“يوم الجمعة اللي فاتت فتحنا الصفحة دي، يوم الثلاثاء محمد من إسكندرية بعت اقتراحه وأعلناه، يوم الجمعة بقي فيه أكثر من 100 ألف شخص علي الجروب ونزل آلاف الشباب في القاهرة وإسكندرية مطبقين فكرة أول مرة تتعمل في مصر، يبقي نقدر نعمل أي حاجة ولا مانقدرش؟”
557 likes 206 comments
وائل غنيم – الثورة 2.0
كما قلنا في المقال السابق من العبث محاولة حصر تأثير الإنترنت في مختلف المجالات في مقالة أو حتى عدة مقالات، للمهتمين يمكنكم قراءة The Handbook of internet studies وهو كتاب في حدود الخمسمائة صفحة يجمع دراسات عن تأثير الإنترنت على المجتمع والسياسة والصحة والثقافة.. إلخ، ولكن يمكننا مناقشة آليتين أضافهم العالم الافتراضي للتأثير والتغيير الضخم بشكل عام وهما زيادة الوعي بما يدور من حولنا والتفكير الجمعي.
في حديث ألقاه clayShirky بعنوان “كيف تستطيع السوشيال ميديا صنع التاريخ” تكلم عن ميزة العالم الافتراضي على أي ميديا أخرى منذ اختراع الطباعة مرورًا بالهاتف وانتهاء بالتلفاز، كانت كل الأوساط الإعلامية قديمًا تهتم إما بالتواصل بين فرد وفرد بالمحادثات، كالهاتف، أو فرد وسلطة تخاطب كثيرين لتكون مجموعات كالتلفاز، لم يحدث تواصل حقيقي بين الأفراد، وكانت المعضلة أن الوسط الذي يشجع المحادثات لا يصلح لتكوين مجموعات والعكس، ثم ظهر الإنترنت ليحدث أخيرًا التواصل بين المجموعات كما لو أنه أذاب كل الأوساط الأخرى بداخله وبعضها ليحل المعضلة ويحدث ثورات في مختلف المجالات.
1. أنت الإعلام البديل
كمصريين تابعنا انتخابات البرلمان سنة 2010 وسط مقاطعة البرادعي وإقبال الإخوان المسلمين وحزب الوفد، ولكن الانتخابات في تلك السنة أتت مختلفة تمامًا فقد كانت التوقعات أن الانتخابات ستزور ولكن ما لم يكن متوقع هو ظهور إعلام بديل للإعلام التقليدي عن طريق الفيسبوك، دشن عدد من النشطاء حملة “رصد برلمان 2010” تحت شعار “إعلام يصنع الجمهور” وكانت الفكرة ببساطة الاعتماد على الصحافة الشعبية، وأن كل من شارك في لجنته يرسل أخبارها وصورها للشبكة، وتقوم الشبكة بنشرها بجانب مراسليها المتطوعين، جذبت الصفحة 40 ألف متابع قبل بداية الانتخابات، ضخامة التعاون والمشاركة كانت مفاجأة.
فقد شارك كل مهتم يمتلك فقط هاتفـًا واشتراكـًا بالإنترنت ليتم توثيق أكبر عملية تزوير في العشرين سنة السابقة بمساعدة المتابعين والصفحات أخرى ككلنا خالد سعيد التي جمعت كل الصور والفيديوهات في ملف ضخم تحت مسمى “الملف الأسود للانتخابات المصرية”، وكانت هذه بداية شبكة رصد المعروفة وبداية الاستهجان الشعبي الذي ساهم في انسحاب الإخوان والوفد في الجولة الثانية للانتخابات، كما كانت بداية الصحافة الشعبية التي واكبت ثورات العالم العربي كشبكة برق الليبية وشام السورية.
أسست شبكات التواصل الاجتماعي لوعي أعلى بما يدور من حولنا، وكأنك تدركه حتى وأنت جالس في بيتك، كأنك موجود بالمساهمات الضخمة من أخبار عاجله وصور وفيديوهات من آلاف المستخدمين المواكبين للحدث، وهو ما لاحظه أي مصري تابع أحداث 25 يناير جالسًا في بيته دون أن تتعرض الأحداث لمقص رقابة السلطة والإعلام الخاضع لها.
الأمر بالطبع لا يقتصر فقط على السياسة، يوجد الآن أكثر من مليون مستخدم يومي لتطبيق “بيقولك” الذي يصفه صانعوه أنه ببساطة “بيقولّك هي خدمة لتبادل المعلومات عن حالة الطرق والمحاور الرئيسية. ونجاح الخدمة معتمد طبعًا على كل المشتركين ومقدار مشاركتهم بالمعلومات عن ظروف الطرق اللي بيواجهوها”، وبالطبع لا يقتصر الأمر على المعلومات الإخبارية البسيطة بل تزداد المعلومات تشابكـًا بوجودالتعليقات والمنتديات ومنصات التعلم عن بعد الإلكترونية، تستطيع الآن الالتحاق بصفوف أرقى الجامعات لدراسة العلوم المختلفة، أو ببساطة تعلم أي شيء بمشاهدتك لفيديوهات من اليوتيوب ومناقشة عقول مختلفة من أدنى لأقصى أطراف الأرض، يمهد تداول هذا الكم من المعلومات للتعليق والنقاشات ولا تمر النقاشات بدون عصف ذهني للآلاف مما يمهد للآلية الثانية.
2. شارلوك هولمز عملاق!
قد لا يدرك الكثيرون ممن لم يقرأوا كتاب وائل غنيم “الثورة 2.0” عبقرية إدارة وائل غنيم لصفحة كلنا خالد سعيد قبل الثورة، حيث اعتمد في أفكار الصفحة وتطوريها بشكل أساسي على العالم الافتراضي ومستخدميه مطلقـًا العنان لذكاء المتابعين الجمعي بحثهم على المشاركة بأفكارهم للتظاهرات والتغيير وتقييم المتابعين للأفكار وتطويرها، في أول حدث للصفحة على أرض الواقع كانت إحدى المعضلات ببساطة كيف يتم تنظيم حدث يعترض على ممارسات النظام دون أن يكون مظاهرة تنفر المتابعين من المشاركة وتبرر للنظام التدخل لمحاصرة عددهم الضئيل واعتقال المنظمين للحدث حتى أتى أحد المتابعين بفكرة بسيطة، وهي تنظيم وقفة صامتة بطول كورنيش البحر،وهي عمل فردي بحت بلا قادة ولا مسوغ قانوني لاعتقال المشاركين، حتى في وجود قانون الطوارئ، ناهيك عن صعوبة سيطرة الأمن على الكورنيش بطوله.
بعد عرض وائل غنيم للفكرة توالت الاقتراحات لتطوير الفكرة بارتداء ملابس سوداء،وقراءة القرآن حدادًا على روح خالد سعيد، وكل شهداء التعذيب في السجون المصرية، ومشاركة مئات المتابعين بتصميمات وفيديوهات دعائية للوقفة، وبمساعدة الوقفة بالتواصل مع والدة خالد سعيد لحضور الوقفة، بدأت الفكرة البسيطة تتخذ على مدى يومين شكلاً أكثر تعقيدًا وعبقرية بمشاركة الأعضاء وشلّت النظام المصري تمامًا، وامتدت سلسة من 8 آلاف مشارك على طول كورنيش النيل،ونصف كيلو من كورنيش الإسكندرية، وهكذا بدأ التفكير بشكل جمعي على صفحة في الفيسبوك قهر نظام ومفاجأته على مدى سنتين لم تفكر أحزاب المعارضةفي معارضته على الأرض لسنوات.
يصف الكاتب “Clive Thompson” العالم الافتراضي بعالم جائع لحل المعضلات، عبر فضاء العالم الافتراضي لديك مئات الآلاف من المفكرين يتجمعون لحل معضلة ما، لا يمكن التفكير فيهم كقطعان غبية، ولكن منظمة من النمل، ولكن كشارلوك هولمز عملاق! قد يجادل بعضهم في التقليل من أهمية تفكير الجموع ولكن “حكمة الجموع” ظاهرة علمية حقيقة لوحظت أول مرة سنة 1906 على يد العالم البريطاني فرانسيس جالتون أثناء زيارته لمعرض ينظم مسابقة لتخمين وزن ثور، شارك 8 آلاف شخص وظن العالم أن تخمين الجموع في المتوسط سيكون بعيدًا جداً عن الحقيقة، ولكن التخمين في المتوسط جاء 1197 رطل، أي بفارق رطل واحد على الوزن الحقيقي! كان تخمينـًا يفوق تخمين أي خبير.
التفكير الجمعي عبر فضاء العالم الافتراضي يختلف كليًّا عن تفكير المجموعات، في البداية الأعداد التي تشارك في حل المعضلات مهولة، كما أنها لا تتعرض لمشاكل التواصل وجهًا لوجه من تحيزات القرارات النهائية والسيطرة على مجريات الحوار بإقصاء الانطوائيين وبالتالي أفكارهم، ونسيان أفكارك الخاصة وفقدانها لتماسكها بينما يتشتت ذهنكفي مراقبة ومناقشة الأفكار الأخرىالمعروضة.
3. خاتمة
وهكذا يمكن لنا أن نرى ببساطة أن بعض مساوئ هذا الاتصال الجديد والمذهل بين المجموعات مثل الهويات الخفية وصعوبة الرقابة هي أعراض بحتة لهذا العالم، ويمكن أن تستخدم في عالم محاصر كعالمنا كما استخدمها وائل غنيم ومئات النشطاء والمتابعون للتغيير في طريقة تفكير مئات الآلاف، وبالتالي رؤية ذلك التغيير على أرض الواقع.
ربما نناقش السلبيات بالتفصيل في مقالة أخرى فيما بعد، ولكننا نصل الآنلنهاية رحلة من ثلاثة أجزاء مرهقة، ولكن موجزة جدًّا عن شبكات التواصل الاجتماعي، لا يمكن بحال من الأحوال تجاهل إيجابيات ذلك العالم، كما لا يمكن الهروب من عالم جديد من التواصل والمتعة والإبداع يشكل الحاضر ويصنع المستقبل، أثناء بحثي وقراءتي عن ذلك العالم صدمت بحجم القصص التي قرأتها وعبقريتها، ويمكن أن يكتفي القارئ بالقراءة هنا، ولكن للمهتمين ألحقت بعض القصص والمشاهدات الممتعة، شاركت شخصيًّا في صنع واحدة من تلك القصص.
فقد كنت منذ ست سنوات في أيام دراستي بالكلية أنظم (جروب) للدفعة للدراسة وتبادل الأفكار لتطوير الجروب وملازم للدراسة حتى بدأنا في السنة التالية في تنظيم أول وأكبر إضراب للبرامج المتخصصة في هندسة الإسكندرية عبر صفحة لنا علىالفيسبوك، وبعد نجاحه ارتفع نجم المنظم الرئيسي للحدث ليتوج رئيسًا لاتحاد الطلاب في السنة التالية، ويبدأ رحلة تغيير أخرى شاقة وطويلة، كانت مراقبة الأمر ساحرة، ولا تسعفني الكلمات للتعبير عنها حتى في ثلاثة مقالات أخرى، تبهرني فكرة الاحتمالات والفرص التي يخبئها لنا هذا العالم.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست