هناك بعض الروايات التي تقول إن التابعي موسى بن نصير، الذي كان واليًا على إفريقية في ذلك الوقت، ضحى بطارق بن زياد وأرسله لفتح الأندلس، وكأنه فأر تجارب، ويصور هذا طارق بن زياد على أنه أحمق ساذج يُستغل ببساطة، والحقيقة أن طارق كان داهية ومقاتلًا شجاعًا ومتحدثًا فصيحًا، وتقيًّا ورعًا ومحبوبًا لدى البربر؛ ولذلك قربه موسى بن نصير لخصاله، وأصبح قائد جيشه.
تذكر بعض الروايات التاريخية أن طارق بن زياد أحرق السفن بعد عبور جيشه نحو الأندلس، وذلك لدفع جنوده إلى الاستماتة في القتال وعدم التراجع لاستحالة العودة. وهذا دليل على أنه مستقل بقراره بالفتح.
طارق بن زياد كان بربري الأصل وكان طويلًا، ضخم الهامة، وسيمًا أشقر اللون، واسمه الكامل: طارق بن زياد بن عبد الله بن لغو بن ورقجوم بن نير عغسن بن ولهاص بن يطوفث بن نفزاو.
كان موسى بن نصير يتوق إلى فتح الأندلس، وكان عامله على طنجة هو طارق بن زياد الذي كان يتطلع أيضًا لفتح الأندلس، وبينما كان موسى يرقب الفرص لتحقيق هذه الأمنية، إذ جاءته رسالة من «يوليان» يعرض فيها تسليم معقله «سبتة»، ويدعوه إلى فتح إسبانيا، وكان هدف يوليان الرومي الانتقام من الملك لذريق الذي اعتدى على ابنته، وكذلك الوفاء لغيطشة، صديقه الوفي الملك السابق قبل لذريق.
راسل موسى الخليفة الوليد بن عبد الملك يخبره بأمر هذا المشروع، فرد إليه الوليد بأن يختبرها بالسرايا، وأن لا يغرر بالمسلمين، فبعث سرية على رأسها رجل بربري يدعى طريفًا، وأصاب سبايا ومالًا كثيرًا ورجع سالمًا.
ثم جهز موسى جيشًا من العرب والبربر يبلغ 7 آلاف مقاتل بقيادة طارق بن زياد الليثي، فعبر البحر من سبتة بجيشه على متن سفن الملك يوليان، ونزل بالبقعة التي سميت باسمه اليوم «جبل طارق»، وتوالت انتصارات طارق وفتوحاته، وسيطر على المجاز إلى الأندلس، فزحف الملك لذريق لصد المسلمين، فكتب طارق إلى موسى أن لذريق جاءه بجيش عظيم لا قبل له به، فأرسل له موسى مددًا من 5 آلاف من المسلمين، وعلى رأسهم طريف، وأصبح جيش طارق 12 ألفًا. وانتصر فيها طارق بعد ثمانية أيام من القتال وانتهت بهزيمة القوط هزيمة ساحقة.
وبدأ طارق بجني ثمار جهده وانتصاره، فاستمر في فتح المدن الواحدة تلو الأخرى، وفرق جيشه فبعث جزءًا إلى قرطبة، وبعث جزءًا آخر إلى مالقة، وجيشًا آخر إلى البيرة، أما هو فسار بالبقية إلى طليلطة.
لقد تغلغل طارق تغلغلًا عميقًا في أنحاء الأندلس، بشكل لا يتناسب مع ما لديه من قوات، وهذا ما دفع طارقًا إلى طلب الغوث، فركب موسى وجيشه الذي تعداده 18 ألفًا البحر والتحق بطارق.
وعندما التقى موسى بطارق عاتبه على مخالفته لرأيه وخاطر بقواته، فاعتذر طارق واستلطفه حتى رضي عنه موسى.
ثم أكمل موسى وطارق السير في فتح البلاد، ووقعت معركة أخرى حاسمة قتل فيها الملك لذريق. وبعد أن سمع الوليد بن الملك بتلك الفتوحات أرسل رسولًا إلى موسى يأمره بالتوقف عن التوسع في البلاد فذلك خطر. فاستلطف موسى الرسول وطلب منه إمهاله قليلًا؛ لأنه أصر على إكمال المسير وسار بجيشه حتى وصل البحر المحيط فاطمأن إلى أنه فتح شبه الجزيرة كلها، ولما انتهى موسى في فتوحه إلى هذا الحد القصي، شعر بأنه لم تعد هناك حاجة للاسترسال في الفتح.
وقفل موسى عائدًا واختار إشبيلية عاصمة للأندلس، فركب البحر مع طارق بن زياد حتى وصلا الشام. لقد كان طموح موسى في التوسع بالفتح، سببًا واضحًا لاستدعائه إلى دار دمشق، وعزله عن ولاية إفريقية والأندلس، وهناك سبب آخر وهو أن خصوم موسى دسوا عليه عند الخلفاء أنه يفكر بالاستقلال عن الخلافة، وكان موسى بوسعه فعلًا أن يستقل عن الخلافة، ولكن إيمانه العميق بتعاليم الإسلام وتمسكه والتزامه بها جعله لا يفكر بذلك.
وهكذا عُزل موسى بن نصير، بينما دخل طارق بن زياد مرحلة نسيان كبير، حيث غادر سجلات التاريخ في هذه المرحلة، ولم يعد يظهر له أثر، وتضاربت الأخبار بين قتله ونفيه، وبين القول إنه تحول إلى رجل فقير وتائه في دروب الشام، إلى أن توفي.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

المصادر

عرض التعليقات
تحميل المزيد