كلما دنا موعد الاستحقاقات الانتخابية العامة في المغرب برزت على السطح ظاهرة الترحال السياسي، والتي تعتبر مشكلة ثقافية وأخلاقية تعاني منها المنظومة الحزبية في المغرب، هذه الظاهرة أصبحت شائعة ومتداولة ولا ترتبط بحزب دون آخر، حيث إن محترفي وتجار الانتخابات، بالنسبة لهم مناسبة يمكنهم من خلالها تحقيق مصالحهم الخاصة غير مكثرتين بالمصلحة العامة، وهي فرصة كذلك لبعض الأحزاب لاستقطاب كائنات انتخابية من أجل المراهنة عليها في الاستحقاقات التشريعية والمحلية التي تقبل عليها البلاد لكي تعزز من مكانتها داخل المؤسسات المنتخبة على رأسها البرلمان والمجالس الجماعية والجهوية، هذه الكائنات الانتخابية التي تتهافت عليها الأحزاب تتمثل في أعيان القرى والبوادي ورجال الأعمال وذوي النفوذ حتى تضمن (الأحزاب) اختراق المناطق التي ينتمي لها تجار الانتخابات.

الترحال السياسي هو سلوك سياسي له انعكاس سلبي على مستقبل البناء الديمقراطي، ويجعل الحياة السياسية تعيش في فوضى غير خلاقة، حيث إن الساحة السياسية تشهد تغيير أعضاء ومنتخبين لأحزابهم بأحزاب أخرى من أجل الظفر بفرصة دخول البرلمان أو باقي المجالس المنتخبة، فمن الأسباب التي تساهم في تفشي هذه الظاهرة وفي عملية تغيير الحزب، هي التزكيات، لأنها تعتبر عامل من العوامل الأساسية والمهمة من أجل كسب الدعم للترشيح في الدوائر البرلمانية والجماعية.

حتى الأحزاب لها دور سلبي في تكريس هذه الممارسة السياسة التي تسيء للحياة السياسية وللبناء الديمقراطي من خلال قرصنة المنتخبين بأساليب متنوعة، إما بالترغيب عن طريق عروض مغرية أو الترهيب كالتهديد بفتح ملفات معينة تتكفل بها أجهزة تدعم في الخفاء بعض الأحزاب، لأنها هي أيضًا تستفيد منها (ظاهرة الترحال السياسي) حيث تقوم بتوظيفها لصالحها من أجل تحسين وضعها في الرقعة السياسية والانتخابية، هذه الممارسات السياسية لا تساهم بشكل إيجابي في عملية التحول الديمقراطي، وتضرب عرض الحائط مبدأي الالتزام والوفاء الحزبي، وتجعل من السياسة ساحة تطغى عليها الزبونية والريع السياسي.

من أجل محاربة هذه الظاهرة والحد منها تم التنصيص في الدستور الأخير للمملكة المغربية على منع ظاهرة الترحال السياسي بين الأحزاب، ووضع عقوبة فقدان المقعد البرلماني إذا ما ثبت تخلي الشخص عن انتمائه الحزبي، وهذا المبدأ تم تنزيله وتكريسه في باقي القوانين التنظيمية الأخرى المتعلقة بالانتخابات، سواء الجماعات الترابية أو الغرف المهنية.

الفصل 61 من دستور المملكة المغربية ينص على أنه «يجرد من صفة عضو في أحد المجلسين، كل من تخلى عن انتمائه السياسي الذي ترشح باسمه للانتخابات، أو عن الفريق أو المجموعة البرلمانية التي ينتمي إليها».

وتصرح المحكمة الدستورية بعد إصدارها للحكم بشغور المقعد، بناء على إحالة من رئيس المجلس الذي يعنيه الأمر، وذلك وفق أحكام النظام الداخلي للمجلس المعني، الذي يحدد أيضًا آجال ومسطرة الإحالة على المحكمة الدستورية.

لكن رغم ذلك هناك ثغرات قانونية يستغلها سماسرة وتجار الانتخابات لتجنب إسقاط عضويتهم عن طريق التحايل على القانون، كعدم كشف هوية المنتخبين والبرلمانيين والسياسيين الذين غيروا قبعاتهم السياسية لصالحها.

ظاهرة الترحال السياسي أو كما يسميها البعض بـ«الميركاتو الانتخابي» يعزز من العزوف السياسي لدى الناخبين، خصوصًا أن الدستور والقانون التنظيمي للأحزاب كما سبق الإشارة له يمنع الترحال أثناء فترة الانتداب البرلماني فقط، وهذا ما يفسر تقديم بعض النواب البرلمانيين لاستقالتهم من مجلس النواب للترشح باسم أحزاب أخرى في الانتخابات التشريعية.

هذه الظاهرة جعلت النضال السياسي في المغرب ينتقل من أجيال كانت تناضل من أجل المصلحة العامة إلى أجيال تناضل من أجل المصلحة الخاصة، هذا السلوك السياسي يعزز فقط من منطق النفعية والمصلحة الشخصية.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

عرض التعليقات
تحميل المزيد