على مدى عقدين ونيف من الزمان تبنت قطر سياسة متناقضة في المنطقة والعالم، وتعتبر السياسة القطرية ظاهرة غريبة على التاريخ السياسي المعاصر، وربما لا يمر علينا أنموذج غريب وشاذ كالأنموذج القطري.
اعتمدت قطر في سياستها على أسلحة فتاكة هي الإعلام والمال وجماعات الإسلام السياسي، عوضتها هذه الأسلحة عن معضلات طالما عانت منها الدوحة، منها صغر مساحتها وقلة عدد سكانها، هذه الأسلحة، بالإضافة إلى الفراغ الذي عاشته المنطقة، ولا زالت تعيشه؛ جعلت قطر تطلق العنان لسياستها العابثة في المنطقة، سياسة الوهم القطرية والتي تريد فرضها على بعض الدول دون احترام لحجم هذه الدول ولا لحجمها في المقام الأول.
تحاول قطر أن تفرض سياسات وأيديولوجيات متناقضة على بعض دول المنطقة، فقطر الليبرالية من الداخل تدعم جماعات إسلامية متطرفة في سوريا والعراق وليبيا ومصر ودول أخرى، وقطر التي ضاقت بقصيدة لأحد الشعراء تحاول نشر الديمقراطية في دول مثل دول الربيع العربي، وقطر التي تدعم الفوضى في بعض الدول تحاول أن تلعب دور الوسيط في دول أخرى تعاني اضطرابات أو نزاعات مسلحة كما حدث في دارفور أو في اليمن في عهد الرئيس علي عبد الله صالح.
هذا التناقض تجده حتى في علاقاتها مع الدول والمنظمات، ما يجعلك تعتقد أن من يدير السياسة الخارجية القطرية عدة أشخاص وبتوجهات مختلفة، تدعي قطر أنها تدعم حماس، وفي نفس الوقت لديها علاقات متميزة مع إسرائيل، وتتحدث عن علاقات أخوية مع السعودية، أو الشقيقة الكبرى كما تسميها، ولديها علاقات وثيقة واتفاقيات عسكرية وأمنية مع إيران العدو اللدود للرياض، بالإضافة إلى إبحارها الدائم عكس التيار ومحاولة مناكفة المملكة، وتستضيف أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في المنطقة ألا وهي قاعدة العديد الجوية، وعلى بعد أميال منها تستضيف المكتب السياسي لحركة طالبان الأفغانية المتشددة والتي تخوض الولايات المتحدة حربًا ضدها منذ خمسة عشر عاما، بالإضافة إلى دعمها لعدة جماعات جهادية تناصب أمريكا العداء كتنظيم الدولة الإسلامية، وجبهة النصرة الذراع السوري لتنظيم القاعدة وأحرار الشام الذراع العسكري لجماعة الإخوان المسلمين، والجماعات الإرهابية الليبية بتعدد أسمائها، وغيرها من التنظيمات المتطرفة.
هذه التناقضات دفعت بقطر إلى عزلة خليجية وعربية وإقليمية غير مسبوقة، بعد قطع دول عربية علاقاتها معها وأغلاق حدودها البرية والبحرية وحظر مجالاتها الجوية، ومن المتوقع أن تسهم هذه العزلة بتغيير سياساتها تدريجيًا، وفي اعتقادي أن حدث تغير أو تنازل في السياسة القطرية فإن ذلك لن يشمل حمايتها للإخوان المسلمين باعتبارهم يمثلون عصب السياسة الخارجية لقطر، ووجود القاعدة العسكرية الامريكية والتي تمثل حصانة لقطر كما قال الشيخ تميم.
ولكن قبل أي تغيير أو تنازل في سياستها عليها أولًا أن تراجع نفسها لأنه للأسف لم يعد أحد يثق في السياسة القطرية، خصوصًا السعودية باعتبارها رمانة الميزان في الخليج والمنطقة، بعد نكثها لتعهداتها السابقة، وخصوصًا اتفاق الرياض.
يبقى السؤال الذي يفرض نفسه ماذا كسبت قطر أو ستكسب من هذا التناقض؟ تعتقد قطر بأن تبنيها لسياسة التناقضات سيطيل عمر النظام الحاكم فيها، كما أنها تريد أن يكون لها دور مهم على المسرح العالمي، وفي المنطقة، متوهمة أنها تستطيع أن تقود التغيير فيها، وربما تعتقد قطر أن هذه التناقضات في سياستها ستساعدها على المناورة خلال أية أزمة ستتعرض لها، مستندة على براغماتية حليفها التركي أردوغان في سياسته الخارجية خلال السنوات الماضية.
يبدو أن قطر تحاول أن تمسك العصا من الوسط، ولكن في المرحلة الحالية مرحلة التحالفات والتجاذبات قد تكون قطر الخاسر الأكبر، إلا إذا.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست