الامتنان أحد موضوعات علم النفس الإيجابي، والذي يُستخدم كتقنية وفنية من فنياته، وهو حالة من العرفان تنتج عن سلوكيات تطوعية ومقصودة يقوم بها الآخرون تجاهنا.

الامتنان

والعلاج بأن يطلب من المسترشد ذكر بعض النعم والأفضال التي هو فيها، مما يولد لديه شعورا بالرضا ويزيح مشاعر الهم والكآبة، ويطمئنه على نفسه وما يملكه.

يمكنك أن تفكر في خمسة أشياء في حياتك تكون ممتنا لها أو شاكرا لأنعم الله وتسجل ذلك في سطور، ثم تقترب أكثر من يومك فتسجل خمسة أشياء جيدة مررت بها خلال 24 ساعة الفائتة.

هذا هو الامتنان ببساطة، الذي دلنا الله عليه في قاعدة عامة ﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾ سورة إبراهيم الآية:7]

هذا الامتنان هو شكر عميق من القلب والوجدان لصاحب الفضل بدءا من الله عز فضله وكثرت نعمه ثم ذوي الفضل من الناس، وقد قال النبي «لا يشكر الله من لا يشكر الناس» رواه أحمد، هذا الشكر ينشط الانفعالات الإيجابية بقوة ويجدد الإحساس بالنعم التي كثيرا ما يتكيف الإنسان معها وينساها وكأنها أمر عادي.

ولعل قائل يقول وماذا قدم علم النفس من جديد في هذا الأمر؟ إن ما نجح فيه علماء النفس هو أن يحولوا هذه القاعدة الربانية إلى منهجية وإجراءات عملية يمكن تنفيذها وإدارتها وملاحظتها وقياسها.

في دراسة روبرت أيمونس Robert emmons:

قسم عددًا من المتطوعين إلى 3 مجموعات:

المجموعة الأولى: طلب من أفرادها أن يكتبوا الأشياء التي تجعلهم ممتنين وشاكرين لما يمتلكونه ولمن قدم لهم معروفًا.

المجموعة الثانية: طلب من أفرادها أن يكتبوا الأشياء التي تزعجهم وتضايقهم في الحياة.

المجموعة الثالثة: طلب من أفرادها أن يكتبوا الأشياء التي تخطر ببالهم لتكون مجموعة محايدة ضابطة.

فكانت النتائج أن المجموعة الأولى الأكثر امتنانا هم الأكثر شعورا بالرفاهية ولديهم نوم أفضل، وأداء التمرينات والواجبات المطلوبة منهم بفاعلية أكثر.

ولذلك يقدم إيمونس تدريبًا لممارسة الامتنان في ثلاث خطوات كالتالي:

  • الخطوة الأولى : تسجيل الملاحظات حول الأمور أو المغانم الجيدة التي حصلت خلال اليوم لمدة أسبوع.

– اكتب الأشياء والأمور التي أكون ممتنا لها. يمكنك تقسيم ذلك إلى أناس (والديك – إخوتك- أصدقاؤك..)- أماكن – أشياء – وليس معنى هذا أن تقبل الشجرة وتشكرها أو المكان إنما من كان سببا في معرفتك للمكان أو أحضر لك الشيء.

الامتنان

– عليك أن تقرأ كل ما كتب يوميا في نهاية الأسبوع. فلو كتبت كل يوم خمسة أمور تمتن لها في حياتك فمعنى ذلك أن آخر الأسبوع ستقرأ 35 عبارة امتنان.

  • الخطوة الثانية: اشكر من تسبب لك في أهم هذه الأشياء، اكتب له جواب امتنان تعبر فيه عن مشاعرك وشكرك وتتذكر فيه مواقف الدعم والعون، اذهب إليه، ادعه للعشاء، سجل له فيديو.
  • الخطوة الثالثة: اكتب بالتفصيل إحساسك وشعورك بعدها، هل كانت هذه التجربة لصالحك أم لا؟

وأطلب من طلابي والمتدربين تقديم تطبيقات لهذه الطريقة عن نفسه أو مع أحد معارفه وفق خطواته المقترحة أنقلها لكم كما كُتبت:

تطبيق مدربة (1):

الخطوة الأولى : تسجيل الملاحظات حول الأمور أو المغانم الجيدة التي حصلت خلال اليوم والأسبوع:

  1. الحمد لله على الاستيقاظ صباحا بصحة وعافية.
  2. الحمد لله على تواجد أسرتي حولي.
  3. الحمد لله على مرور اليوم كاملا بخير وسلام دون التعرض لأي ضغوط.
  4. الحمد لله على وجود أمي وأبي والقدرة على زيارتهم ونيل برهم.
  5. الحمد لله على نعمة الأمن والأمان.
  6. الحمد لله على نعمة وجود الإنترنت في البيت.

اقرأها في نهاية الأسبوع

الخطوة الثانية: اشكر من تسبب لك في هذه الأشياء

اكتب له جواب، اذهب إليه، عشاء، فيديو…

شكرت زوجي وذهبنا إلى المطعم تقديرًا لجهوده المبذولة.

الخطوة الثالثة: اكتب بالتفصيل إحساسك وشعورك بعدها، هل كانت هذه التجربة لصالحك أم لا؟

نعم أحسست بالرضا التام والسعادة وراحة البال.

تطبيق مدربة (2)

الخطوة الأولى لتطبيق الامتنان: الملاحظات حول الأمور الجيدة خلال أسبوع:

اليوم الأول: لا تيسر الحصول على مبلغ الدورة-  الخروج مع الأسرة للنزهة في البحر – طبخ أكلة لذيذة – العناية بأمي.

اليوم الثاني: مساعدة صديقة – الانتهاء من عمل المنزل – العناية بأمي

اليوم الثالث: الاعتناء بأطفال أخي – الذهاب مع (مربيتهم) إلى الطبيبة مساندة لها – العناية بأمي.

اليوم الرابع: مقابلة معلمة لي وصديقاتي لم أرهن منذ 20 عاما (صديقات الطفولة) – مساندة نفسية لأختي الصغرى- العناية بأمي.

اليوم الخامس: توافر المال اللازم لشراء احتياجاتي بسبب مشاركة أختي في عملها  من البيت – العناية بأمي.

اليوم السادس: الحصول على هدية مميزة كنت قد تمنيتها فقط ولم أحلم بشرائها يوما – العناية بأمي المريضة.

اليوم السابع: زيارة مريض – الخروج للمشي – الذهاب للتسوق – شراء هدية لأمي – العناية بها وبأبي.

الأشياء والأمور التي أكون ممتنة لها على الدوام:

  1. وجود والدي على قيد الحياة والحمد لله.
  2. تواجد إخوتي وابني وأسرتي حولي ومحبتهم لي ودعمهم لي في دراستي.
  3. أنا بصحة جيدة.
  4. لدي قدرة على العمل تحت الضغط مع مرض والدتي.
  5. لدي ابن شاب جميل.
  6. أحيا في أمان وسلام والحمد لله.
  7. أنا محاطة بالكثير ممن يحبونني من جميع الفئات وخاصة أهلي وأصدقائي.
  8. تعلمت في المرحلة الأخيرة كثيرا من الأمور والمهارات.
  9. تعرفت على كثير من الأساتذة المختصين في مجالات التنمية الذاتية وعلم النفس ولديّ صلة طيبة بهم.

الخطوة الثانية للامتنان: أمتن جدا وأشكر الله أولا على تسخيره لي كل ما في الكون منذ خلقت وإلى الآن.

وأشكر والديّ وأسرتي وولدي على دعمي وتوفير الجو الأسري الآمن والدعم النفسي لي بعد مرحلة الطلاق.

وأشكر صديقاتي اللاتي بذلن أقصى ما يمكنهن من حب واحتواء ودعم.

وأنا ممتنة للعلم وما منحنيه من قوة وصلابة وقدرة عالية على معرفة ما بنفسي من مشاعر وأفكار، ومعالجة السلبي منها وتعزيز الإيجابي، بل والتأثير على من حولي إيجابا.

وممتنة جدا جدا لأساتذتي الذين لم يدخروا جهدًا ولا وقتًا في توجيهي ودعمي وتقديم النصح لي للخروج من أزمتي النفسية بعد الطلاق، أشكرهم جدًا.

