مسلمو الغرب والثقافة العربية
سؤال لأهل الدعوة
هل يشترط في تصدير الإسلام أن يكون بالنسخة العربية؟ وهنا محل حديثي عن الإسلام، وليس القرآن، وهل يشترط أن نفرض ثقافتنا العربية على المجتمعات الأخرى؟ ألا يمكن أن نصدر الإسلام كما أنزله الله تبارك وتعالى؟
هل يحتاج رجل يدعى جورج عند إسلامه أن يغير اسمه إلى عمر؟ هل جورج اسم مسيحي أم أعجمي؟ وهل عمر اسم مسلم أم عربي، هل يشترط أن تتحول إيميلي إلى عائشة؟ فهل عائشة اسم مسلم، وإيميلي اسم كافر؟ ومحل حديثي هنا عن الأسماء الأعجمية، وليس الأسماء المحرمة التي تحمل أسماء مثل أسماء آلهة الإغريق مثلًا فهذا محرم؛ ليس لكونه أعجميًا، ولكنه محرم في ذاته، مثل: عبد الرسول، وعبد الكعبة، فهي أسماء عربيه محرمة في ذاتها، وهل الأسماء التي تسمي بها أطهر الخلق كانت أسماء عربية مثل نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ويعقوب، وإسحاق، ويوسف، ويونس، وداود، وسليمان، ويحيى، وزكريا، هل هي أسماء عربيه، الحقيقة أن كل هذه الأسماء ليست أسماء عربية، بل أسماء أعجمية، فلماذا يشترط في من يدخل الإسلام أن ينسلخ من ثقافته وينخلع من جذوره وعاداته البشرية؟
كم كانت ثقافتنا سببًا في الصد عن سبيل الله لاختلافها مع ثقافة الغرب!
إن الإسلام هو أكثر الاديان مرونة وتفاعلًا مع المجتمعات المتجددة عبر العصور، فلماذا يصر طائفة من أهل الدين على الانعزال والاستغراق في الماضي والخلط بين دين الله والعادات والثقافات العربية؟ لماذا نصر علي تصدير الصورة البدوية للعرب على أنها نموذج محمدي إسلامي، لماذا على غيرنا أن يتكلم مثلنا، ويحمل فكرنا وثقافتنا وعاداتنا؟ فلو بعث رسول الله في أوروبا ما كانت الأسماء والثقافة العربية لها موضع في دين الله.
قال رسول الله صلى الله على وسلم: السباق أربعة: أنا سابق العرب، وصهيب سابق الروم، وبلال سابق الحبشة، وسلمان سابق الفرس.
فهنا رغم أن صهيب عربي قح، ولكنه قضى طفولته وشبابه بين الروم، فحمل لهجة وثقافة القوم، فعندما أراد النبي أن ينسبه نسبه للبيئة التي نشأ فيها، وليس لعرقه العربي، فلا يربط صهيب بالروم سوى الثقافة واللهجة والعادات، ولكن رأى النبي بأولوية نسبته إلى الروم عن نسبته إلى العرب، ولم يتبرأ النبي من هذا المعنى الذي يحمل في طياته ثقافة الروم ولهجتهم وعاداتهم، ولم ير عيبًا في نسبته إليهم، فلماذا نريد أن ننزع هؤلاء من كل ما يربطهم بثقافتهم، والنبي لم ير عيبًا في ذلك؟ فإن الذي يشكل الإنسان هو المجتمع، وليس العرق، وإلا كان النبي قد نسب صهيبًا إلى العرب، وهنا نرد من وجه آخر على من يقولون إن مصر لم يحكمها مصريون منذ قرون طويله اعتقادًا منهم أنه يجب أن يكون الحاكم من عرق مصري قح، ولا نعلم ما هذا العرق الذين يبحثون عنه، فيجب أن يعلم هؤلاء أن الاعراق قد اختلطت عبر العصور، خاصة في البلاد المحورية القريبة من الشرق والغرب التي تربط ممرات التجارة العالمية لتبقى الثقافة والبيئة والعقل الجمعي ما يشكل طبيعة سكان الأرض، فإن الجزيرة البريطانية لا نستطيع أن نعرف أصل سكانها بعد اختلاط الأعراق بها بعد نزوح القبائل الجرمانية، والنورمان، والرومان، وسكان شبه الجزيرة الأيبيرية، والآنجلز، والسكسون، والفايكنج، وغيرهم عبر العصور، فهل نقول إن إنجلترا لم يحكمها إنجليزي العرق طوال التاريخ، رغم أنها أعتى وأقدم إمبراطورية باقية عرفها التاريخ، لا بأشخاص من حكموها، ولكن لمكونات ذكرناها، فلم يكن أوباما كينيًا عندما حكم أمريكا، بل كان أمريكيًا؛ لأنه يحمل ثقافتهم وفكرهم، فلو ظل أوباما في كينيا لكان راعيًا للغنم أو متمردًا، وهل يعتبر ميشيل تامر لبنانيًا وهو يحكم البرازيل، بل برازيلي لأنه نتاج مكونات المجتمع، فلا اعتبار لأصل عرقه، فلو ظل في لبنان لكان قتيلًا في الحرب الأهلية، أو في أفضل الأحوال مشاركًا في اجتماعات تشكيل الحكومة التي لم تشكل، ولن تتشكل، ولم يكن صهيب عربيًا، بل روميًا، رغم أن عرقه عربي.
ولم يكن منتخب فرنسا الذي يتواجد به ١٣ لاعبًا من أصول أفريقية يمثل أفريقيا عندما حصل علي كأس العالم، فلو ظل هؤلاء اللاعبون 100 عام في أفريقيا ما استطاعوا أن يحققوا كأس العالم.
ولو عاش قطز وبيبرس في موطن آخر لكانوا عبيدًا يباعون في الأسواق، ولكن في مصر أصبحوا قادة التاريخ، فلم تشهد البشرية عبر العصور محنة أشد من محنة المغول، فلن يأتي حتى قيام الساعة فتنة تضاهي المغول سوى المسيح الدجال، ولكنهم نصروا الإسلام وانقذوا البشرية من هذا.
وغيرهم الكثير مثل المنصور سيف الدين قلاوون وابنه الأشرف والناصر اللذين حاربا المغول والصليبيين في وقت واحد، أو الملك الظاهر برقوق الذي أنقذ الشام لخوف تيمور لنك من مواجهته عندما علم بتحرك الجيوش من مصر، أو صلاح الدين الذي وحد جبهة المسلمين وانتصر علي الصليبيين، فكل هؤلاء القادة ما أصبحوا قاده سوى بوجودهم في مصر، ولكونهم أصبحوا مصريين، لا لأصل عرقهم الكردي، أو التركي، او الشركسي، أو الأرميني، فمهما علا شأنهم، وكانوا 100 صفر فليس لهم قيمة مهما كانوا حتى يضاف إليهم الواحد ليصبحوا رقمًا في المعادلة، وهذا الرقم هو وجودهم في مصر، أي البيئة والثقافة والمجتمع والعقل الجمعي، ومركز القوى والحاضنة الشعبية الإسلامية القوية والروح الثورية، وعجبت من قول أحد طلبة العلم، وكان من أقبح وأجهل ما سمعت عندما قال: نحن نحتاج إلى قائد من الشام، فقلت له متعجبًا: لماذا؟ قال: لأن مصر على مر التاريخ لم تخرج قادة! فقلت له: أنت لم تدرس التاريخ جيدًا، وقلت في نفسي: هذا يعاني من الجهل المركب، فهذا جهد الجاهل، وقلت له أنت لا تعرف قيمة هذه البلاد، فهي التي تصنع القادة والأبطال، ولو كانوا عبيدًا، فلم يعرف التاريخ عبر العصور سوي دولتين تصنع القادة والعلماء، وتكسب من يسكنها صفاتها وتجعله جزءً منها، وهم مصر والولايات المتحدة الأمريكية، فإن مصر أدركت معنى المواطنة والاندماج مع الحضارات قبل أن تعرفها الليبرالية الحديثة بآلاف السنين، عرفت كيف تكسب صفاتها لكل من يقطنها ليعد مصريًا،
فلو كانت العبرة بالشام لنصروا على بشار، فإن الشام، وأمة الإسلام تقاتل أكثر من ثماني سنوات، ولم تهزمه، أو لكانوا هزموا التتار أو الصليبيين، وغيرهم على مر العصور، فما أغنى العرق من بطش الظالمين شيئًا، إن عوامل النصر لا يفقهها أمثال هؤلاء، أنصاف المتعلمين من طلبة العلم الشرعي.
وبالعودة لنقطة البداية
لماذا نجرد مسلمي الغرب من كل شيء ونضفي عليهم ثوب العرب، وهم يريدون الإسلام فقط، هل الإسلام والثقافة العربية تقدم كحزمة واحدة تؤخذ كلها أو ترد كلها، بداية من الأسماء العربية والعادات مثل ارتداء اللباس (الجلابية) والصندل وغطاء الرأس، ويا حبذا الغترة السعودي، أو ملابس الباكستانيين.
وتجد المسلمين الجدد يطلقون لحاهم بشكل كبير لأننا قلنا لهم إن الأخذ منها كحلقها، فتجده يتركها حتي يلقى الله، وهذا يضيق عليهم الدنيا في مجتمعاتهم، ويجعلهم منبوذين.
فقد حدثني أحدهم مرة وقال لي أراك تأخذ من لحيتك فقلت له: نعم، قال الأخذ منها كحلقها، قلت له هل وجدت في الشريعة أمرا واحدًا يشبه ما تقول؟ فهل مطلق اللحية لمجرد أنه أخذ من لحيته، أصبح مثل حالقها بالكامل، فأين أنت من قول الله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ (التغابن:16).
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم.
لقد وقف النبي في حجة الوداع يعلمنا معنى اليسر في الإسلام ليخبر كل من يسأله (افعل ولا حرج) وهو الركن الاعظم في الإسلام، فكيف باللحية! كيف نضيق الدنيا علي غيرنا من أجل طول اللحية!
لقد أدهشني أحد العلماء المعاصرين مرة عندما سألته امرأة عن حكم ممارسة السباحة، فلم يكن العجب في الإجابة بقدر السؤال ذاته؛ لماذا ظنت هذه المرأة ظن السوء في دينها حتى تسأل سؤالًا بديهيًا بهذا الشكل؟ فهل نحن السبب؟ بكل تأكيد نحن السبب.
وكانت الإجابة محزنة عندما سمعته يقول لها: لماذا تتعلمين السباحة؟ اذهبي وتعلمي القرآن، فما دخل هذا بذاك؟ لا أعلم، فكان حري بالشيخ أن يخبرها بضوابط ممارسة هذه الرياضة، بعدم اطلاع الرجال عليها، وغير ذلك، ولكن لماذا أقحم القرآن، لماذا الدين ضد الدنيا لا أعلم.
إن المسلمين في الغرب لا يجدون سوى هذه النماذج التي تسلبهم كل متاع الحياة التي أحلها الله، لماذا لا نصدر الإسلام بنسخته الأصلية دون أي إضافات أخرى، لنجعل ثقافتنا لنا وثقافتهم لهم ونصدر الدين الخالص.
فإن ما نفعله خطر على الدعوة؛ لأن العصاة المنغمسين في الشهوات والملذات عندما يدخلون الإسلام يكونون أسهل القوم دخولًا في الطاعة حتى يصلوا إلى حد التشدد، ولكنهم ما إن تمر عليهم سنوات حتى يعودوا أسوأ مما كانوا عليه قبل الإسلام، والواقع يصدق علي ذلك.
فلم نترك شيئًا من ثقافتنا إلا طبعنا به غيرنا، حتي طريقة التنزه والمرح جعلناهم مسوخًا مشوهةً، فلا هم عرب، ولا هم عجم، ومن الناحية الفكرية نقوم بعزلهم عن الحاضر والمستقبل لنعود بهم إلى الماضي والماضي فقط، حتى طبيعة العلاقات الاجتماعية وقراءة القرآن والأذان تجدهم يصطنعونها على النمط المكي أو المصري، وكأن في هذا قربة إلى الله، وإن هذا هو النموذج الإسلامي، حتى طعامنا الذي يمكن ألا يكونوا قد تذوقوه يومًا في حياتهم، نصدره كحزمة واحده مع الإسلام، فيا حبذا لو يأكلون طعامنا وبطريقتنا، فلس من الضروري تناول التمر ولحم الضأن، ويكون تناول الطعام بالأيدي دون ملاعق.
إن أكبر عقبه في دعوة الغرب هي عندما نبدأ الحديث عن المرأة، فإن تصدير ثقافتنا باعتبارها جزءًا من الإسلام يكون سببًا في الصد عن سبيل الله؛ لأن هؤلاء أصبحت المرأة عندهم جزءًا في المجتمع لا يمكن تهميشه، فإن دور المرأة عندنا يختلف عن دورها في الغرب.
إن تصدير أفكار تتعلق برفض خروج المرأة إلى العمل، وفرضية النقاب، وعدم أحقيتها في المشاركة في إدارة شؤون الدولة، وعدم أحقيتها في إبداء الرأي العام في الانتخابات، أو داخل الأسرة، وأن خطأ المرأة أعظم من خطأ الرجل، وعدم قبول الرجال العمل تحت إمرة امرأة اعتقادًا أن هذا من القوامة، وعدم أحقيتها في أن تتولي أمر نفسها في إبرام العقود، وإدارة أموالها، وعدم قبول شهادتها في الزواج والطلاق والدماء، وأن دية المرأة نصف دية الرجل، وأن دور المرأة هو الإنجاب فقط، وأنها يجب أن تلبس ما ينفر الناس منها، وأن خروجها من بيتها لا يكون إلا علي قبرها، حتي خروجها للمسجد وضعوا له العراقيل، حتي وصل الأمر بثقافتنا أن سلبت المرأة اسمها، فتجد الرجل يستحي من ذكر اسم زوجته أو أمه أو اخته فتجده يقول: الجماعة، البيت، أهلي، أم فلان، أو ينادي عليها باسمه هو، فهذا غيض من فيض بالنسبة لأفكار مجتمعاتنا تجاه المرأة، وهي سبب رئيس في تنفير الغرب من الإسلام.
إن افتقاد البوصلة وأولويات الطرح، ومحاولة عزل مسلمي الغرب عن الحاضر والمستقبل وحصرهم فقط في الماضي ودفعهم إلى التقشف والزهد ينفر من الإسلام، ولم يكن الإسلام يومًا كذلك.
فلا داعي لتصدير فتاوى وأفكار تضيق عليهم الدنيا، وهي أمور بها سعة، بل هي أفكار أقواها يكون مرجوحًا، وليس راجحًا، أو أفكار لم تثبت في دين الله.
يقول الدكتور أبو المجد: إن جوهر التشديد هو التوسع في إيجاب الواجبات والتضييق في إباحة المباحات.. واختيار أعسر الأمور وأجلبها للمشقة وأدعاها إلى وقوع الحرج مع وجود البديل الذي يرفع الحرج ويجلب التيسير.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست