قضت سنة الله تعالى في هذه الحياة، أن يكون فيها دائمًا وأبدًا، شيئان متناقضان، متعاكسان، متضادان، متصارعان، متحاربان، لا سلام بينهما على الإطلاق.
ودليل صدقية هذا الكلام، قوله تعالى: (وَلَوْلَا دَفْعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍۢ، لَّفَسَدَتِ ٱلْأَرْضُ، وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلْعَـٰلَمِينَ) البقرة 251
إن ظهور الحياة بلون واحد، وشكل واحد، مستحيل، لأنه يؤدي إلى فسادها، وتصبح كالمستنقع الآسن! لأن المياه تصبح فيه راكدة، متوقفة.
وهو يتنافى مع حكمة الله تعالى، بأن يكون في هذه الدنيا، دائمًا صراع ونزال؛ وقتال واختلاف؛ وتنافس وغزو؛ واحتلال وتسابق إلى السيطرة والهيمنة. إن هذه الدنيا دار ابتلاء واختبار؛ وامتحان وتمحيص؛ وتمييز للصفوف.
وهذا ما عبر عنه الله تعالى في كتابه الكريم حينما قال: (وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ ٱلنَّاسَ أُمَّةًۭ وَ ٰحِدَةًۭ ۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَۚ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمۡۗ) هود 118-119.
الصراع بين البشر أمر واقعي وحقيقي
فالتنازع والاختلاف؛ والصراع بين البشر جميعًا، مقصود لذاته من قبل الخالق، وليس عبثًا؛ ولا عشوائيًا؛ ولا مصادفة! وإنما هو لحكمة عظيمة جليلة، إذ إن الحياة لا تطيب؛ ولا تنتعش إلا بهذا الاختلاف، والتنوع في الأفكار، وفي العقول والمفاهيم، والرؤى.
وهذا تاريخ البشرية، منذ خُلق آدم وإلى اليوم، لهو خير شاهد على وجود هذه الحقيقة الواقعية المتكررة يومياً، حيث بدأ النزاع والصراع والاختلاف بين ابني آدم، مما أدى إلى أن يقتل أحدهما الآخر! كما ورد في القرآن الكريم (وَٱتۡلُ عَلَيۡهِمۡ نَبَأَ ٱبۡنَيۡ ءَادَمَ بِٱلۡحَقِّ إِذۡ قَرَّبَا قُرۡبَانٗا فَتُقُبِّلَ مِنۡ أَحَدِهِمَا وَلَمۡ يُتَقَبَّلۡ مِنَ ٱلۡأٓخَرِ قَالَ لَأَقۡتُلَنَّكَۖ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلۡمُتَّقِينَ) المائدة 27.
ولذلك سيبقى الصراع، والقتال، والنزاع بين الناس إلى أبد الآبدين، وإلى نهاية الدهر، ولن يتوقف لحظة واحدة، ولا طرفة عين واحدة! وسيبقى يدعي كل فريق أنه على الحق المبين، وأنه على الصراط المستقيم! وأنه هو المنتصر يقينًا، والفائز أكيدًا، وأنه هو الغالب المظفر!
بل سيبقى كل فريق يعتقد، ويؤمن إيمانا مطلقًا، بأنه يسير في الطريق الصحيح، وأنه يسعى لتحقيق أهداف سامية، نبيلة، وأنه يقاتل في سبيل قضية محقة، ويعمل لمصلحة الأمة، أو لتحقيق تطلعات الشعب، وأمانيه، وأحلامه، وآماله!
حوافز استمرار الصراع
إن معتقدات كل فريق أنه على الصواب، وعلى الحق المبين، هي المحفز؛ والمنشط؛ والدافع لاستمرار الصراع؛ والقتال، حيث إن كل فريق يأمل في كل لحظة، أن يكون هو الذي سيحسم المعركة لصالحه!
وهذا ما يحصل بالضبط في سورية منذ 10 سنوات، حيث يحتدم الصراع بين النظام الأسدي وأعوانه، وبين الثوار، والأحرار، وكل فريق يعتقد جازما أنه هو المنتصر! وحتى الآن! لم ينتصر أي منهما على الآخر، وكل منهما، يراوح في مكانه، ويسعى جهده، للتغلب على الآخر!
ومن هنا يأتي بطلان، وكذب من يدعي: إنه يعمل على تحقيق السلم العالمي بين الناس، وبين شعوب المنطقة العربية، التي تجيش بعقائد وأفكارٍ متباينة، متشاكسة، متنافرة، متعادية بينها!
فكيف يكون السلم والسلام، والصفاء والإخاء، بين من يعتقد كل فريق، أنه عدو للفريق الآخر، ويستحل دمه، وعرضه، وماله؟! وكيف يكون السلم بين من يحمل كل فريق في جنبات نفسه، حقدًا دفينًا، وكراهية عميقة، تجاه الفريق الآخر؟!
وهنا يطرأ سؤال هام جدًا يقول: من هو الذي سيحدد أن هذا الفريق هو على الحق، وذاك الفريق هو على الباطل؟ هل هو غلبة هذا الفريق على ذاك، يجعله على الحق؟! هل هو كثرة المؤيدين والداعمين لهذا الفريق على ذاك، يصبح هو على الحق؟!
الحقيقة أن الجواب قد يكون بدهيًا، وواضحًا لكل ذي عقل، وبصيرة، خاصة حينما يكون الصراع محتدمًا بين من يؤمن بالله، وبين من يؤمن بالجبت والطاغوت، وبين من يقاتل في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان، ولنيل الحرية والعزة والكرامة البشرية، وبين من يقاتل دفاعا عن الطواغيت، المتجبرين المتكبرين، الساعين لإبقاء الناس عبيدا لهم!
ولكن هذه الحقيقة قد يكون فيها التباس، وغبش حينما يكون الصراع قائمًا بين فريقين يشتركان ببعض المقومات العقدية الواحدة، وهي الإيمان بالله الواحد القهار!
حينئذ يصبح من الصعب، بل من العسير أحيانًا التمييز بين فريق الحق، وفريق الباطل! إلا على الذين أوتوا نصيبًا من العلم، والفهم السليم، والبصيرة الثاقبة!
وهذا الصراع الذي يحدث بين فريقين يجمعهما دين واحد، وعقيدة واحدة، وإيمان واحد، وفكر واحد، هو من أسوأ الصراعات البشرية طراً! إذ أنه يُدمي الفؤاد، ويفتت الكبد، ويُحزن القلب، ويؤجج مشاعر الأسى، والألم في النفس! ويُضعف الأمة؛ ويبدد طاقاتها؛ ويُشمت أعداءها!
وللأسف العميق أن هذا الصراع بين المسلمين، قد نشب منذ الأيام الأولى، في عهد الخليفة علي كرم الله وجهه، واستمر إلى الآن، وسيستمر إلى ما شاء الله، كما سيستمر بين شعوب الأرض قاطبة، إلى أن يرث الله، الأرض ومن عليها!
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست