أقول له مازحة, أتيت العالم لحظة فورانه, ثورات وانقلابات وحروب، أخذت من زمنك الكثير فلا تكاد تهدأ حركتك، يستمع إليّ بعينين تملؤهما “الشقاوة” وابتسامة تغلّف حديثًا غير مفهوم لطفل لم يُكمل بعد عامه الأول!
يأخذني تفكيري أحيانًا, هل يستحق الأمر, هل كان عليّ أن آتي به إلى أتون الحياة المستعر؟ حيث الأفق غائما, والقبح يقتات من كل جمال فيه, ومشاهد الحياة يغالبها البؤس, أينما تدور فـلكَ أهل يكابدون المعاناة, نعيش في عالم لا يمكنك توقع الأسوء فيه، أهناك ما هو أكثر بؤسا من عجز خيالنا عن توقع الأسوء؟!
تقاطعني ضحكة من ثغر صغيري تجهل ما أفكر فيه, يملؤني شعور راضٍ بأن الأمر يستحق، يستحق الأكثر أيضا!
أنانيون, تقول صديقتي, هؤلاء الذين استجابوا في لحظة غرور ما إلى المغامرة بخوض غمار الحياة على كاهلهم طفل, يكفي ما في الحياة من ثِقل, أيحتاج العالم لمزيد من الآيسين, التائهين! أم نحتاج إلى المزيد من الرهق لم نختبره بعد!
تهربون, تهربون من إخفاقاتكم, المجال العام الذي اختنق بكم, خيبات أحلامكم, تهربون إليهم, حتى هذا الاهتمام المُتَكلف بقواعد التربية ونظم التعليم “اهتمام أداتي” تنقصه الروح, فقد ذهبت أرواحكم مع أحلامكم المبتورة يا صديقتي.. فلا تكابروا!
لا نكابر يا صديقتي, ولا أنكر قولك والأكثر منه, أتظنين أن خوفا من هذا لم يحترق في عقولنا, لم يأخذ من قلوبنا!
ما نفعله أننا “نقاوم”، نحاول إثبات إمكانية وجود “حياة كـالحياة”.. أنتِ لا تعلمين معنى أن يكون لديك طفل ويمر على شريط يومك صورة “الطفل إيليا” الغارق بحذائه.. للصورة ألم, ولقلب الأمومة ألم آخر.
أنتِ لم تختبري أن يمر على مسمعك خبر قصف مجنون أودى بحياة المئات, فلا يستقر في مخيلتك من بينهم سوى وجه طفل خائف لا تعرفينه, لم ترصده عدسة المصور لكن خيالك رسمه أوضح ما يكون.
نقاوم عبث أن تجتهدي في بناء صرحك, طفلك, تكابدين كل تعب, ليكون البنيان كأحسن ما تتمنين, ثم يأتي مجرم ليقول بأنّ قتله أولى، نحن –واسمحى لي ادعاءً أن أتحدث جمعًا– لا نغفل عن جنون الموت المتراقص, ولا تأخذنا سذاجة الأمل الكذوب, بل ربما نحمل من الخوف قدر ما نحمل من الرجاء, لكنه ربما تمنى بأن يكون *”بين الطلقةِ, والطلقة.. ثمة متسع للحلمِ”
أن تكوني أمًا, يعني حساسية أعلى للألم, للدهشة والغضب, للحزن والفرح, ثمة حياة تُخلق هنا, حياة موازية جوهرها العطاء, نحن أحوج ما نكون لها, فلا معنى للاستمرار في عيش الممات, ولا معنى للاستسلام للقبح المنتصر في جولتنا, فالحياة على كل حالاتنا تمضي, وأعمارنا فيها مكتوبة, فما المعنى بالاستمرار دون محاولة نفخ الروح فيها!
أن تكوني أمًا, يعني سعيا للكمالِ من أجل تلك الأكف الصغيرة المتعلقة بأهدابك.. لا تبلغينه نعم, لكنكِ حينما تستظلين بما مضى من عمرك, ولا يبقى فيه مثل ما رحل, ستدركين أنه حين صرتِ أمًا كان عليك أن تكوني أفضل.
يا صديقتي, هل يسعنا إذا خذلنا أحلامنا أو خذلتنا أن نراضي أنفسنا بفرصة أخرى للمحاولة, أن نجدد في الدنيا معاني الرحمة والتضحية والعطاء, التي هي في أصلها معاني الأمومة!
يا صديقتي دعينا نقاوم, لأن وجود قلب الأمومة حيًّا هو قولٌ باحتمال أن يكون العالم مكانا أفضل يمكننا العيش فيه.. أنا وأنتِ!
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست