إن بعض الناس قد مرت عليها مصاعب وأزمات كثيرة في الحياة هددت أمنهم وسلامتهم منها الحروب والزلازل، والأعاصير أو البراكين وأحيانًا السيول أو الصقيع الذي يميت الناس بردًا لكن كانت كلها أعداء مرئية وملحوظة يعرف من أين تأتي وما هي ماهيتها؟ وبالتالي يتضح لنا كيفية مواجهتها وتجنبها في وقت قصير.

أما موضوع اليوم فهو شبح دائري يهدد الجهاز التنفسي لدى الإنسان، ولأنه غير معروف فقد أطلق عليه اسم كورونا الجديد الذي يطلق عليه اسم الهالة. فقد بدا للجميع أنه مشابه لأعراض مرض السارس الذي يهاجم دون إنذار، وهو نوع متطور عن فيروس كورونا المعروف، لأن هذا النوع لم ينتقل من الإنسان للإنسان، بل انتقل من الحيوانات البرية للإنسان، وتحديدًا الخفافيش أو كما تسمى الوطاويط، لكن ما علاقة الخفافيش بالإنسان وما هي ندرة تلك السبل التي تجمع بين الخفاش والإنسان؟!

إن ذهبت إلى مدينة ووهان في الصين من قبل فستقف على الحقيقة بنفسك. ذلك لأن مصدر العدوى الرئيسي كما أثبتت المصادر هو سوق هاينان للبحريات (华南海鲜市场) في مدينة ووهان، وهو أمر شائع أن يتناول بعض الصينيين لحوم تلك الحيوانات البرية في محاولة للخروج عن المألوف. كما أنه ووفقًا لدراسات سابقة حول سلسلة فيروسات عائلة كورونا بأنواعها، أن الخفافيش تعد هي المصدر الرئيسي، فالخفافيش كائنات غير نظيفة تحتك بالمخلفات وخاصة المخلفات الحيوانية، وكون الفيروس ينتقل عبر العدوى التنفسية وأيضًا عبر الجهاز الهضمي والفم.

مثال بسيط على انتقال الفيروس: لو افترضنا أن أي من الخفافيش الحاملة للمرض قد أكل بعضًا من فاكهة معينة ثم سقطت منه بعد أن صارت ملوثة بالفيروس ثم أتت بعض الحيوانات البرية مثل: كلب الراكون، قط الزباد، والآيل، والغُرير، والثعابين البرية، فتتناولها وتصبح مصابة، وشائع في الصين تناول لحوم الحيوانات البرية السابقة خاصة في ذلك السوق المذكور أعلاه والتي تتداول فيه الحيوانات البرية بصورة قانونية، وأحيانًا في بعض الأسواق الشعبية في الصين التي تنعدم فيها مقومات الرعاية الصحية للحيوانات البرية بشكل كامل، بل حتى أنها لا تطبخ بصورة صحية، وهذا يسرع من انتقال الفيروس، كما في حال سوق البحريات في مدينة ووهان.

لذلك قد تم منع تجارة الحيوانات البرية لما قد تحتويه من فيروسات مميتة للبشر أو تسبب طفرات جينية لفيروسات تصبح أكثر خطورة وتهدد بتفشي المرض بين البشر. الأمر الذي أدى إلى وجود إحصاءات صادمة وحالات عديدة مصابة بهذا الفيروس في أيام معدودة. حسب الإحصائيات حتى منتصف ليل الـ24 من يناير 2020، تم الإبلاغ عن 17 حالة وفاة، وأكثر من 549 حالة مصابة. 137 حالة مشتبه بها، وبعض الحالات التي تم شفاؤها.

يأتي هذا بجانب ما قد أعلنته بعض المقاطعات والأقاليم ذاتية الحكم، فقد أعلنت مدن أخرى عن وجود حالات محدودة جدًا للمرض لأول مرة فيها مثل مقاطعات: Shaanxi، Jiangsu، Liaoning، Macao، Hongkong.

وبهذا يكون المرض قد وصل إلى 13 مقاطعة. ذلك لأن أعراض المرض لا تظهر إلا بعد ستة أيام على الأقل، فربما يكون الشخص الحامل للمرض لا يعلم بذلك ولا يشعر به، لكنه إن خالط أيًا من البشر فإن الفيروس ينتقل لهم عن طريق التنفس أو السعال، وربما الأصعب في تلك الأزمة هو التوقيت الذي تظهر به، فظهورها مع هذا البرد وخلال عطلة عيد الربيع الصيني يجعل التعامل معها صعب، وقد يستنفذ كل مقومات الصين الاقتصادية ومواردها لسنوات طويلة، وسنأتي لهذا في الجزء النهائي من المقال.

ولأن فترة عيد الربيع تصعب التعامل مع المرض لكثرة التنقل والتجمعات والزيارات بين الصينين، كونها أهم عطلة في الثقافة الصينية، فقد أعلنت وزارة الصحة الصينية عن أن النسبة الإجمالية للأشخاص المصابين والمشتبه بهم هي 32453 إنسان على مستوى الجمهورية. وأن نسبة 22% فقط من الحالات المصابة لديها اتصال مباشر بسوق ووهان للبحريات، 31%؜ من المصابين لديهم اتصال بأشخاص لديهم بعض الأعراض المرضية، ولكن 51%؜ من المرضى لم يكن لهم اتصال بذلك السوق أو مخالطة لأي أشخاص مصابين، وتتفاوت أعمار المصابين ما بين 26 إلى 89 سنة، وطبقًا للبيانات والدراسات الإحصائية والوبائية إلى الآن، فقدد تبين أن الأطفال وصغار السن ليس من السهل تعرضهم للإصابة.

كما أنه في مقابلة لـ«CCTV» مع عمدة ووهان يقول إن العدوى (فيروس كورونا الجديد) انتقلت من أحد المرضى إلى طبيب واحد و13 ممرضة أثناء عملية جراحية بسبب عدم تطبيق إجراءات التقصي المعتمدة. الأمر الذي نتج عنه إعلان مدينة ووهان مدينة تحت الحجر الصحي، ففي قرار حازم وصارم وابتداء من الساعة 10 من صباح يوم الخميس الموافق 23 يناير 2020 قد تم إيقاف جميع وسائل النقل العامة بمدينة ووهان التي يقطنها ما يزيد عن 11 مليون نسمة حتى إشعار آخر.

كل هذا يحدث والعالم في حالة تأهب لكل ما يحدث في الصين، لكن الملفت للانتباه هو رد بعض العرب على أزمة هذا الفيروس الجديد، فما هي إلا مكيدة بوليسية من المخابرات الصينية لجني بعض الأموال من تداول الأمصال ولقاح المرض، وهؤلاء لا يشار حتى إلى الرد عليهم لأنهم هم نفس الأشخاص الذين يعيشون تحت مظلة المؤامرة.

أي دولة تلك التي ستغامر بأرواح مواطنيها من أجل المال؟ أتعلم كم كانت الصين لتجني خلال أيام عطلة عيد الربيع لو لم يظهر هذا المرض؟ اذكر لي دولة واحدة، أو مدينة واحدة على وحه الأرض تخلو من الصينيين لتصبح مأوى من المرض أو انتشار العدوى.

مايقوم به الصينيون في تلك الأيام سوف يسطره التاريخ فقد أقروا منذ اليوم الأول مواجهة هذا المرض بكل ما أوتوا:

– أعلنت الحكومة بناء مستشفى يحوي ألف سرير لعلاج هذا المرض في مدينة ووهان وفي مدة لا تزيد عن ستة أيام كما قد أقرت الحكومة الصينية أن كل العلاج لهذا المرض يتم على نفقة الدولة.

– لم يطلب أحد من العمال راحة ولم يتراجع الأطباء عن تقديم يد العون رغم الخطورة، فهم يعملون ليل نهار بساعان راحة لا تتجاوز الساعتين.

ـ منعت الحكومة كل حالات الزيادة في أسعار الكمامات الطبية أو أسعار الطعام ووصلت الغرامات التي فرضتها على من حاولوا الاستفادة من الأزمة إلى 200 ألف يوان صيني.

ـ تبرع الشعب ببعض من هداياهم في صورة مالية إلى بناء المشفى في ووهان وللمصانع التي تنتج الكمامات الطبية.

– لم تغلق المصانع أبوابها رغم العطلة، بل وأن بعض الناس يشترون كميات كبيرة من الكمامات ويقومون بتوزيعها مجانًا على المارة في الطرقات.

– وفرت الجامعات الطعام والشراب والدوريات الطبية لكل الطلاب الأجانب في مساكنهم لتفقد حالتهم الصحية.
ـ تبرعت الشركات الكبرى كشركة بايدو وشركة هواوي وشركات أخرى بما يعادل مليار و600 مليون يوان لتوفير المستلزمات الصحية خلال تلك الأزمة.
– ما زال عمال النظافة يقومون بواجباتهم وأعمالهم من تشجير وتنظيف يوميًا دون توقف.

ربما سيكلف هذا الأمر الصين كميات هائلة من المال، وإيقاف السياحة والأعمال، لكنه وبلا أدني شك سيرفع الروح الوطنية ويعزز الجانب المعنوي لديهم. فمعروف عنهم أنهم يخرجون أقوى بعد الأزمات.

وعلى غير المتوقع يأتي دور العرب، وخاصة بعض المسلمين على صفحات وسائل التواصل الاجتماعي، الذين لم يأخذوا من الإسلام إلا اسمه ولا من القرآن إلا رسمه، بالدعاء على الصينيين بالهلاك، بل واستدلالهم ببعض الآيات التي يأخذونها على غير ما نزلت له في الدعاء عليهم جراء ما كان منهم تجاه مسلمي الأويغور.

وما كل هذا إلا جهل وقول بغير علم. فهؤلاء لا يرد عليهم إلا بسؤالهم: أين كانت كل تلك الأدلة الدينية عندما مات مسلمو أفريقيا من المجاعات وأصبحوا طعامًا للطيور؟ وأين كانت كل تلك الاستشهادات من الكتاب والسنة التي تضعونها في غير موضعها وتستخدمونها حسب أهوائكم في غير ما نزلت له عندما هُجّر الإخوة السوريون واليمنيون عن بلادهم وأوطانهم والكل مُنكِس رأسه دون حِراك؟ هل من الممكن أن تتوقف موجة النفاق تلك ولو لأيام أو ساعات معدودة؟ هل بالإمكان أن ينشغل كل إنسان بما لديه لمدة يوم واحد دون التدخل في شؤون الآخرين؟

ما دامت كل طائفة من الناس تعتقد أنها وحدها من تُطبق شرع الله وتحيا حياة صحيحة، وكل من عادوها يستحقون العقاب فلن ينصلح الحال، بل إننا سنفقد الجزء المتبقي من تلك الإنسانية. الإنسانية التي نستظل كلنا تحت قُبعتها رغم كل طوائفنا وانتماءاتنا ودوافعنا وأحلامنا المختلفة، فكلنا بشر قبل كل شيء. تولد إنسانًا أولًا ثم تنقسم إلى مسلم، مسيحي، يهودي، بوذي، وكل ما عدا ذلك من اختلافات كاللون والبلد واللسان إلى آخره.

إن كان لا بد لك أن تُطلق أحكامًا على الآخرين فضع نفسك مكان الشخص الآخر أولًا قبل أن تحكم عليه لتعرف دوافعه، أو استشعر بعضًا من معاناته فتعذره، حاول أن ترى الأمر بعينيه ربما تتفهم موقفه أو على الأقل تهدأ لديك روح القاضي التي لا ترحم تلك.

فأين العمل بـ«الدين المعاملة»؟ ولا يحضرني سوى قول الدكتور مصطفي محمود: ليس المهم أن يكون في جيبك مصحف، المهم أن تكن في أخلاقك آية.

أخيرًا، هناك مخاوف صينية ودولية إذا ما تحولت عدوى الفيروس إلى وباء أو انتشار واسع النطاق، وهذا ما لم يعلن حتى الآن بفضل الله، ويمكن لمصاب واحد نقل العدوى لأكثر من ثمانية أشخاص، إذ سبق وتكرر هذا أثناء تفشي فيروس «سارس» عام 2003، إذ يذكر أن مصابًا واحدًا في بكين اعتبر مصدرًا لنقل العدوى لأكثر من 76 شخص، من بينهم 12 شخصًا في القطاع الصحي.

وفي عام 2003 استمر انتشار فيروس سارس لمدة سبعة اشهر، أصيب فيه اكثر من 8 آلاف حالة، وتوفي ما يقارب 800 حالة، وامتد المرض ليصل لأكثر من 30 دولة حول العالم.

لكن ما يحدث الآن من شأنه تسهيل التعامل مع الحالات المصابة، وهو ما بدا من خلال ارتفاع حالات التعافي التي خرجت من المستشفيات بالفعل، والتي بلغ تعدادها 56 حالة.

وقد أعلنت بالأمس الإثنين الموافق 27 يناير 2020 بعض شركات الأدوية في مدينة شنغهاي التوصل إلى لقاح عبارة عن بخاخ يستعمل في الفم، ليأتي الأطباء في ووهان وكل سكانها في المرتبة الأولى التي يتوجب عليهم استخدام اللقاح.

وحتى هذه اللحظة فإن الإحصاءات كالآتي: عدد المرضي 4470، عدد المشتبه بهم: 5794، عدد الوفيات 106، عدد الحالات التي تم شفاؤها: 60 حالة.

نسأل الله السلامة للجميع ولنحرص على الخروج من الأزمات بكسب القلوب فربما كانت النهاية. عافانا الله وإياكم ودمتم بخير.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

المصادر

تحميل المزيد