فى الثالث من يونيو (حزيران) 2013، قام الرئيس الراحل محمد مرسي- رحمه الله – بعقد اجتماع على الهواء ( بغير علم الحاضرين) مع قادة الأحزاب السياسية، والشخصيات العامة فى المجتمع المصري، وحضر اللقاء كلًّا من أيمن نور و عصمت السادات، ومجدى حسين، ويونس مخيون، رئيس حزب النور، مما أثار حفيظة الجيش وقتها لعدم دعوة وزير الدفاع فى ذلك الوقت الفريق أول عبدالفتاح السيسي، أو أيٍّ من قادة أفرع وأسلحة القوات المسلحة، وذلك لبحث تداعيات أزمة سد النهضة الإثيوبي وإيجاد حل حاسم، وشهد هذا اللقاء آنذاك سخريةً فى الشارع المصرى من الأطروحات المقدمة، والتى لا تصح أن تخرج من اجتماع مهم، وفى قضية حساسة كتلك، فى وقت كان الشارع المصري فيه العديد من الاضطرابات والحشد والحشد المضاد من القيادات السياسية الرافضة؛ لوجود النظام متمثلةً فى جبهة الإنقاذ، والتى كانت تضم كافة التيارات السياسية والشخصيات العامة المحسوبة على ثورة يناير مثل حمدين صباحي ومحمد البرادعي، والدكتور أبو الغار، كما كانت تضم أيضًا شخصيات محسوبة على النظام القديم مثل عمرو موسى، وسيد بدوى، رئيس حزب الوفد فى مجابهة جبهة الضمير، والتيار الإسلامي، بوجهٍ عام، وفى ظل الشحن والتعبئة التي شهدها الموقف السياسي من الإعلام الموجه ضد السلطة القائمة فى ذلك الوقت، زاد اللقاء من سخط الشارع المصري، مما يسَّر ومهَّد الأرض أمام حملة تمرد، والتى كانت تجمع توقيعات من الشعب المصري لسحب الثقة من الرئيس محمد مرسي، والحكومة برئاسة هشام قنديل إذا لم يستجب لعقد انتخابات رئاسية مبكرة.
كان من أكبر المستفيدين من حالة الزخم هذه هو النظام القديم، والذى كان يعد العُدة، ويقوم بترتيب المشهد العام لاستعادة زمام الأمور من جديد فقام الجيش وقتها باستغلال تلك السقطة للقيادة السياسية، وقام بنشرها بين جموع المصريين؛ ليؤكد ويبرهن على ضعف النظام القائم فى إدارة الأزمة واستطاع أن يستغل هذا المشهد فى الإطاحة بالنظام القائم بعد عدة أيام قليلة فى الثالث من يوليو (تموز). الآن يمر النظام المصري بأزمة وجود فى قضية سد النهضة فضلًا عن أنها قضية وجودية لمصر والمصريين والأجيال الحالية، والقادمة؛ فهي أيضًا مسألة وجودية للنظام القائم لا يملك رفاهية الاختيار؛ فهو سيسعى لإثبات قدرته وجدارته على التواجد فى سُدة الحكم من خلال التدخل العسكري، إذا لزم الأمر؛ خاصةً بعد الغضب الشعبي من غلاء السلع، والخدمات على كاهل المصريين، ويريد النظام المصري أن يستعيد مكانته الإقليمية، ويظهر للعالم الغربي فضلًا عن المجتمع المصري، باستعادة كسب أراضٍ فى القارة السمراء بعدما أهملها نظامي السادات ومبارك من قبل كما يريد النظام الحاكم أن يسترجع هيبته، ويصلح خطأه القانوني وغير المبرر للجمهور المصري حتى الآن من سببية اتفاقية المبادئ، والتى أبرمها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي فى 23 مارس (أذار) 2015 مع كلٍّ من رئيس الوزراء الإثيوبي، هايلى ديسالين، والرئيس السوداني عمر حسن البشير فى حضور ممثل عن البنك الدولي فى العاصمة السودانية الخرطوم، والتى اتخذتها أديس أبابا فيما بعد على أنها موافقة صريحة من دولتي المصب فى بناء السد وتشغيله والذي صعَّب الأمر على الطرفين المصري والسوداني فيما بعد، وجعل الجانب الإثيوبي يتعنت فى الجلوس والوصول لاتفاق قانوني عادل وملزم لجميع الأطراف؛ فلقد أهدت مصر للجانب الإثيوبي خطأً إستراتيجيًّا تحاول حتى اليوم تداركه، وقد ترتب على هذه الاتفاقية غير العادلة، والتي أيضًا لم تكن تحتوي على نصوص واضحة المعالم والتوقيتات، والتى صبت فى صالح الجانب الإثيوبي؛ لذلك أرى أن التدخل العسكرى هو أمر واجب وغير مستبعد من أذهان القيادات المعنية المصرية والسودانية، إذا أصرت إثيوبيا على عدم الاتفاق.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست