المتأمل في منطقة الشرق الأوسط والأحداث التي تكاد تكون الأكثر تفاعلاً في العالم، يرى أن المنطقة تعيش في حالة تجمد غريبة، هذا التجمد هو بمثابة صندوق من الجليد يحيط بماء ساخن فيه أسماك متحركة بسرعة كبيرة لكنها ورغم سخونة الماء وقوة الحركة لا تستطيع هدم هذا الجدار الصندوقي الجليدي.
في مقالي هذا نعرض حلات التجمد الثلاث في المنطقة محاولين معرفة الأسباب والتوقعات المستقبلية القريبة في تلك الحالات:
-
تجمد الهبّة الفلسطينية في الضفة الغربية
لا يكاد يخلو يوم من حالة مقاومة من الشباب الفلسطيني في الضفة بكافة الأشكال مثل الدعس والطعن ورمي الحجارة ومواجهات للمحتل الصهيوني في غالبية نقاط التماس، خاصة في الخليل التي تستحق كما قالوا أن تكون عاصمة المقاومة الفلسطينية للعام 2015، لكن هذه الهبة الفلسطينية رغم كل أحداثها إلا أنها إلى الآن لم تتطور إلى مراحل أخرى ولم تشهد عمليات نوعية مختلفة عما بدأت به الهبة قبل 3 شهور تقريبًا، وهذا ما جعلني أصف الحالة بالتجمد، أسباب هذا التجمد هو يتمثل في 3 محاور أساسية:
تخاذل السلطة الفلسطينية ومقاومتها للمقاومة الموجودة حفاظـًا على أهمية بقاء الأمور كما هي من أجل الحفاظ على وجودهم ومصالحهم المرتبطة ببقاء الحالة الهادئة والمسالمة في الضفة الغربية. المحور الآخر هو الاستراتيجية غير التصاعدية التي تتعامل بها القوات الصهيونية الإسرائيلية مع هذه الهبة فهي تحاول عدم التصعيد حتى لا تزيد الأمور تدهورًا لكنهم وبالوقت نفسه يحاولون التقليل من أثر هذه الأشكال من المقاومة لتصدير شعور اليأس في أذهان الشعب الفلسطيني وخاصة الشباب منهم.
المحور الثالث في أسباب حالة تجمد الهبة الفلسطينية هو ضعف دور الفصائل الفلسطينية المقاومة المسلحة في الضفة الغربية والذي لا يستطيع أن ينكره عدو أو صديق، وكما نعلم أن الأعمال الفردية تبقى لها حجمها وتأثيرها المحدود مقارنة بالعمل الجماعي المنظم وأثره الذي يكون بعمليات مخططة لها وذات أثر كبير في تحريك الشارع الفلسطيني وكسر الصندوق الجليدي المحيط بالهبّة.
-
تجمد الانقلاب العسكري المصري
بعد أن رضي العالم بغالبيته بالانقلاب العسكري الذي قام به عبد الفتاح السيسي، بحجة الأمر الواقع والحفاظ على المصالح، توقع الجميع أن يبدأ الانقلاب بفرض جذوره وتوكيد أعمدة بقائه لسنوات طويلة مستقبلية، لكن المتابع الجيد للأمور يرى أن الانقلاب العسكري بدأ في الانكماش بسبب غبائه السياسي والتدهور الاقتصادي الذي تعيش فيه مصر، وبسبب الرافضين للانقلاب الذين يضحون بحياتهم وأموالهم ولم يصبهم اليأس في الوقوف في الشوارع ورفضهم لهذا الانقلاب، هذا الانقلاب وهذه المقاومة له كلاهما يعيشان في الصندوق المتجمد أيضًا، ولكن كيف هذا؟ وما الأسباب التي جعلتنا نصف الحالة بأنها داخل صندوق متجمد؟
السبب الأول بات واضحًا أن الإعلام والقوة العسكرية يمكنها تغيير الأمور لكن لا تستطيع تثبيت ذلك التغيير، ببساطة لأن عوامل التثبيت تكون بالإنجاز وحب الشعب وقوة العلاقات الدولية والإقليمية وهذه الأمور لا تستطيع أن تجدها مع هذا الانقلاب المتغطرس الخائف الغبي، والسبب الثاني هو أن رافضي الانقلاب ما زالوا ليسوا على قلب رجل واحد، ربما يكون ذلك مفتعلاً أو سذاجة منهم، وذلك أنهم أحيانًا يختلفون على أمور ما بعد الانقلاب وينسون الأمر الذي يجب أن يتفقوا عليه الآن هو إسقاط الانقلاب وإعادة الأمر إلى ما قبل 3/ 7 / 2013 ثم بعد ذلك تبدأ الحوارات في كيفية إدارة الدولة وعمل التغييرات الثورية اللازمة.
سبب ثالث هو أن انتصار الثورة المصرية وإسقاط الانقلاب هو بمثابة صعود للقوة المصرية في الإقليم واستعادة لدورها، وهذا ما لا ترغب به دول الإقليم بكافة التنوعات الموجودة؛ فمصلحة دولهم هو بقاء العملاق المصري داخل القمقم الموجود فيه الآن، طبعًا كل ذلك لتجنب كسر الصندوق الجليدي المحيط بالحالة المصرية والذي سيؤدي إلى تغيير معادلات المنطقة من جديد.
-
تجمد الحالة السورية
عندما يخرج وزير الخارجية الأمريكي جون كيري ويطلب من القوات المعارضة السورية أن تتحالف مع قوات بشار لضرب الدولة الإسلامية، ويكون لديه الجرأة في طلب ذلك، هذا الطلب يقودنا إلى شيء واحد وهو حالة “اللّا حل” لأنك عندما تقدم حلاً مستحيل الحدوث فكأنك تضع العصا في الدولاب وتطلب من المركبة بالتحرك، هذا الطلب من “كيري” هو دليل واضح على أن الدول الكبرى العالمية تريد الإبقاء على صندوق الجليد الذي يحيط بالثورة السورية، حيث عدم التراجع أو التقدم رغم أن المياه كما يبدو ساخنة جدًا داخل ذلك الإطار الجليدي، والكائنات المتفاعلة أصبحت في ازدياد، إلا أنه رغم كل تلك الحركات والتفاعلات غير قادرين على الخروج من صندوق التجمد الموجود.
لا يوجد أمر يتغير في سوريا القصف، بأنواعه موجود والدمار يزداد والحصار للمناطق في ازدياد، حتى إن القوى الاقتصادية تتصارع داخل سوريا بالوكالة، الشيء الوحيد الواضح في سوريا هو الطرفان المتخاصمان وهما إيران وروسيا من طرف وتركيا والسعودية وقطر من طرف آخر، أما ما يريده الشعب السوري الذي قدم الغالي والنفيس من أجل تحقيق ثورته والتخلص من النظام الديكتاتوري فهو أمر هامشي غير مهم بالنسبة للدول الكبرى، ولكنه أمر محوري بالنسبة للطرفين المتنازعين.
حالات التجمد الثلاث التي ذكرناها تبدو ظاهريًا أنها متفاعلة وساخنة جدًا، وذلك من النظرة الأولى، أما إذا تأملنا بعمق في تلك الحالات فهي كما هي منذ شهور عدة، وهي في إطار ثلجي يحافظ على الحرارة الموجودة داخله لكنه لا ينكسر.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست
علامات
الأزمة السورية, الانتفاضة, الانقلاب العسكري, الشرق الأوسط, المقاومة, المنطقة العربية, سوريا, عربي, فلسطين, مصر