ إلى فصل، وتتلون العلاقات والسياسات تلون الحرباء، والمخرج واحد في الأخير.
وإننا مهما حاولنا أن نعرف الأسباب التي تقف كحجر عثرة وتنخر في دروب العالم الإسلامي، وترصد نسق تطوره، وتزرع بذور الفتن عن اليمين والشمال، وجدنا كما قال المفكر الراحل «مالك بن نبي»: هي تلك الأسباب التي تنتج عن قابلية الاستعمار هي الأسباب ذات الشوكة والغلبة، وطبيعي أن نرى لهذا الوضع انعكاساته في الميدان السياسي.
وإن عالمنا ليتجه صراحة إلى تفكك شبه حتمي، والمطلع على التقارير التي يكون منبعها من بلاد العم سام والصهيونية سيعرف ما أقول، وقد أصدر الباحث الأمريكي ثيودور لوثروب ستودارد كتابه (The New World of Islam) العالم الإسلامي الجديد ليرصد هذه الروح التي سرت في جسد الأمة منذرًا قومه ما ينتظرهم، ولقد فهم الغَرْبُ ذلك التحذير وذَاعَ الكتابُ في أوروبا والولايات المتحدة ذيوعًا عظيمًا، وتُرجم إلى الفرنسية وغيرها من اللغات الأوروبية وأعيدت طباعته بالإنجليزية مرات، وأحله الساسة والباحثون المحل الأرفع وأقبلوا عليه واهتدوا به في الإحاطة بطبائع المسلمين والانقلاب الإسلامي في آسيا وإفريقية، واتخذوا منه عونًا على تدبر ما بين العالم الإسلامي وبين دول الغرب المستعمِرة من علاقات، وقد وصفته إحدى المجلات الإنجليزية بأن صاحبه إرميا القرن العشرين.
وإنّ التحديات التي تواجه المسلمين في عالم اليوم هي تحدّيات معقدة وفي حاجة إلى إرادة قوية وعزيمة صادقة، وعندما نتأمّل هذه التحدّيات نجد أنها ليست كلها جديدة تمامًا، فقد بدأ بعضها في الظهور في النصف الأخير من القرن العشرين وبصفة خاصة في العقد الأخير منه، فقد حدثت في هذا العقد تطوّرات بالغة الأهمية وعلى رأسها انهيار الاتحاد السوفياتي السابق، وظهور القطب الواحد في العالم، وانتشار الخوف غير المبرّر من الإسلام في الغرب بوصفه العدو البديل أو الخطر القادم الذي يهدّد الحضارة العالمية، والترويج لنظريتي (صدام الحضارات) و(نهاية التاريخ)، والتطورات العلمية الجديدة مثل الاستنساخ وزراعة الأعضاء، وغيرها مما قد يزعزع المعتقد الديني في عالم القرن الحادي والعشرين.
وإذا كانت هذه التحدّيات تمثل تحدّيات خارجية فهناك بالإضافة إلى ذلك تحدّيات داخلية عديدة من أهمّها: التخلف الذي تعاني منه الأمة الإسلامية، وانتشار ظاهرة الإرهاب في العالم الإسلامي على نطاق واسع، رغم أنها تعدّ ظاهرة عالمية. ويرتبط ذلك كله أيضًا بالفهم الخاطئ للإسلام، والتفسيرات المغلوطة لتعاليمه، وخطر الفكر الداعشي الذي هو أشدّ ضررًا على الإسلام من خصومه. وهذا إجمال يحتاج إلى تفصيل يبيّن موقف الإسلام من ذلك كله.
الكل سيدفع الثمن عاجلًا أم آجلًا عن هذا التقهقر اللامنتهي، لست من أنصار فكرة المؤامرات وغيرها لكن الخطط تحاك بالليل والنهار سرًّا وعلانية، وقد قالها أحد الاستراتيجيين الأمريكان ذات يوم في إحدى المجلات لما سئل عن هاته الخطط التي تظهر هنا وهناك عوضًا من السرية، فردَّ قائلًا: «لأن العرب لا يقرؤون، وإذا قرؤوا لا يفقهون، وحتى وإن فقهوا لا يعملون»، وقد كتب مثل الجنرال بيترز في مجلة القوات العسكرية سنة 2008م عن «حدود الدَّم» كيف سيغدو الشرق الأوسـط شرقًا وقطبًا جميلًا على حد قوله، لكن لابدَّ من دفع الدماء الكثيرة وهذا لا حيلولة دونه، وما الذي يحدث اليوم على مرأى أعيننا إلا نماذج فقط والقادم (الله يستر).
إن السيطرة التي حظي بها الغرب على الشرق لم يشهد لها التاريخ مثيلًا أبدًا من حيث الخطورة والمدى والقصد، وإنَّ العالم الإسلامي إن لم يرجع كثيرًا من القرارات والاعتبارات وقراءة للظروف من كل النواحي، فستكون كارثة تلعنها بسببها الأجيال. تذكروا: «وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ»، فصراع اليوم صراع عقيدةٍ وتاريخ، والسنن لا ترحم.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست
علامات
العالم الإسلامي