أمتن لنفسي على قوتي وصمودي وصلابتي النفسية والجسدية برغم ما مررت به من تجارب شديدة في العام الأخير. كما أنني ممتنة لداخلي وأنوثتي التي أزداد فخرا بها يوما بعد يوم.

الخطوة الثالثة: شعوري بعد التجربة:

كانت هذه التجربة بكل ما فيها من أحداث مختلفة بحلوها ومرها دافعة لي لأكون أكثر قوة ومرونة وفهما للحياة، ولأكون إيجابية، ومؤثرة على من حولي بالحب والعطاء وتعزيز الدافعية الذاتية لديهم، والتدريب على تخطي أي مشكلة.

كما أن مشاعري تجاه أدق تفاصيل يومي أصبحت مختلفة بشكل كبير، بعد تطبيقي لتقنية «الامتنان» و«التسامح» و«الحرية النفسية» و«التأمل»… أكرر امتناني لكل شيء.

ويقدم مارتن سليجمان تمرينا به خطوات أخرى لممارسة الامتنان بوصفه طريقةً علاجيةً للهم والحزن والضغوط ووسيلة فعالة في جلب الرضا والبهجة والسعادة:

  • اختر شخصا مهما يكون قد مر بحياتك وأثر فيها تأثيرا إيجابيا كبيرا، ولا تلوث اختيارك بأن تختار شخصا قد نشأت معه علاقة عاطفية في الفترة الأخيرة أو بشخص يحتمل أن تحصل منه على مكاسب مستقبلية.
  • اكتب شهادة اعتراف بالجميل مفصلة بدرجة كافية بحيث تشمل صفحة كاملة على الأقل.
  • ادع هذا الشخص إلى منزلك أو سافر إليه حيث يقيم ومن المهم أن تقابله وجها لوجه ولا يكفي أن تكتب إليه أو تهاتفه، ولا تخبره عن الهدف من اللقاء مقدما. قل له إنني أريد أن أراك، فهذا يكفي.
  • اقرأ عليه الشهادة «خطاب الامتنان» بصوت عال وبتأن مع التعبير المناسب وحاول أن تتذكرا معا الأحداث التي جعلت من هذا الفرد شخصا هاما بالنسبة لك.

ولعل من ممارسات الامتنان اليومية التي يمكن أن تولد شعورا قويا بالامتنان هي كلمات أذكار الصباح والمساء والتي منها: اللهم إني أصبحت (أمسيت) منك في نعمة وعافية وستر فاتم علي نعمتك وعافيتك وسترك في الدنيا والآخرة – يا رب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك – رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا. وقبل كل ذلك دعاء الاستيقاظ من النوم (الحمد لله الذي أحياني بعد ما أماتني وإليه النشور).

وما يمكن أن يولد الشعور بالامتنان ما يفعله صديقي «حذيفة عبد المعطي» في غرفته إذ كل إنجاز أو عمل يخطط له أو ينجزه أو أنجزه يحتفظ بأثر له أو يكتبه على ورقة، وذلك يذكره مرات ومرات بنعم الله وإنجازاته، وهي وسيلة تحفيزية رائعة.

وهنا نجد ملاحظة لدى بعض الأشخاص تخالف سلوك الامتنان، عندما يقوم شخص بعدم ذكر فضل شخص عليه بمنطق تبريري لا شعوري بألا يكون لأحد فضل عليه، أو كي لا يعتبر جميلا ينبغي رده، أو تخوفا من أن يمن عليه بالفضل في ذلك، ولكن من يفعل ذلك لا يدري أنه يحرم نفسه من شعور ذاتي جميل بالامتنان، والحصول على هذا الشعور أقوى من أي تكلفة.

بهذه البساطة يتم تنشيط الانفعالات الإيجابية تجاه الماضي والحاضر. وتستشرف مستقبلا أكثر تفاؤلا. أما عن الامتنان في البيئة التربوية فله تطبيقات، والامتنان في الحياة الزوجية فله دور فعال فيما أسميه دائرة الامتنان في الحياة الزوجية ولهذا حديث آخر في مقال آخر إن شاء الله.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

عرض التعليقات
تحميل المزيد