يرجى قراءة الأجزاء السابقة عزيزي القارئ حتى تسير على الخُطا الصحيح للفهم الكامل لتلك السلسلة.
تناغم الأجيال
من المؤكد أنك في رحلة قراءة هذه السلسلة قد لاحظت تكرار الكلمات التي تدل على الجمع بمعنى: «نحن.. سنفعل.. نحاول.. نقوم بأنفسنا»، وهكذا.
والمغزى من هذا هو فكرة تناغم الأجيال، لكن دعني أوضح لك عزيزي القارئ من هم الأجيال المقصودة نحن كمجتمع مصري لدينا ثلاثة أجيال متغلغلة في مجتمعنا وهم «الجيل الأول، والجيل الثاني، والجيل الثالث».
الجيل الأول هو الجيل الذي ينتهي مواليده في منتصف الثمانينات ذاك الجيل الذي عاصر وواكب الحروب العالمية والتقسيمات والاحتلالات هذا الجيل الذي ذاق طعم الهزيمة، والنصر، والنكبة، والنكسة، لذلك نجد توجهاته الفكرية والسياسية مختلفة تمامًا عن الجيل الثاني والثالث يفكرون في حل المشاكل التي تواجههم بنظرية إيجاد السلام العام وانعدام الاكتراث بما سوف يترتب عليه فيما بعد «والباب اللي يجيلك منه الريح سده واستريح»، ولا تهتم بأصبع ذاك الفتى المحشور في زاوية الباب المهم أننا نجونا.
هذا ملخص عام لطريقة تفكير الجيل الأول وأيضًا يطلق على فئة من هذا الجيل باسم جيل راقصي اللجان، وذلك ترتب على نظريتهم التي تحث على السلام والتنازل عن الحقوق.
أنا هنا لا أقلل من ذلك الجيل لأنني أعلم جيدًا أن العوامل المحيطة في حقبتهم والأحداث والصراعات التي نشبت كانت لها تأثير كبير في توجهاتهم الفكرية، بالإضافة إلى أن نظرية السلام لها إيجابيات عديدة، لكن فكرة أن أنشر السلام على حساب حقوقي مرفوضة تمامًا، وأيضًا أرى أنها تقلل من شأننا، وتضر الأجيال القادمة فيما بعد لأن من المؤكد أنه سوف يحدث تغيرات سياسية واقتصادية واجتماعية لن تتوافق مع شروط السلام السابقة، وهنا تحدث المشكلة ويترتب على تلك المشكلة هي فجوة بين الجيل الأول والثاني.
وبالفعل حدثت الفجوة بين الجيل الأول والثاني، وبدأت في التفاقم مع مرور الزمن، وأيضًا بسبب محاولة الجيل الأول الهيمنة على مستقبل الجيل الثاني، وتحديد مصيره السياسي والمجتمعي، ونحن هنا نهتم بالمجتمع لا بالسياسة.
ولكي أوضح لك أكثر عن فكرة الفجوة بين الجيل الأول والثاني إليك أغنية بقلم الراحل العبقري «أحمد فؤاد نجم» الذي استطاع توضيح تلك الفجوة من خلال أغنية لـ«تتر» مسلسل حضرت المتهم أبي.
والتي تقول:
«نازل وانا ماشي على الشوك برجليا
وانت السبب يابا ياللي خليت بيا
لا فرشتلي بستان ولا حتى بر أمان
أعيش عليه إنسان والدنيا في ايديا
وانا لما جيت من الغيب
العدل كان كيفي والحق كان مطمعي
والحب كان سيفي
دقيت على الأبواب لقيتنى في السرداب
غابة من الأنياب مسنونة حواليا
مع الأسف يابا الدنيا دي غابة ملناش مكان فيها
يا عيني يا وعدي ع المغرمين بعدي والطيبين فيها».
ومن الواضح أنه من العسير ردم هذه الفجوة التي بين الجيلين بمحاولة الإقناع والنقاش فقط في الحقيقة لم تردم هذه الفجوة إلا بالأفعال.
بمعنى أنه إذا ردم هذه الفجوة لكي يحدث تناغم وتكامل بين أفراد المجتمع يجب علينا أن نسعى جاهدين على إنجاز وتحقيق كل ما نريده بطريقة جذرية ترضي جميع الأفراد، وبهذا نستطيع صنع التناغم والتكامل بكل سلاسة، وبعدم الدخول في صراعات ليس لها أول من آخر.
وأما عن الجيل الثاني الذي تنحصر بداية مواليده في منتصف الثمانينات حتى نهاية التسعينات، والذي يطلق عليه جيل الألفية، بالإضافة إلى كثرة الأبحاث والتقارير التي تفيد بأن أغلب هذا الجيل.
نرجسي
وأعتقد أن هذه الأبحاث صحيحة إلى حد ما، وذلك من تعاملي مع بعض الأشخاص من هذا الجيل الذي يتلخص وصفه في الأنا ونحن، وهذا بالطبع ينطبق على النرجسية.
لكن وبغض النظر عن النرجسية فهذا الجيل بالذات أو فئة كبيرة منه يعتبرون مركز أخبار ومعلومات متنقل، وذلك لهلعهم الكبير للقراءة ومعرفة المعلومات، وأيضًا الاهتمام بما يحدث في البلاد والعباد وحبهم للأفراد المتواجدين في نطاق حياتهم الخاصة، أو الأصدقاء والأقارب بمعنى أدق وإلى آخره من الإيجابيات الحسنة.
ولا أعتقد أنه حتى وقتنا هذا قد حدثت فجوة بين هذا الجيل والجيل الثالث ربما ظهرة بوادر حدوث تلك الفجوة في الفترة الزمنية الأخيرة، لكن النرجسية لم يكن لها دور، بل العقل هو الذي قضى على تلك الفجوة قبل أن تبدأ.
وربما فيما بعد تحدث الفجوة مع مرور الزمن، وأتمنى ألا تحدث حتى نستطيع صنع التناغم والتكامل بدون الانسياق وراء أي صراعات فكرية وسياسية واجتماعية.
والجيل الثالث هو من بداية مواليد الألفينات أو عام « 2000» والذي كان له دور كبير في توجيه الرأي العام، مثل قضية شهيد الشهامة محمود البنا، ولا تعتقد أن أحدًا كان له دور في توجيه الرأي العام أو «الترند» غير جيل الألفينات.
بالإضافة إلى تأثيره وانضمامه للعديد القضايا والأحداث والصراعات التي نشبت في مجتمعنا في الفترة الزمنية الأخيرة، وذلك يدل أن هذا الجيل بدأ في التبلور ومواكبة التطورات الجارية ولا شك أنه سوف يكون لهذا الجيل دور كبير ومؤثر في الأعوام القادمة، وأيضًا تغيير المجتمع إلى الأفضل، لكن لكي يحدث ذلك يجب أولًا أن يحدث تناغم بين هذا الجيل والجيل الثاني؛ لأن الجيل الثالث لديه القوة على التغيير والقدرة على الإدراك والفهم وإيجاد الحلول.
والجيل الثاني لديه التجربة والعلم والحكمة ومن المؤكد إذا حدث تناغم بين الجيلين سوف يكون لدينا القدرة كأفراد على التغيير الإيجابي الفعال، وتحسين مستوى المجتمع، وأيضًا علاج الأفراد الذين لديهم اضطرابات نفسية وغير أسوياء.
وما يجب على الجيل الثاني هو احتواء أفراد الجيل الثالث وعدم التعالي عليهم، أو ترك مساحة للنرجسية لتتحكم في سلوكياتكم اتجاه الجيل الثالث.
وبذلك يا عزيزي القارئ إذا حدث التناغم بين الأجيال سوف يكون هناك تغيير إيجابي وسهولة إيجاد حلول جذرية وسطية لأية مشكلة تواجه مجتمعنا، وما يترتب على تلك الأمور هو مجتمع سوي خال من الاضطرابات والصراعات.
النهاية الأولى
وكل ما سبق ترتب عليه عدة أمور أولها نشوب الصراعات السياسية والفكرية والثقافية والاجتماعية وأيضًا حدوث اضطرابات نفسية لدى الفرد وجعله شخص غير سوي وعدواني أحيانًا.
بالإضافة إلى خلق الأفكار والمبادئ والآراء الشاذة وغير السوية دون أن نصل لحل معتدل جذري فكما قلت إن هناك فئة كبيرة من المجتمع لديها اضطرابات نفسية ناتجة عن عدت عوامل سلبية لذلك ندرك لماذا المجتمع وأفراده أصبحوا على شاكلتهم هذه؟
ومن المؤكد إذا قمنا بعلاج المجتمع وأفراده وظهر لنا بعد ذلك أفكار وسلوكيات مختلفة فمن المؤكد سوف تكون حالة فردية لا ضرر منها ولا ضرار، وتكون في الأغلب حالة سوية، وفي تلك الحالة يكون بند الحرية متاح لها.
ولقد أدركنا أيضًا أن في الأغلب تكون تلك العوامل المؤثرة والأحداث والصراعات سببًا رئيسًا في الزج بالفرد إلى حافة الهاوية أو الانتحار بمعنى أدق.
ونحن نعلم جيدًا أن هناك ازدياد ملحوظ وبشكل كبير في أعداد المنتحرين، بالإضافة إلى وجود احصائيات تثبت أن هناك خللًا نفسيًا لدى فئة كبيرة من أفراد المجتمعات العربية، وذلك بالطبع بعد توافر وتوضيح العوامل التي ذكرناها مسبقًا.
ولا شك أننا كمجتمعات عربية في القاع وأن هناك اسوء مما نحن عليه الآن، وأنه قادم عما قريب إذا لم نجد حلًا لهذه الكارثة الإنسانية.
وذلك إذا لم نعترف بوجود خلل مجتمعي وتأثيره على الحاضر والمستقبل وعلى المدى البعيد لكي نبدأ في إصلاح المجتمع نفسيًا يجب علينا أولًا أن ندرس المواطن، ونحلل الأحداث التي كان لها تأثير وأيضًا فهم حيثيات المجتمعات العربية، وكل هذا يكون بشكل علمي فلسفي مبسط، وأيضًا كما أؤكد على حل المشكلة بالتفكير في حلول جذرية وسطية ترضي جميع الأطراف المعنية.
وأنا أؤمن بأنه إذا بدأنا في العمل على تلك الأبحاث سوف تتضح لنا الصورة بشكل شمولي ومن خلال تلك الشمولية سوف يكون لدينا القدرة الإدراكية على إيجاد حلول مناسبة لمواجهة تلك المشاكل المستحدثة والعوامل المؤثرة والنتائج المترتبة.
أعلم أن تلك المواضيع والتحليلات والتفسيرات التي قمت بها لن تكون بالشكل المستفيض، لكن أنا على يقين بأنني قد قدمت لكم مكنون المضمون، والشكل المبسط لما نحن على شاكلته المستحدثة الآن، وأنني ألقيت الضوء لمن يهتم من خلال تلك السطور.
وأيضًا طرف خيط لفهم سيكولوجية المجتمع العربي والمصري بالأخص، وأتمنى أن تكون تلك السطور هي المفتاح الذي يمكننا من خلاله بدأ البحث العلمي، ومحاولة الفهم الصحيح، والجذري الذي أتمنى أن يهتم بها أحد، وفي النهاية التي سوف تكون بداية لتوجيه فكري جديد يتيح لنا كأفراد القدرة على إصلاح المجتمع.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست