وسيلة تواصل الأزل مع الأزل في أربع حروف

إن كانت المادة الكلامية والمجردات وآليات توصل النصوص إلى المعرفة ذات وضوح ضئيل، فكيف نصحح الإشكالية؟

لنقل ما مدى صدق الكلمات؟ ولماذا تراها ذات تأثير ودوافع معرفية، قد تبدو لمجموعة معينة مجرد ضبوط مستحقة يضخه العقل ويرتبه ليشكل صورة مباشرة، ولتتمحور في مجموعة من الحساسات العصبية، إنما قد تجدها في إحدى النواحي عفوية التشّكل وليست سوى مكتسبات موروثة مرتبطة بالإدراك بشكل من الأشكال. وتكمن الأهمية البالغة في ذلك حين نشهد عليها بقصص بداية الخلق ونشأة التعلم الإنساني والوعي.

وفي حال إن بدا الخلاف الموضوع بشكلٍ غير مستساغ القول إنه مكتسب تكون هي المشكلة الجوهرية، وتنسب تاريخيًا لكل من اجتهد بفرض فكرته بصرامة، وبالأخص للذين يردّونها للعقل بالدرجة الأولى ومسقطين خلافًا لذلك القائلين بأنها منزّلة من خالق والتي ترجع بأساسها لآدام ومن قبلها لقصة الخلق البدائية ونشأة التعبير والكلام الإنساني، وهل للتطور البشري علاقة بمتغيرات الكلام أم هي فطرية تنشأ مع الجنين وتتطور مع أجزاء الجسم المادية منها العقل.

يردّها القلائل لوجود الطبيعة قبل الإنسان وينسبون نشأتها أولًا لجوهر الطبيعة ولأصوات الطبيعة، وبالقول إن الوعي مكتسب شخصي يتطور بالوقت، فهنا نجد نسبة الوعي تختلف من مراهق بالعشرين إلى آخر في الخمسين، ويكون انسلاخ الإنسان عن أي مؤثرات إلهية، وهذا يلغي أي أرتباط بفاعل مباشر متحكم بالكلام وتطوره منذ البدء.

في حين إن عدنا للطفل قبل لفظه للكلام فإن كل ما يحتاجه حركة الأطراف واليدين للتعبير عن شيء ما، لتنمو وتُكتسب من المحيط بشكلٍ تدريجي، لكن السؤال ماذا لو أننا قمنا بوضع مولود داخل غابة ليعيش بها؟

سيكتسب دون أدنى شك أصوات الطبيعة مؤثرة في نمط حياته وأدائه مع تطور بنيته الفزيولوجية. وهذا يُبعد تمامًا مسألة المدة التي يحتاجها ذلك الشخص لتطور معرفته الكلامية في محيط خارجي مرتبط بالطبيعة التامة مباشرةً، والمدة لا يجوز أن نقول إنها بحاجة إلى مليون سنة لتتم صياغة المعرفة من شخص لشخص ونموها للمقصد الكلامي وتبقى تأويلات هذه الفرضية التطورية ذات مسند ضعيف، لذلك فالاختلاف قديم لكل الأطراف.

إن من يقوم بأداء الأستعراضات العقلية للقائلين الماديين في الطبيعة وتطورها، والإيمان للقائلين بقدرة تتحكم بأساس الطبيعة وغيرها. إن مفهوم تطور الوعي مبني على ارتفاع نسبة المُكتسب المعرفي، وضخ أكبر كمية منه على العقل، وإشعارنا بمدى أهميتها كلما كان المُكتسب أوسع، وتقوينا بحسب المنظور العام ونكون أكثر قوة وفاعلية، وهذا ما يمكن القول بأنه الوعي الوسطي، وفيما يأتى أُضيف النقطة الأخيرة التي بها تزداد النسبة بشكل مضاعف لتمتلك أشد وأكبر إشكالية حقيقة على حياة الفرد وهي التي تشكل عمقها (وعي الإنسان جحيمه) كما وصفه ديستويفسكي والتي تعود بالضرر بشكلها المباشر على الشخص نفسه، وهذا ما يمكن القول إنه العسل المسموم، أو أن تضيف ما تشاء للوعي.

لقد أضاف الكثير من القائمين على تحليل الكلام مستندين على بحوث القدماء، فمنهم العائد بالتدرّج الزمني الذي ينمو مع الزمن، ومنهم من نفى وعاد بإضافة مغايرة، وهو الإدراك والتواصل بين البشر المرتبط بالأصوات وغيره الكثير.

إن اعتبار الكلام أداءًا جسديًا يؤدي وظيفة بديلة هي إيصال المعنى للآخرين، ويبقى هذا ضعيفًا، ويغوص بنا السؤال لأبعد من ذلك دائمًا إلى أداء توظيف الكلام ليصبح ذا معنى وجمالية فكرية مستخدمة، وقبلها نعود إلى حالة تشكلها الأولى والتي تنفصل الأفكار والاجتهادات الشخصية بها دائمًا.

هنا نجد التكوين اللغوي والمقدرة الهائلة لها لتضعنا أمام مفارق غاية في الضبابية، بينما يأتي نص القرآن بشكلٍ واضح في الآية 37 من سورة البقرة ويكون الفاصل الحقيقي لمعارضة التدرّج والتطور بالكلام ونسبها بأنها فطرية ومرتبطة بتغير الزمن كما قال الطرف المؤمن بالتنزيل بشكل مباشر من الخالق لداخل أول شخص إلى الحياة: آدم.

وقد أضاف بعضهم بأنها معرفة دقيقة، بينما لا نجدها بشكلها المباشر في قول الله في الآية 37 من سورة البقرة والمقصد الحقيقي للكلمات التي ألقيت داخل الشخص كما ورد،  ويبدأ السؤال الآخر في ماهية الكلمات هل هي معرفة أم نطق، وهذا ما يضعنا داخل متاهات شديدة الضيق، وبرغم كل وصف نال من مخيلة الفلاسفة والعلماء عمرًا عن نشأة الكلام الإنساني، يبقى الأمر عائدًا للبداية وللمتناقضين اللذين تمسكوا بأطروحاتهم، للذين نسبوا نشأة الكلام الإنساني لله بشكلٍ مباشر وتنزيل بقدرة متحكمة بالكون، وللطرف الآخر الذي تمسك بنظرية التطور التي غيرت المفاهيم والمكتسبات العقلية والمعرفية وهنا نعود للمعنى البدائي للكلام ولا نلغي أبدًا البذور الأولى لوجودها وتبقى أسئلتنا الوحيدة التي تدور في فلك العلاقة بين الكلام والعقل ولكل ما آلت إليه من تجدد روحيًا كان أو تطورًا.

إن العلاقة الطبيعية هي الاستمرار والتعبير بشكلٍ أدائي مرتبط بالجسد وإثبات القدرة فيما يتم اكتسابه من الخارج، وإضافة الروحية التي يؤمن بها أصحاب تلك النظرية وضم هذه المعضلة لأي طرف تصنع بها أشكالًا معقدة. عندما نتحدث عن نشأة الكلام ومكتسبات العقل ودرجة الوعي تختلط المفاهيم وتتغير الأساسات الهشة غير المنسوبة لدليل حقيقي منذ الخليقة إلى اليوم.

وإن لم نستطع إيجاد حل من أي طرف كان فمن المؤكد لنا إبقاء الجمالية المتعلقة بها محايدة وعدم نسبتها لضوابط واعترافات مبنية على عدم برهنة موثوقة، وهذا الأمر يبتعد بنا كلما أردنا معرفته وبالطبع حديثنا عن الطبيعة وردّنا لمنشأ الكلام الإنساني له، مجرد تحليل مستند بدوره لدراسات العلماء بهذا الخصوص وإنها القائمة بالأداء ومعناه الأساسي.

والقول إنها من مصدر الأصل: الطبيعة، ومن التطور الفلسفي، وما نشأ على أساسه حول المعرفة الإلهية عند الإنسان يبدأ التغير الواضح عند كل الباحثين، وتبدأ الملاحم الكلامية بالإثباتات غير ذات المنفعة.

بهذا المعنى تغير مفهوم نسب الكلام للمنشأ الأصلي وإن التغير لم يعد كافيًا للإجابة الدقيقة، ولم يعد يتقبل تلك العلاقة التي تكون فيها الوسيلة الأساسية لنسبة منشأ الكلام لشكل واحد، وعدم مناصفة القائلين بالقوى الإلهية المتحكمة بكل شيء لهذا السبب ترى التحوّلات والمفاهيم في وقتنا مجرد نتاجات تشريحات جامدة، وهنا بشكلٍ مباشر تؤدي لزيادة الإشكالات وبنوعٍ ما للرفض.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

عرض التعليقات
تحميل المزيد