عندما تخدم التكنولوجيا العمل الفني

من 5 يونيو (حزيران) 1967 تاريخ العدوان والاحتلال الإسرائيلي لسيناء إلى 5 يونيو 2019 تاريخ عرض الفيلم في السينمات المصرية تحركت كثير من الأمواج في المياه الراكدة.

فعدو الأمس أصبح صديق اليوم ونرسل له الطائرات لإخماد حرائقه المشتعلة فبعد توقيع معاهدة السلام مع إسرائيل أصبحت إسرائيل دولة صديقة وأصبحت العلاقات طبيعية مثل إقامة سفارات لكلتا الدولتين على أراضي كل دولة وهناك آلاف المصرييين يعملون ويقيمون ويتزوجون من يهوديات في إسرائيل.

وبرغم مرور كل هذه الأعوام على عدوان 1967 واتفاقية السلام إلا أن الشعب المصري ما زال يعتبر إسرائيل هي العدو ويرفضون التطبيع معها وعلى رأسهم المثقفون ونقابة الصحفيين التي تتخذ مواقف حازمة تجاه من يطبع مع إسرائيل.

ويأتي فيلم الممر للمخرج شريف عرفة ليعبر عن هذا الموقف في فيلمه الممر الذي يتناول بشكل سينمائي عسكري مميز فترة ما بعد عدوان 1967 عن طريق سرد حادث العدوان ومحاولة استرداد ما يمكن استرداده من كرامة الجيش المصري بعد العدوان ليدافع ويثأر لكرامته بعد الهزيمة أو النكسة كما يلقبها البعض ولكنها في الحقيقة عدوان عسكري واحتلال لجزء من أرض مصر ألا وهي سيناء.

ولم يتطرق الفيلم لأحداث أخرى من احتلال هضبة الجولان السورية والضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية وكل هذا تم احتلاله بعد عدوان 1967، فالمهم هنا أن الفيلم ركز على احتلال سيناء المصرية فمن الممكن أن يكون ذلك ناتجًا عن تركيز في الموضوع أو نظرًا لأن الفيلم السينمائي مدته محدودة لا يتسع لسرد الأحداث من جميع الجوانب أو أن الأمور لو تشعبت لزادت الميزانية عما هو مقدر لها خصوصًا أنه بحسب تصريحات صحفية للمنتج هشام عبد الخالق لمجلة أخبار النجوم عدد 6 يونيو (حزيران) 2019 بأن ميزانية الفيلم كبيرة بالفعل، وأنهم -أي المنتج والمخرج- قاما برصد ميزانية مفتوحة للفيلم.

ومن الواضح أن المنتج لم يفصح عن الرقم الحقيقي لميزانية الفيلم إذ لم يشر في حديثه لذلك بالرغم من أن محرر الموضوع ذكر أن الممر قد تتعدى ميزانيته 70 مليون جنيه.

فعلى كل الاحوال قيمة ماصرف من أموال ليست هي ما يحدد القيمة الفنية للعمل فمن الممكن أن تكون ميزانية ضخمة ويخرج العمل غير لائق فنيًا والعكس صحيح فمن الممكن أن تكون الميزانية محدودة ويخرج العمل رائعًا فنيًا فالميزانية ليست هي المعيار ولكن في فيلم الممر من الواضح أنه تم الصرف على إنتاجه جيدًا لأنه ظهر بصورة مشرفة احترمت عقل الجمهور من الناحية السينمائية والموضوعية.

فمن الناحية السينمائية لن تستطيع أن تفرق عند مشاهدتك للفيلم بين ما هو حقيقي (معارك حقيقية) وبين ما هو جرافيكي أو خدع سينمائية مما سيضطرك في نهاية الأمر إلى أن تصدق ما تراه عيناك ولا تكذبه وأن ما تراه هو حقيقة وليست خدعًا سينمائية، وإذا كانت كذلك فإنها مصنوعة باحترافية شديدة يصل إتقانها إلى حد الصورة الطبيعية 100%.

وبرغم تصريحات المنتج لنفس المجلة بأنهم قاموا بتصوير معارك حربية كبيرة بالفعل في مدن الإسماعيلية والسويس وبورسعيد وأنهم قاموا ببناء ديكورات كاملة وكبيرة.

إلا أنه بالطبع تمت الاستعانة بالخدع السينمائية والجرافيك والكمبيوتر في المشاهد الحربية مثل الانفجارات وتدمير الطائرات والدبابات واحتراقها في مشاهد الفيلم فبالتاكيد كل هذا كان خدعًا سينمائية لم يفصح عنها المنتج خصوصًا أن الفيلم أجاد في استخدام طرازات الأسلحة المواكبة للفترة الزمنية في تلك الفترة.

فبالتأكيد التكنولوجيا التي قد تكون قد استخدمت في الفيلم خدمته كثيرًا ورفعت من مستواه الفني وجاءت في صالح الفيلم وليس ضده.

ولم يشر أحد إلى موضوع الفيلم هل هو بالفعل موضوع حقيقي تم حدوثه بالفعل أثناء حرب الاستنزاف وتم تجسيد هذه البطولة في فيلم سينمائي مثل فيلم الطريق إلى إيلات أو فيلم حائط البطولات مثلا وعلى سبيل المثال وليس الحصر.

فتتر الفيلم لم يشر بذلك حول ما إذا كانت قصة الفيلم حقيقية أم من نسج خيال المؤلف تعبيرًا عن البطولات في حرب الاستنزاف والصمود أمام إسرائيل وهذا لا ينقص من قدر الفيلم في شيء ولا من مجهود أبطاله وصناعه، أعرف أنه كانت هناك بطولات في حرب الاستنزاف ومنها ما أفصح عنه ومنها ما لم يتم الإفصاح عنه ولكن وجب التنويه من قبل صناع الفيلم حول هذا الأمر لأن الأجيال الجديدة التي لم تعاصر تلك الأحداث ستصدق أن هذه الأحداث وقعت بالفعل كما يرويها الفيلم.

وعن اسم الفيلم فإنني لا أعرف لماذا تمت تسميته بهذا الاسم «الممر» فلم يصلني السبب من تسميته بهذا الاسم سواء من أحداثه أو إعلانه الدعائي ولربما حدث هذا وغفلت عنه ولم أنتبه له.

الفيلم بالطبع يحمل التصنيف الحربي أو العسكري ولكنه لم يخل من اللمحات الكوميدية على يد الفنان الكوميدي أحمد رزق الذي أضفى اللمحات الكوميدية على أحداث الفيلم بخفة ظله المعهودة منه دائمًا كما حمل الفيلم الطابع الاجتماعي والإنساني على يد أبطاله أمثال الفنانة إنعام سالوسة والفنانة هند صبري التي جسدت دور زوجة الفنان أحمد عز الذي جسد بإمكانياته البدنية والجسمانية لقطات الأكشن ببراعة كما أن مفاجأة الفيلم هى دور الفنان إياد نصار الذي جسد دور القائد الإسرائيلي الذي توهم أن الحرب قد انتهت باحتلال سيناء والذي تبخر حلمه حينما نجحت العملية العسكرية التي قادها الفنان أحمد عز في الفيلم.

الحقيقة أن كل الأبطال أدوا أدوارهم بامتياز وعلى ما أعتقد أكثر مما رسمت لهم في سيناريو الفيلم وكانت المفاجأة أيضًا في دور الفتاة البدوية الجميلة التي أسعدتنا بدورها رغم قصر مساحته في الفيلم إلا أنها عبرت عن الخط الرومانسي الذي احتواه أيضًا الفيلم.

وجاءت الموسيقى التصويرية للفنان عمر خيرت معبرة أشد التعبير عن أحداث الفيلم المشوق والذي أعجب المشاهدين باختلاف فئاتهم العمرية فلم يقتصر حضور المشاهدين على فئة عمرية محددة كالشباب مثلا الذين قد يكونوا قد دخلوه من منطلق أنه فيلم أكشن بل امتدت الفئات العمرية إلى مختلف الأعمار.

جاء الحوار الخاص بالفيلم معبرًا عن أحداثه فها هي الأحداث تدور حول عملية عسكرية فلا داعي للإطالة في الحوار بل التركيز في الجمل والحوارات على لسان أبطاله بما يتناسب وأحداث الفيلم الذي تضاربت الأقوال حول مؤلفه والسيناريست والحوار، فتارة يكتب على الأفيش الخاص بإعلان الفيلم تأليف وإخراج شريف عرفة وتارة يذاع أنه تأليف أمير طعيمة وتارة أنه شارك المخرج في السيناريو والحوار فعلى كل الأحوال هذا الأمر لا ينتقص من قدر الفيلم في شيء سوى في حق الجمهور والمشاهدين في معرفة كاتب السيناريو والحوار والقصة خصوصًا وأن هناك جملة في حوار الفيلم على لسان البطل أحمد عز يقول فيها علمنا عليهم، وأعتقد أن هذه الجملة مستحدثة في أيامنا هذه ولم تكن موجودة أيام الستينيات.

الفيلم اهتم بالتفاصيل أيما اهتمام لدرجة اهتمامه بإطالة الذقون أثناء سفر أبطال الفيلم لأداء مهمتهم العسكرية ولو كان هناك صناع آخرون للفيلم لتاهت عنهم هذه التفاصيل التي تقنع المشاهد بأحداث الفيلم ويحسب على الفيلم أنه لم يظهر أي مشاهد للزعيم عبد الناصر الذي تمت في عهده هذه الحرب (حرب الاستنزاف) التي أعطت الشعب المصرى ثقة في أن ما حدث ما هو إلا كبوة لجواد أصيل استطاع أن يجتاز هذه الأزمة بعد سنوات إلى العبور العظيم في أكتوبر 1973 مرورًا بحرب الاستنزاف.

وبعد مشاهدة الفيلم يبقى السؤال هل ما زال الحاجز النفسي بين المصريين وإسرائيل موجودًا بدليل صناعة مثل هذا الفيلم الذي يعبر عن بطولات ما بعد عدوان 1967 والإجابة أن هذا الحاجز ما زال موجودًا لأن الفلسطينيين لم يأخذوا حقوقهم بعد.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

تحميل المزيد