الأوامر الملكية التي تم بموجبها الإطاحة بالأمير مقرن من ولاية العهد ليحل محله ولي ولي العهد ووزير الداخلية الأمير محمد بن نايف، وتعيين الأمير محمد بن سلمان وليًا لولي العهد مع احتفاظه بمنصبه وزيرًا للدفاع، ربما لم تكن مفاجئة للجميع، ذلك أن تعيين مقرن وليًا لولي العهد سابقًا لم يحظ في الأصل بقبول جناح كبير داخل العائلة المالكة، فضلًا عمَّا شاب عملية التعيين من ملابسات جعلت منه برأي البعض مجرد جسر لتمرير انتقال السلطة من جيل أبناء الملك المؤسس إلى جيل الأحفاد من نسل الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز وهو ما شكل حالة من السخط داخل العائلة المالكة وبخاصة جناح السديريين الذي ينتمي إليه الملك سلمان.

يرى مراقبون أن إعلان الأمير مقرن أصغر أبناء الملك المؤسس “عبد العزيز آل سعود” والمولود لأم يمنية وليًا لولي العهد في عهد الراحل عبد الله متجاوزًا إخوته الأكبر سنًا والأرفع نسبًا من جهة الأم إذا ما قورن بهم، لم يكن إلا مقدمة لإقصاء الأمير سلمان الذي كان وليًا للعهد حينها عن كرسي الملك بحجة عدم الأهلية، وإفساح الطريق أمام الأمير متعب بن عبد الله ليكون وليًا للعهد بعد أن تتم مبايعة الأمير مقرن ملكًا جديدًا للبلاد وذلك وفقًا لترتيبات اتُّهِم رئيس الديوان الملكي السابق “خالد التويجري” بتدبيرها.

ولأجل ذلك سارع جناح السديريين والموالون لهم إلى إعلان خبر وفاة الملك وإعلان البيعة للأمير سلمان ملكًا جديدًا للبلاد، ثم سلسلة القرارات التي أصدرها الملك سلمان فور مبايعته والتي كان أهمها عزل رئيس الديوان الملكي خالد التويجري من منصبه إضافة إلى تعيين الأمير محمد بن نايف وزير الداخلية وليًا لولي العهد، والأمير محمد بن سلمان وزيرًا للدفاع خلفًا لوالده ورئيسًا للديوان الملكي.

المشكلة حاليًا داخل العائلة المالكة لا تنصب على إعفاء الأمير مقرن من ولاية العهد، بل في القرارات التابعة لذلك من تعيين الأمير محمد بن نايف وليًا للعهد والأمير محمد بن سلمان وليًا لولي العهد، وهو ما يتوقع منه ارتفاع الأصوات المعارضة داخل العائلة المالكة، الأمر الذي ينبئ بمشاكل قد تقوض من استقرار نظام الحكم في البلاد، فكما يبدو فإن الملك سلمان هو آخر ملوك الدولة السعودية الذين يحظون بإجماع داخل العائلة الحاكمة في البلاد، وهو ما سيترتب عليه ازدياد حمى الصراع بين جيل الأحفاد الذين لا يرون أحقية كل من بن نايف وبن سلمان في ولاية وولاية ولاية العهد.

أبرز أبناء عبد العزيز الطامحين في الحكم خلفًا للملك سلمان هو الأمير أحمد بن عبد العزيز الذي يرى البعض أن تعيين مقرن وليًّا لولي العهد لم يكن إلا محاولة لتجاوزه لتسريع عملية نقل السلطة إلى الجيل الثالث في العائلة المالكة، فالأمير أحمد بن عبد العزيز يحظى باحترام وقبول كبيرين داخل العائلة المالكة، وهو الأقدر على تهديد استقرار الأمور لكل من بن نايف وبن سلمان، حيث لم يتبق لهما من خصوم أقوياء سواه إضافة إلى الرجل الطامح في ولاية العهد والحكم الأمير متعب بن عبد الله نجل الملك الراحل، رئيس الحرس الوطني أبرز قطاعات الجيش السعودي.

الخطوة المقبلة للمحمدين بن نايف وبن سلمان هي ضمان قبول أو على الأقل سكوت الأجنحة المختلفة داخل العائلة المالكة التي ستكون ربما عبر سلسلة من الترقيات والترفيعات لرموز داخل آل سعود تُرضي مراكز القوى فيها، يليها الخطوة الأهم والمتمثلة في إزاحة الأمير متعب بن عبد الله عن رئاسة الحرس الوطني لما يشكله بقاؤه على رأس الجهاز الذي يدين له بالولاء من منعة وقوة قد يستغلها في مراحل مقبلة لفرض أمر واقع قد يدفع به مجددًا نحو الاقتراب من ولاية العهد ومن ثم العرش.

لا يعلم أحد كيف ستتم عملية الإطاحة بالأمير متعب لكن من غير المستبعد أن يحاول الأمير محمد بن سلمان بصفته وزيرًا للدفاع الاستفادة من مجريات العملية العسكرية لبلاده في اليمن عبر توريط الحرس الوطني الذي يقوده الأمير متعب في عمليات برية داخل الأراضي اليمنية ينجم عنها خسائر في صفوف قواته تساهم في إضعاف موقفه وتجعل من مسألة الإطاحة به مسألة مهنية بحتة لا علاقة للصراع الخفي على كرسي الحكم بها، وهو أمر له محاذير وليس من السهل على الأمير محمد بن سلمان نفسه ولا على ولي العهد محمد بن نايف اتخاذه، ذلك أن خسارة المعركة في اليمن تعني علامات استفهام كبيرة حول قدرتهما على قيادة البلاد لاحقا، وفرصة سانحة للمتربصين بهما داخل العائلة المالكة للنيل منهما وتكوين تحالفات هدفها الإطاحة بالرجلين أو بأحدهما على الأقل، وبمفهوم المخالفة فإن نجاح عملية “إعادة الأمل” في تحقيق أهدافها يعني مزيدًا من القوة والنفوذ لكل منهما وإثباتًا لمقدرتهم على حكم البلاد ومجابهة التحديات والأخطار التي تواجهها المملكة بحسم واقتدار.

كما أن السؤال يُطرح حول إمكانية استمرار التحالف بين كل من محمد بن نايف ومحمد بن سلمان، إذ أنه كما فتح الملك اليوم الباب أمام إمكانية إعفاء ولي عهده من منصبه فإنه ليس من العسير على خلفه أن يكرر نفس الأمر خاصة إن كان ولي العهد – حينها – لا يحظى بإجماع كبير داخل العائلة المالكة، وهو أمر من الممكن أن يفتح الغوص فيه إمكانية قيام الأمير محمد بن سلمان من إضعاف وتقويض لسلطات ولي العهد الأمير محمد بن نايف أو حتى الإطاحة به إن لزم الأمر، غير أن ما يمكن أن يجعل الأول يثق بالأخير هو أن محمد بن نايف ليس له طموح في توريث الحكم لنسله لسبب بسيط هو أنه ليس له أبناء ذكور، كما أن مصير الرجلين مرتبط إلى حد بعيد ببعضهما، ذلك أن الرفض داخل العائلة المالكة لم ينصب على تعيين بن سلمان وليًا لولي العهد وحسب، بل على تعيين بن نايف في ولاية العهد أيضًا.

لا شك أن المملكة مقبلة على مرحلة عصيبة سمتها النزاع بين موازين القوى داخل العائلة المالكة خاصة إذا ما ألمّ طارئ بصحة الملك سلمان قبل أن يتمكن كلٌّ من ولي وولي ولي العهد من توطيد نفوذهما وإسكات الأصوات المعارضة لهما بين ورثة الملك المؤسس عبد العزيز.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

عرض التعليقات
تحميل المزيد