يصل عدد المستشفيات الجامعية في مصر إلى 81 مستشفى جامعيًّا، وفقًا لإحصاءات عام 2013، كما تملك وزارة الصحة حوالي 490 مستشفى ما بين العام، والمركزي، والتعليمي، والتخصصي، هذا بالإضافة إلى 411 مستشفى تكامليًّا، و2971 وحدة صحية على مستوى الجمهورية، و37 مستشفى تابعًا للهيئة العامة للتأمين الصحي، هذا غير المباني الفخمة الضخمة الخاصة بالوزارة ودواوينها بالعاصمة والمحافظات، وأكاد أجزم بحكم خبرتي خلال عملي بوزارة الصحة، وزيارتي العديد من هذه المستشفيات، سواء خلال تنظيمي الإضرابات، أو المشاركة في الدعاية الانتخابية، أنه في معظم هذه المستشفيات تقريبًا يشغل الشق الإداري من مكاتب فخمة، لمديرين وإداريين وتنفيذيين، ما يوازي ثلث حجم هذه المستشفيات، ولو وضعنا المباني الخاصة بالوزارة ودواوينها بالحسبان فقد تتجاوز المساحة النصف، هذا غير مستشفيات التكامل مهدرة المساحة والإمكانات بشكل مرعب، فقد عملت سنة أثناء تكليفي بأحد هذه المستشفيات، وكانت كل غرفه مغلقة إلا غرفة كشف الطبيب العام، وأخرى للملاحظة، والصيدلية فقط.
لماذا كل هذا العدد من الغرف والمباني داخل مستشفى وخارجه لتوفير مكاتب الإداريين والمستشارين والتنفيذيين في بلد لا يغطي عدد الأسرّة بها عدد السكان؟! إذ تعاني مصر من نسبة عجز تصل إلى 50% في عدد الأسرّة بالمستشفيات الحكومية، وفقًا لتصريحات نقابة الأطباء، وتصل نسبة الأسرّة إلى السكان في مصر 1.6 سرير لكل ألف مواطن.
ولماذا الاهتمام الشديد بالشكل الفخم لواجهة المبنى، لو كان الهدف علاج المرضى وليس التباهي بالإنجازات؟! تثور في نفسي دائمًا هذه الأسئلة عند متابعتي السنوية إعلانات التبرع المذرية لبناء المستشفيات الخاصة بالحروق والسرطان… إلخ.
من العبء الحقيقي على من؟! هل صحة المواطن هي العبء على الدولة وأجهزتها وبيروقراطيتها؟! أم أن العكس هو الصحيح؟ وأن الدولة وأجهزتها وبيروقراطيتها هم العبء على صحة المواطن في مصر؟!
«تصرف ثلث موازنة الصحة، التي لا تتجاوز 4% أساسًا من الموازنة العامة للدولة، على رواتب ومنح ومزايا ومصروفات أخرى، للإداريين و المستشارين والعاملين بديوان عام الوزارة ومديرياتها، حيث جاء بيان مخصصات قطاع الصحة كالتالي: 31.6 مليار جنيه للأجور وتعويضات العاملين (للأطباء وباقي مقدمي الخدمة الطبية وموظفين الوزارة على السواء هكذا دون توضيح)، و12.4 مليار جنيه لشراء السلع والخدمات، و120 مليون جنيه فوائد، 5.22 مليار جنيه للدعم والمنح والمزايا الاجتماعية، و1.24 مليار جنيه مصروفات أخرى، و11.15 مليار جنيه للاستثمارات».
وما وظيفة هذه الدولة، جامعة أموال الضرائب والمسيطرة على كافة الموارد والثروات، إن كان بناء المستشفيات قد تحول إلى مسئولية فردية قائمة على التبرعات، بينما تبنى عشرات السجون الجديدة، والمساجد والكنائس الفخمة، والقصور الرئاسية في الصحراء، وتشترى الطائرات الرئاسية، وصفقات الأسلحة الضخمة من هذه الأموال؟!
«تم منذ 2013 وحتى اليوم بناء 22 سجنًا جديدًا في مصر، كما وقعت مصر على صفقات سلاح تفوق تكلفتها 6 مليارات دولار مع روسيا وحدها حتى 2015، هذا غير صفقات السلاح مع ألمانيا وفرنسا وأمريكا… إلخ، كما تم شراء طائرات رئاسية جديدة بقيمة تتجاوز 3 مليارات».
أليس فساد الدولة وانحيازها لأصحاب الأعمال أيضًا هو السبب في انتشار كل ما هو مسرطن ومعد وممرض في حياتنا وتربتنا ومياهنا، وبالتالي هو المسئول عن تضاعف أعداد المرضى في بلادنا؟!
وحتى في حال استسلامنا لهذه الرؤية التكافلية حول تقديم الخدمة الصحية، فلماذا نقوم بهدر كل هذا الكم من «أموال التبرعات» في رمي أساسات وتشييد مبان جديدة؟ ومن المستفيد من كل هذا سوى من تضخ الأموال في جيوبهم من ملاك شركات المقاولات والحديد والأسمنت؟! بينما المرضى يموتون وأسماؤهم ما زالت قابعة على قوائم الانتظار.
ولماذا هذا الاهتمام الشديد بالشكل الخارجي والواجهات الزجاجية المكلفة للمستشفى، إلا إذا كان هذا يخفي بين طياته محاولة للتباهي والتفاخر بالإنجازات؟!
لماذا لا نستخدم مستشفياتنا المتاحة الاستخدام الأمثل عبر استخدام كل مساحة ممكنة بها لتوفير مكان لعلاج مريض وليس لمكتب إداري؟! لماذا لا نوفر حق طن الحديد والأسمنت لتوفير جهاز جديد، وسرير جديد، وعلاج جديد بالمستشفيات الموجودة بدلاً من صبها في جيوب هذه الشركات؟!
ليس معنى هذا أنني ضد بناء المستشفيات الجديدة، أو أننا لسنا بحاجة لبناء مستشفيات جديدة، ولكن ما أقصده أنه يفترض أن هذه هي وظيفة الدولة ومؤسساتها، فالصحة حق وليست سلعة ولا منحة من أحد، ومن حق كل إنسان الحصول على الخدمة الصحية بالمجان، ولجوء الدولة الى التبرعات والزكاة هو اعتراف ضمني منها بالفشل والانحياز لأصحاب الأعمال، كما أقول إنه حتى في حال استسلامنا مرحليًّا لهذا المنطق التكافلي، فلماذا كل هذا الهدر بدلًا من التوظيف الكامل لكل ما لدينا من مبان ومنشآت أولًا؟! وأخيرًا السؤال: ألا يمكن توفير كل هذا الهدر في المساحة والمصروفات والتبرعات لو صارت إدارة المستشفى ذاتية بين الطاقم الطبي والمرضى؟!
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست