في خضم الأحداث الأخيرة في الأردن، بزغ مصطلح جديد يحاول بعض السياسيين في الأردن أن يعزفوا عليه، ألا هو «هيبة الدولة»، فحينًا نسمع البعض يقول: لن نسمح لأحد أن يمسّ هيبة الدولة، والبعض الآخر يصرّح «هيبة الدولة خط أحمر»، حتى أصبح البعض يظن بأن الدولة تقتصر على رجال الحكومة، والمساس بهم خط أحمر.
فما هي «هيبة الدولة»؟
الأصل أن توضيح مفهوم «الدولة» حتى يتسنى لنا معرفة ماهية هيبة الدولة. فالدولة هي مجموعة من الناس تسكن رقعة جغرافية معروفة الحدود، مستقلة، يحكمها دستور واحد، وتتعامل بعملة نقدية واحدة.
وهنا نجتزئ من التعريف جزئية الدستور، وهو الذي يكوّن السلطات، التي تحكم البلاد بطبيعتها.
فما هو مصدر السلطات؟ سواءا التشريعية، أو التنفيذية، أو القضائية؟
إنه الشعب، مصدر السلطات التي تحكم أي بلد – أو بالأحرى – الدول الديمقراطية، فالأصح عند الحديث عن «هيبة الدولة» ألا نتحدث عن هيبة جماعة معينة تحكم.
ففي سابقة قام «أسامة العجارمة» وهو نائب أردني وطنيّ بطرح مشكلة فصل التيار الكهربائي عن وطنٍ بأكمله – بدون أي مبرر – ليقابله رئيس مجلس النواب بقطع الصوت عنه، «الصوت» هو آخر ما تبقى لأبناء هذا الوطن للدفاع عنه، فما كان من النائب إلا أن غضب بعد تكرار قطع الصوت عنه لمرات عدة، وطرح كلامًا – حتى وإن أخطأ فيه – في لحظة غضب.
فما كان من مجلس النواب إلا أن عقد جلسةً طارئة للتصويت على عزل النائب من عضويته في المجلس – مع التشكيك في دستورية القرار – وبتصويت الأغلبية قد دخل هذا القرار حيّز التنفيذ ولمدة عام واحد.
تعالت الأصوات المؤيدة والمؤازرة للنائب بعدم دستورية هذا القرار، واستمرت الاحتجاجات المناهضة للحكم عدة أيام، ليخرج بعدها رئيس مجلس الأعيان مصرّحًا تصريحًا مثيرًا للجدل بأنه «لن يسمح بالمساس بهيبة الدولة».
فتساءلت شأني شأن غيري: أين كان هذا الرجل عن الأحداث التي حصلت من قبل وهزّت كرامة الشارع الأردني؟ أم أنتم «كالذين يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعضه»، أين هيبة الدولة من اعتقال اثنين من المواطنين الأردنيين لمدة تزيد عن أسبوعين لدى دولة الاحتلال الصهيوني، وأنتم الذين أنزلتوا رؤوسكم عندما قُتل اثنان من المواطنين الأردنيين على أرض الأردن على يد حارس أمن ٍ إسرائيلي، والأدهى والأمرّ أنه تمكن من الخروج من أراضي «الدولة» بدون أي مساءلة، حتى أن رئيس وزراء الاحتلال استقبله استقبال الأبطال، ولم نر أيًا من رجال الحكومة «شرواك» خرج وقال إن هذا مساس بهيبة الدولة.
هيبة الدولة سعادتك هي كرامة المواطن، هي كرامة الوطن، هي منعة وقوة الدولة للمواطن، وليس على المواطن، والدولة «مش سعادتك وسعادته» ولا «دولتك ودولته»، الدولة هي الشعب، الشعب الذي تخدمه، الشعب الذي هو مصدر السلطة، السلطة التي أنت جزء صغير منها، فلنبتعد عن تكميم الأفواه، ولنبتعد عن ازدواجية المعايير، هذا الشعب عظيم، لم يبقى لنا غير الدفاع عن الوطن بألسننا، وذلك أضعف الايمان.
المطلوب الآن وقفة عقلانية كي لا تتأزم الأمور أكثر من ذلك، بعيدًا عن المزاودات والوطنيات، فكلنا نعشق تراب هذا الوطن، يتطلب الآن سماع كافة وجهات النظر، وتحكيم العقل، درءًا للفتن.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست