الجانب الإيجابي لـCovid-19

مئات آلاف الضحايا، ملايين من العاطلين عن العمل، مئات الملايين محجورين في بيوتهم، طرق وأسواق فارغة، ومدن وبلدان بأكملها مغلقة.

فكرة أن وباءً مفاجئًا سيجتاح العالم كله يوقف جميع أنشطته كانت مجرد خيال علمي مستقبلي، يذكر في القصص والأفلام بين الفينة والأخرى.

لكن بين الأوساط الطبية المتخصصة والمهتمين بعلوم الأوبئة، لم يكن السؤال ما إذا كان هذا السيناريو الكارثي سيحدث أم لا، بل كان متى سوف يستهلك العالم فيروس جديد مرة أخرى. حتى إن منظمة الصحة العالمية خلال السنوات الماضية لم تنفك تحذر من وباء جديد قادم لا محالة، لم يعرفوا بالطبع متى، لكن مؤشرات عدة كانت تنذر بأن ظهور أي مرض معدٍ جديد سيكون كارثيًّا للعالم كله بسبب الترابط العالمي السهل والمعقد في كل زاوية وممر من بقاع الأرض. حتى إنهم كانوا يسمون هذا المرض الغامض بالمرض «إكس X» ووضعت له تصورات وخطط مبدئية احترازية.

كورونا والأوبئة السابقة

لو أخذنا معدل الوفيات مقياسًا لمقدار ضرر كوفيد-19، فإن الوضع كان من الممكن أن يكون أسوأ بكثير مما هو عليه حاليًا.

فإن قارنا هذه الجائحة بما سبقها من كوارث صحية معدية، سترى أن الجنس البشري يعد حاليًا في وضع جيِّد.

ما زالت الأبحاث والأرقام تتجدد كل يوم، لكن لو أخذنا عدد الإصابات وقسمناه على عدد الوفيات، يظهر لنا أن نسبة الوفيات من هذا المرض تتراوح بين 2% و7% «تختلف النسبة باختلاف الإمكانات الطبية والرعاية الصحية بين الدول». لكن هذا الرقم ليس دقيقًا أبدًا بالتأكيد، فأرقام الإصابات المعلنة أقل بكثير من الأرقام الحقيقية لأعداد المصابين، وذلك بسبب قلة عدد معدات الفحص مقارنة بأعداد المرضى، وعدم حاجة توجه جميع المرضى إلى المستشفيات، ما يعني أن نسبة الوفيات للوباء بشكل عام في الحقيقة هي أقل بكثير مما يتم الإعلان عنه حاليا. يقدر الدكتور بروفيسور [ويتي] أن معدل الوفيات للمرض لا تتجاوز الـ 1% لو أخذنا بالحسبان تقدير الأعداد الكبيرة من الحالات التي لم تُفحَص والتي تعافت بشكل تلقائي في المنزل.

وعند مقارنة نسب «الوفيات إلى الإصابات» لهذا الفيروس بسابقاته من الجائحات تظهر لنا النسب التالية:

  • الطاعون الأسود: بين 8% و10% «كانت أكثر من 60% في زمن انتشار الطاعون بسبب عدم وجود المضادات الحيوية وقتها».

  • إنفلونزا الطيور: 60%.

  • فيروس سارس «2003»: 10%.

  • فيروس إيبولا: 50%.

  • فيروس العوز المناعي البشري «إيدز»: 80% عند ظهوره دون علاج وأقل من 5% بعد إيجاد علاج.

نقاط ضعف القطاع الصحي

لسنوات عدة، لم يكن القطاع الصحي ضمن أولويات الحكومات حول العالم. صحيح أن جميع الدول تدعي اهتمامها بالرعاية الصحية وبناء المستشفيات، لكن عند مقارنة مصاريف ميزانيات الدول ستجد الأرقام المخصصة للقطاع الصحي مخجلة في أغلب الأحيان، ناهيك عن الإهمال شبه الكلي للطب الوقائي وعلم اللقاحات وعلم الأوبئة، وضعف التمويل للأبحاث فيها.

فعلى سبيل المثال لا الحصر، في عام 2018 طردت الولايات المتحدة الأمريكية جميع أعضاء الفريق المختص بعلم الأوبئة من العمل ولم تستبدلهم أبدًا. كما خفض مركز مكافحة الأمراض الأمريكي CDC العمل على برنامج الوقاية من الأوبئة العالمي بنسبة 80%.

التغيير الذي حصل بعد كارثة كوفيد-19

أولًا قابل الرئيس الأمريكي مديري سبع شركات أدوية رئيسية، وحثهم بطلب يشبه الأمر بأن يتعاونوا ويعملوا معًا للوصول إلى علاج ولقاح لهذه الجائحة بأسرع وقت، لا أن يعملوا كما المعتاد بعضهم ضد بعض بمنافسات شرسة، وهذا بالطبع طلب صعب جدًّا بالنسبة إلى هذه الصناعة الحساسة ذات التنافس العالي.

ونتيجة لهذه الخطوة الجيدة، رأينا عددًا لا بأس به من التطورات المبشرة للقاحات أو علاجات مختلفة لهذا الداء، مع ما يقارب الـ300 تجربة دوائية مختلفة تحدث حاليًا لحل هذه المعضلة الطبية.

مستقبل الطب وعلم الفيروسات

مع كل هذه الأحداث الفجائية المتسارعة، يمكننا اعتبار أن علم وصناعة مضادات الفيروسات قد تلقوا دفعة – أو صفعة – قوية لتنشط نشاطًا هائلًا، ما سيؤدي بكل تأكيد إلى فهم أعمق ولتفاصيل واكتشافات جديدة في هذا المجال المهم. هذا بلا شك سيغير تعاملنا ونشاطنا العلمي والذي من الراجح جدًّا أن يُمَكِننا من تصنيع علاجات مختلفة جديدة لعدد كبير من أمراض العدوى الفيروسية، التي ظلت تشغل البشرية وتستنزفها لقرون.

كل هذا بالطبع لم يكن ليحدث دون جائحة covid-19، ناهيك عن أن ذلك كله من الممكن أن ينقذ البشرية مستقبلا من جائحة أخرى «فهذا النوع من الأمراض المعدية ذات الطابع الانتشاري المخيف ليس شيئًا جديدًا في التاريخ البشري» لفيروس قد يكون أسوأ من الحالي بأضعاف مضاعفة! فتخيل لو كان لـ covid-19 معدل وفيات مرتفع مثل 90% أو 80% أو حتى 70% مع معدل انتشاره الكبير الذي يحاصرنا في كل مكان. كيف سيكون شكل العالم وأوضاعه؟

لذا يمكننا أن نرى الجانب الإيجابي لهذا الفيروس بأنه ربما يكون سببًا لإنقاذ البشرية ككل في مواجهة فيروس مستقبلي شرس.

عدا أن هذا التوجه الطارئ الحالي سيكون داعمًا لاستدامة أبحاث الأدوية طويلة المدى، والتي تعاني بشدة من ضعف التمويل وقلة الاهتمام.

وبسبب هذا الاختلال الذي هز الحالة الاجتماعية للبشرية ورنَّح قواعد الاقتصاد العالمي، فإننا في الغالب سنرى اهتمامًا ورعاية كبيرة من الحكومات والشركات بالمجال الطبي بعد انتهاء هذه الجائحة. بالتأكيد لن يكون الدافع الرئيسي لهذا الاهتمام هو الجانب الإنساني لمخلفات ونتائج كورونا، بقدر ما سيكون التأثر الاقتصادي الهائل الذي هدم أسواقًا هائلة، وأفرغ خزائن بنوك كبيرة وحكومات من أموالها، وكلفها تريليونات الدولارات التي لو كان قد صُرف رُبْعُ عُشرها في المجال الصحي من قبل لما وصلنا إلى هذه الأزمة من الأساس.

لا شيء يحفز التقدم في أي مجال كما تفعل الأموال، وكما شهد العالم تَبَخُّر الكثير منها خلال أيام قليلة، سيكون ذلك دافعًا أساسيًّا لدعم الاستثمار بالمجال الصحي وأبحاثه مستقبلًا، اتقاءً من حدث آخر قد يكون أسوأ مما نشهد حاليًا بمراحل.

لذا يمكننا اعتبار هذا الوباء تمرينًا عالميًّا قاسيًا ومكلفًا جدًّا ماديًا ومعنويًا، والأهم من ذلك بالأرواح والأشخاص الذين كانوا بيننا منذ أيام. لقد عرَّت هذه الجائحة قصور تجهيزنا واستعدادنا لمثل هذه الظروف الطبيعية المتوقعة.

أمرُّ من ذلك كله، الحقيقة المؤلمة بأننا لو كنا قبل عشر سنين طبقنا جزءًا يسيرًا من كل هذه الاحتياطات والعمل الدؤوب والصرف الكبير على الأبحاث الذي يحدث حاليًا على هذا الأمر، لما كنا قد فقدنا عشرات الآلاف من المرضى الذين توفوا حتى الآن في هذا الزلزال البيولوجي.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

علامات

كورونا

المصادر

عرض التعليقات
تحميل المزيد