«الاختلاف سنة من سنن الكون»، و«الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية»، و«رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب».. كلها عبارات رنانة وشعارات جوفاء ما فتئ الكثيرون يتشدقون بها ويرددونها ليل نهار دون كلل أو ملل، وبات تطبيقها والعمل بها على أرض الواقع أمرًا يشبه المستحيل، وذلك بالنظر إلى التشدد في الرأي والتعصب المتفشي في المجتمع بأسره.

ربما يظن البعض أن الاختلاف في الرأي يحتدم فقط حينما يتصل الأمر بالقضايا والموضوعات السياسية والدينية والثقافية والفكرية التي غالبًا ما تكون مثار جدل وخلاف بين أصحاب التوجهات والمدارس المختلفة، غير أن الاختلاف في حقيقة الأمر يكون أشد وأشرس، بل يصل أحيانًا إلى حد التعصب والكراهية عندما يتعلق الأمر بالحقل الرياضي، وعلى وجه التحديد مباريات كرة القدم.

في مصر يبدو هذا الأمر جليًا للغاية بين جماهير كرة القدم، وخصوا المشجعين والمؤيدين لقطبي الكرة المصرية: الأهلي، والزمالك، حيث تتفرغ جماهير كل فريق لمشاهدة مباريات الفريق الآخر، وكلها أمل في أن يُمنى بالخسارة، سواء كانت المباراة في الدوري المحلي أو القاري على نحو يعكس مشاعر غير مفهومة وغير مبررة من الحقد والكراهية والانتقام ضد الآخر. ومع إطلاق الحكم صافرة نهاية المباراة وقد تأكدت هزيمة الفريق المنافس، تتعرض شبكات التواصل الاجتماعي، خصوصا «فيسبوك» و«تويتر» لانفجار هائل من منشورات وصور وتعليقات مليئة بالسخرية والتهكم من الخسارة في ما بات يُطلق عليه في مصر في الوقت الراهن ظاهرة «التحفيل»، والتي تعني مجازًا إقامة حفلات افتراضية عن طريق بث صور ومنشورات ساخرة على شبكات التواصل الاجتماعي ابتهاجًا وفرحًا بخسارة أي من الفريقين المصريين.

اللافت في الأمر هو انضمام عدد كبير من الفنانين والفنانات إلى ظاهرة التحفيل، خصوصًا ممن هم أعضاء في الجمعية العمومية في الناديين الرياضيين الكبيرين، ويأتي على رأس هؤلاء الفنان نبيل الحلفاوي، وخالد بيومي، ورامز جلال، وفاروق الفيشاوي، والفنانة ندى بسيوني، والمطربة الشابة ياسمينا العلواني، وغيرهم كثيرون من المهتمين بالحقل الرياضي بشكل عام، ولعبة كرة القدم بشكل خاص.

ومما يدعو للأسف حقًا هو أن الروح الرياضية الحقيقية قد غابت بين فرق كرة القدم وجماهيرهم العريضة إلى الحد الذي أصبح فيه جمهور كل فريق غارقًا حتى أخمص قدميه في التعصب والكراهية ضد لاعبي وجمهور الفريق المنافس في مشهد عبثي  تمامًا لا يفيد المجتمع بأي حال من الأحوال، بل يزيده انقسامًا وتشرذمًا، وهو الذي قد مزقته بالفعل الأحداث والأوضاع السياسية في البلاد من جراء التوجهات السياسية والأيديولوجية المختلفة على مدار الأعوام الثمانية الماضية، وتحديدًا منذ اندلاع ثورة 25 يناير (كانون الثاني) 2011، والتي أطاحت بالرئيس السابق حسني مبارك.

لا غضاضة في التحفيل على الإطلاق طالما أنه يكون مقصورًا على بث المنشورات والصور والتعليقات الساخرة، وهنا تجدر الإشارة إلى أن الشعب المصري في عمومه معروف عنه خفة الدم وروح السخرية والدعابة، غير أن ما يدعو للقلق حقًا هو أن أعداد جماهير ناديي الأهلي والزمالك تقدر بالملايين، ومن ثم فإن الموجة المتنامية من العصبية والكراهية بينهم تنذر بمخاطر حقيقية على وحدة ونسيج المجتمع المصري مع مرور الوقت، خصوصًا أن أغلب مشجعي كرة القدم – للأسف – يفتقرون للنضج الكروي الكافي، بحيث يضعون في أذهانهم أن كرة القدم في الأساس هي من أجل المتعة فقط  للاعبين والجماهير، ولا ينبغي بأي حال من الأحول أن تتحول إلى منصة لبث مشاعر الحقد والكراهية، أو للتأثير السلبي على العلاقات الاجتماعية بفوز فريق أو خسارة آخر.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

عرض التعليقات
تحميل المزيد