على مدار السنوات الماضية برزت كثيرًا إشكالية المادة الثانية في الدستور ومعضلة مصادر التشريع في مصر، سنوات تتهم فيها التيارات الإسلامية كل من يطلب تغيير المادة أو إلغاءها بالسعي لهدم الدين وهدم الدولة، ويتحدثون عن خطر سيلحق بالدولة إذا ما حدث ذلك ولم يفكر أحدهم في أن يراجع تلك المادة وتاريخها، وهل كانت في أحد الأيام صمام أمان للدين كما يتحدثون أم لا؟
في كافة دول العالم وعلى مدار القرون كانت السياسة والدين خطين كل منهم يسير في اتجاه، تارة يتقاطعان وتارة يفترقان، في كل لقاء جمعهما دخلت الدول في فترات من الظلام، لا رجال الساسة ساسة ولا رجال الدين رجال دين، لكن في مصر كان الخليط الذي نراه الآن دولة “ثيومدنية” لا هي دينية ولا هي مدنية.
تطورت المادة الثانية كثيرًا خلال عقود وليس كما يتحدث عنها الإسلاميون وكأنها أحد أساسيات الدستور؛ ففي أول مشروع دستور لمصر عام 1879 الذي صنع في أثناء أزمة خلع الخديوي إسماعيل ولم يقر منه بل عرض على مجلس النواب لم يذكر أي شيء عن الشريعة.
وفي أول دستور رسمي لمصر عام 1882 الذي صدر في عهد الخديوي توفيق لم يذكر أيضًا أي شيء عن الشريعة بل كان أول ظهور لدين الدولة في دستور 1923 الذي نص في مادته رقم 149 على أن الإسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية باقتراح من المفتي آن ذاك الشيخ محمد بخيت المطيعي، وقيل آن ذاك أنها بسبب خلاف بينه وبين التيار الشيوعي في مصر، واعترض عليها طه حسين في مثال له عام 1927 و أعاد نشره في كتاب “من بعيد”، كما رفضها عدد من المثقفين، لكن جزءًا آخر قبل بالأمر لأن الدستور آن ذاك ضمن كثيرًا من الحقوق للأقليات واعتبر أن الأمر يرجع لوجود أكثرية مسلمة داخل الدولة وأن ذلك لن يمس حقوق أحد.
واستمر النص كما هو في الدساتير الأخرى، ففي دستور 1930 جاء النصف ذاته في المادة 138، وفي دستور 1956 بقيت المادة و حملت رقم المادة الثالثة واستمرت بعد ذلك في كافة الدساتير من الوحدة لما بعد ذلك.
لم تشهد المادة ذلك التطور الذي نراه اليوم إلا في عهد الرئيس الراحل محمد أنور السادات الذي وضعنا في هذه الدائرة والصراع الوهمي ففي دستور 1971 تحول نص المادة إلى أن ” الإسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية ومبادئ الشريعة الإسلامية هي مصدر التشريع” مصدر رئيسي للتشريع ثم في عام 1980 أدخل السادات التعديل الأخير الذي وصلت إليه وبقيت عليه إلى يومنا هذا حينما تحولت إلي أن “الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع”، أرضى السادات آن ذاك التيارات الإسلامية بتلك المادة ومرر معها تعديل فترات الحكم لتصبح مددًا بدلاً من مدتين فقط.
ربما أكون قد أطلت في السرد لكن السرد كان ضرورة لكي نطرح صوت العقل في تلك الإشكالية، هل لزامًا علينا أن نترك مادة في الدستور وضعها رئيس لكي يمد في فترة حكمه أو يسترضي تيارًا بعينه؟ هل كانت مصر دون إسلام قبل ذلك؟ هل نفعت المادة الإسلام أم أضرته؟ وإذا كان إلغاؤها يضر الدين فيكف استمر أكثر من ألف عام دون تلك المادة؟
يا سادة الدين المعاملة، الدين المحبة والرفق، ستظل مصر وسيظل المسلمون والمسيحيون واليهود وكل من يؤمن بأي دين أو لا يؤمن باقين متحابين إذا ما عاملوا بعضهم بعضا وأعلو قيم المحبة والإخاء والإنسانية، يا سادة ارحمونا وأغلقوا بابًا لم يفتح إلا لتفتيت المجتمع.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست