مآسي رهيبة يشهدها اليمن؛ جراء حروب وصراعات عبثية، إحدى هذه المآسي: (مأساة النازحين)، الذين أجبرتهم الحرب على الفرار، تاركين خلفهم أشياء كثيرة محطمة، بما في ذلك آمالهم في العودة قريبًا إلى ديارهم .. فكارثية الوضع ألقت بثقلها على المواطنين عمومًا، وعلى النازحين بشكل خاص .. ذلك أن الوضع هنا خليط من أزمات متشابكة ومعقدة، تزداد سوءًا وتفاقمًا كل يوم وعلى كافة الصعد.
حياة صعبة هنا
تسببت الحرب في زيادة عدد الفقراء إلى حوالي 80% من السكان، فضلًا عن إسهامها في ارتفاع أسعار السلع بشكل جنوني، ما دفع البعض لاتخاذ تدابير وإجراءات تقشفية، كتقليص عدد الوجبات اليومية، أو كتقليل كمية الغذاء في كل وجبة، خاصة مع انقطاع رواتب موظفي الدولة. أما عن النازحين فإنهم يعيشون حياة أصعب بكثير، لا تُلبى فيها الاحتياجات الأساسية، فضلًا عن الاحتياجات الثانوية، إذ تشير خطة الاستجابة الإنسانية إلى أن ما يقدر بـ 4.5 ملايين شخص يحتاجون إلى الإيواء أو المواد المنزلية الأساسية الضرورية، بما في ذلك النازحين والمجتمعات المضيفة والعائدين الأوليين، حيث يسهم النزوح الناجم عن استمرار النزاع، فضلًا عن حالات العودة الأولية إلى بعض المناطق، في زيادة هذه الاحتياجات. وفي تقرير صادر عن مفوضية اللاجئين أظهر مدى صعوبة الحياة في مناطق النزوح، فالنقص في الطعام، وسوء التغذية، ينتشر في 84% من مواقع النازحين .. وأشار التقرير إلى ممارسات ضارة يلجأ إليها العديد من النازحين؛ للتأقلم مع النزوح، مثل عمالة الأطفال والزواج المبكر .. في ظل غياب فرص كسب العيش والمساعدات غير الكافية. كما أن الندرة الخطيرة في المواد الغذائية وضعف إمكانية الوصول إلى المياه وخدمات الصرف الصحي، والاستنزاف المتزايد للمواد النادرة، كل ذلك أوقع المجتمعات المحلية اليمنية تحت ضغوط هائلة. التقرير أفاد أيضًا عن آراء سلبية حول المساعدات وعن وجود ثغرات كبيرة في تعاون الجهات الفاعلة الإنسانية مع المجتمعات المحلية.
صراع من أجل البقاء
في بعض المناطق يعيش الكثير من الناس في العراء وسط ظروف قاسية، دون الحصول على المأوى الملائم والحماية والمساعدة المادية .. وفي مناطق أخرى يلجأ بعض النازحين إلى الأرصفة، بينما يتجه الآخرون الأكثر تعرضُا للخطر إلى استراتيجيات تكيف سلبية، ليتمكنوا من البقاء على قيد الحياة، بما في ذلك التسول وعمالة الأطفال، طبقاً لتصريح المتحدث باسم مفوضية اللاجئين ويليام سبيندلر.
لم يبالغ ممثّل مفوضية اللاجئين أيمن غرايبة، عندما وصف الوضع في اليمن بأنه تخطى حدود أية كارثة إنسانية سبق لنا أن شهدناها .. فالوضع هنا بمثابة صراع للبقاء على قيد الحياة بشكل أساسي.
مسؤولية أطراف الصراع
كل هذا، ولايزال أطراف الصراع غير مدركين للمآل الكارثي الذي أوصلونا إليه، وغير مكترثين بمعاناتنا اليومية، وسلبية الوضع الذي لم نعد نطيقه .. كلٌ يلقي باللائمة على الآخر، في تهرُّب واضح من تحمّل التبعات.
نامل من الأطراف أن يغيروا طريقة تفكيرهم وتعاطيهم مع الحرب، أن يبادروا – وبإرادة صادقة – لإعفائنا من دفعنا المستمر لفاتورة الحرب .. نأمل ذلك.
مسؤولية المجتمع الدولي
يقف المجتمع الدولي موقف المتفرج على المآسي الحاصلة، دونما تحرك جاد، أو اتخاذ إجراءات إيجابية تخدم اليمن، وهو ما نريد، وليس مجرد إصدار خطابات إدانة والإعراب عن حالة القلق مما يحدث.
يتحمل المجتمع الدولي مسؤولية القيام بدور فعال في الضغط على الأطراف، لوضع حد لهذا العبث .. وعلى الصعيد الإنساني من المفترض أن يقوم بدور أكثر جدية في تفعيل خطة الاستجابة الإنسانية .. والوفاء بتعهداته والتزاماته، فالأمر هنا لا يتعلق بتقاسم العبء، بل إنه يتعلق بتقاسم المسؤولية العالمية، ليس فقط استنادًا إلى إنسانيتنا المشتركة كمفهوم عام، وإنما أيضًا إلى الالتزامات المحددة بدقة في القانون الدولي بتعبير الأمين العام للأمم المتحدة.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست