تقرير النموذج التنموي الجديد هو عبارة عن رؤية مستقبلية لـ2035، ويرى فيه المغرب بلدًا ديمقراطيًّا، وأكد على ضرورة التشبث بالاختيار الديمقراطي، لكنه لم يتطرق في تشخيصه لضرورة تحييد السلطة ورفع اليد عن الأحزاب السياسية التي يجري التحكم في استقلاليتها من وراء ستار، كان عليه كذلك التركيز على أهمية صون وحماية إرادة الناخب مهما كانت نتائج الإقتراع الانتخابي.
ومن بين ما جاء في التقرير، مسألة العمق التاريخي والهوية، وكذلك القيم الثقافية والدينية التي يمتاز بها المغرب، لكن مرة أخرى لم يشر التقرير إلى ضرورة تحقيق استقلال ثقافي بعيد كل البعد عن الطابع الفرانكوفوني الذي يغلب عليه، كان من المهم التركيز على كل من استقلالية المجال الثقافي ومعه استقلالية الأحزاب السياسية، لأنهما من العوامل الأساسية لتحقيق الأهداف والإصلاحات المنشودة في أفق سنة 2035.
شكيب بنموسى ومن معه في تقريرهم الذي يستشف منه استهداف الفعل السياسي من خلال بعض الخلاصات والتوصيات الشاردة عن السياق السياسي الذي أخذ فيه المغرب خطوات إلى الأمام من أجل تكريس وتعزيز الديمقراطية في المغرب رغم بعض الإكراهات والتحديات، لم يتطرقوا لخطورة التضييق على حرية الرأي والتعبير، أبرزها المتابعات التي تقع في حق بعض الصحافيين الذين كانوا يمارسون النقد البناء من خلال كتاباتهم وافتتاحياتهم لبعض القرارات، وكذلك الإشارة لبعض الأعطاب بعضها ذكرت في تقرير اللجنة الخاصة للنموذج التنموي، الذي على ما يبدو نال رضا البنك الدولي وفرنسا التي لم تخف رغبتها في مواكبة ما تضمنه من أهداف وخطوط كبرى للقيام بالإصلاحات المنشودة طمعا في نيل بعض الامتيازات، وهذا ليس بالأمر الغريب، فأغلب أعضاء اللجنة الخاصة توجهاتهم وأفكارهم فرانكوفونية، فالتقرير تضمن كلامًا سلبيًّا عن القادة السياسيين دون أن يميز من المقصود بهؤلاء «القادة»، وتكلم عن الدستور ومسألة التحالفات، لذلك كان من الأجدر بهم (أعضاء اللجنة الخاصة) الحديث مثلًا عن خطورة زواج المال والسلطة على الدولة، وضرورة إصلاح وزارة الداخلية وجعلها أكثر حيادية، من خلال تقليص حجم تدخلها في اختيارات المؤسسات المنتخبة، بما فيها نزع صفة المصادقة أو التأشير على الميزانيات التي تصادق عليها المجالس المنتخبة من الولاة والعمال، وحصر مهامهم في ما هو له علاقة بالتنسيق.
تحقيق أهداف الرؤية المستقبلية 2035 مرتبط بضرورة الوصول لنسبة نمو تفوق 6%، هذا الرقم يا للمفارقة قريب من كلفة الفساد التي تتعدى 5% من الناتج الداخلي حسب خلاصات المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، ومن بين أبرز مظاهر الفساد في المغرب، اقتصاد الريع، والذي كما جاء في تقرير اللجنة الخاصة للنموذج التنموي، يعد من العوامل المعوقة للتطور والتنمية في البلاد.
التقرير مع الأسف غرق في التشخيص دون طرح أي آليات أو مخططات تساهم في تحقيق أهداف التنمية 2035، كالحد من ظاهرة الفساد، فعلى سبيل المثال خفض نسبة الفساد بنقطتين سيجعل المغرب يحقق نسبة نمو 6.6% إذا أضفنا للنقطتين نسبة النمو 4.6% التي من المرتقب أن يحققها المغرب هذه السنة.
انتشار ظاهرة اقتصاد الريع وضرورة الحد منه ليس مسؤولية الحكومة وحدها، فهي إرادة دولة، لأن هذا النوع من الفساد تكرسه السلطة مع الأسف، من خلال بعض العطايا والمأذونيات والتراخيص والأراضي التي يتم منحها لمن يؤدي أو يسدي خدمات لها، وخير دليل على ذلك التحقيق الذي قام به الصحافي المعتقل عمر راضي حول خدام الدولة.
أبرز قطاع يعرف انتشارًا وتفشيًا لظاهرة الريع، هي وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، لكن التقرير العام للجنة الخاصة بالنموذج التنموي لم يشر في خلاصته لذلك، لغاية في نفس يعقوب، لكنها (اللجنة الخاصة النموذج التنموي) تجرأت على إبداء رأيها في الدستور 2011 والمنطق الذي تم من خلاله تدبير التحالفات وما عرفته الولايتان الحكوميتان، رغم أن دورها في الأساس اقتصادي-اجتماعي.
كما يقال تمخض الجبل فولد فأرًا.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست