هذه مجموعة من القوانين التي يُدركها الإنسان ويكوّنها، وهو يختبر الحياة بحلوها ومُرّها، وعُجرها وبُجرها. القوانين الحقيقية في الحياة لا تُقرّرها النظريات والدساتير، بل الأحداث التي تُطوّرك وتصقلك. ولكلّ واحد منّا قوانين يسعى جهده للإحاطة بها والتنبّه لها، برغم أنّها تتكرّر تاريخيًّا، لكنّنا ربما لا نُدركها من خلال التدوين والمشاركة. لا ألزم أحدّا بأيّها لكنّني أعيش من خلالها، وأربي أولادي عليها، وأشجع أحبابي على تعهدها. ومن باب مشاركة الأفكار والمُساهمة بتطوير الخبرات، أضع بين أيديكم هذه القوانين علّها تجد لدى القارئ ثلمة تسدّها، أو فكرة تُفكّكها وتُجلّي أساريرها.

قانون (1): دائمًا إذا تعلّق الموضوع بمبدأ من المبادئ (حياة- دين- علاقات… إلخ) وقيمة من القيم، وحق أصيل رفيع: فلا تتنازل عنه قيد أنملة وقله – لا تخش شيئًا- ودافع عنه بكل ما تستطيع. الحياة أقصر من أن نُضيعها في تحريف المبادئ وسرد المجاملات الفارغة على حساب الحقيقة، والاستمراء في دبلوماسيات تُفسد القيم الأصيلة.

قانون (2): في العلاقات حاول أن لا تستكثر من الأصدقاء والأصحاب، فالعبرة ليست بالكثرة، بل بُحسن الاختيار، وطول الصحبة، وصفاء القلوب واجتماعها على الفضيلة. تذكر: أنت لست مُلزمًا بجمع الأصدقاء من حولك لتُثبت للآخرين أنّك اجتماعي مثلًا، أو محبوب ومرغوب، بل تكفيك ثلة صادقة ومخلصة عناء الكثرة التي تأتي بالمشّقة والمُعاتبات وصعوبة الإرضاء.

قانون (3): البكاء، التوتّر، الفرح، الابتهاج، الغضب، الصمت.. إلخ، كلّها مشاعر فطرية حاضرة في بنية الإنسان. ليست عيبًا في الخلقة، ويحتاج الإنسان في أحيان كثيرة للتعبير عنها ومشاركتها مع الآخرين. لا تكبت هذه المشاعر وتُرحلّها فتتراكم تباعًا حتى تصل لمرحلة فقدان التوازن. تحكّم بها لكن لا تتجاهلها!

تذكر: أنّك مجموعة من المشاعر المُختلطة، اعترف بها وتعامل معها، ووجّهها توجيهًا إيجابيًّا لكن لا تتجاهلها بالمرّة. تذكر كيف كنت تسمح لها بالوجود عندما كنت طفلًا، تلك الحرية التي كنت تتمتع بها. الآن: ضع لها قوانين مناسبة للتعامل معها وأنت كبير. إنّها معركة مهمة من معارك الحياة.

قانون (4): همّك ما أهمّك، وعلى قدر انشغالك بمشاريع التنمية والإصلاح والتحسين والنهضة (على كل المستويات، وفي كل المواضيع، وبغض النظر عن حجمها) على قدر انشغالك بإيجابيتك على قدر ما يمنحك ذلك من الشعور بالراحة، والرضا والهدوء النفسي، والقبول الذاتي. تذكّر: خُلقنا لهدف سامٍ وأوجدنا الله تعالى من أجل رسالة البناء، وتعهد هذا الكون. كلما اقتربت من هذه الأهداف، وفحوى الرسالة، كلّما اقتربت أكثر من كونك خليفة الله حقًّا. وفي المقابل كلّما ابتعدت عن هذه المفاهيم كلّما ضاقت عليك الدنيا بما رحبت وشعرت بالتوتر وعدم الراحة. فاهتمّ كي لا تغتمّ.

قانون (5): لا تعش لوحدك في هذه الحياة وأنت تظن أنّك بذلك تُريح نفسك من وعثاء الناس، وكآبتهم، وسوء منقلبهم، بل خالط الناس في تؤدة، واجتمع معهم بهدوء، وادخل في قضاياهم دون حماسة مفرطة ولا عاطفة غزيرة. كن ميزانًا في العلاقات الاجتماعية. تذكّر: صاحب الرسالة لا يعتزل قومه فيعزلونه من قلوبهم، ولا يُكثر من القرب فتملّه قلوبهم. بين بين.

قانون (6): من الرائع أن تكون حسن المظهر، بهيّ الطلعة، جميل الهيئة، لكن الأكثر روعة وجمالًا هو حسن المخبر، وسمو الروح، واستقامة السلوك. إياك إياك ان تكون ممّن إذا نظرت إليهم سرّك منظرهم ومظهرهم (حتى مظاهر التدين)، فإذا خالطتهم وتعاملت معهم وسمعت منهم رأيت بعينيك بلاء المخابر. إنّها القلوب يا أخي. المعدن الأصيل، والذهب الخالص لا شيء يقوم مقامها، لا شيء في هذه الدنيا يحجبها. حتى المظاهر الفاتنة.

قانون (7): قراءة كتاب نافع. ملاعبة أطفالك. برّك لوالديك. نقاش هادئ أو صاخب لكن فيما ينفع. مشاهدة فيلم أو كتابة مقالة (حتى تغريدة)… إلخ، كلّ ذلك أجدى وأوفى وأزكى من تضييع وقتك في جدال مؤذٍ، ومُناظرة تنزع الودّ، ومِراء لا تُؤمن فتنته. تذكّر أيها الحبيب: المُجادلة تُشعل النار في قلوب الناس. نفعها قليل. وضررها كبير. تنزّه تعفّف تُكرم.

يتبع في الجزء الثاني.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

عرض التعليقات
تحميل المزيد