منذ سبعة وأربعين عامًا، وفي التاسعة من صباح يوم الثامن من أبريل عام ١٩٧٠، قصفت طائرات الفانتوم الأمريكية التابعة للجيش الإسرائيلي مدرسة بحر البقر الابتدائية بالشرقية، خلال وجود الأطفال بالمدرسة، سقط على إثر القصف ٣٠ طفلاً، وتحولت المدرسة التي تتكون من طابق واحد إلى حطام في مذبحة صنفت من أبشع جرائم التاريخ واهتز لها العالم أجمع، وأمام هذا الغضب العارم ادعى وزير الدفاع الإسرائيلي وقتها موشي ديان أن المدرسة كانت قاعدة عسكرية، وأن المصريين يضعون الأطفال فيها للتمويه».

‎ كما قام «يوسف تكواه» مندوب إسرائيل في الأمم المتحدة، بالرد برسالة للمنظمة الدولية، كتب فيها «تلاميذ المدرسة الابتدائية كانوا يرتدون الزي الكاكي اللون، وكانوا يتلقون التدريب العسكري»، وصرح راديو إسرائيل عن الضحايا «أنهم كانوا أعضاء في منظمة تخريبية عسكرية».

‎ومنذ أربعة أيام وتحديدًا في الثامنة من صباح ‎يوم الرابع من إبريل ٢٠١٧ وبالتزامن مع ذكرى مجزرة بحر البقر خرج سرب طائرات من نوع سوخوي» من مطار الشعيرات السوري، ليشنّ هجومًا بالأسلحة الكيميائية والغازات السامة على مدينة خان شيخون بريف إدلب.

‎ليسفر الهجوم عن مجزرة أخرى نتج عنها مقتل 100 مدنيّ بينهم 30طفلًا وامرأة، قُتلوا على الفور نتيجة استنشاق غاز السارين السام بينما فارق البقية الحياة بعد عدة دقائق من وصولهم للمستشفيات التي لم تسلم أيضًا، فقد تعرض المستشفى الذي نقل إليه ضحايا الكيمياوي للقصف ما ألحق به دمارًا كبيرًا.

‎ما أشبه اليوم بالأمس

‎على المستوى العالمي تباينت ردود الأفعال العالمية كل حسب المصالح التي تحكمه؛ فالاتحاد السوفيتي وقتها أدان الحادث ووصفه «بالرد العاجز» قائلاً «عندما أرادت إسرائيل اختيار حق الرد فلم تعارك جيشًا بل ذهبت للانتقام من أطفال مدرسة».

وبما أن التاريخ يعيد نفسه، فقد عكست الأدوار في المذبحة الثانية وأدانت أمريكا الحادث وبررت روسيا -الداعم الأكبر لنظام بشار- المذبحة قائلة إن القوات الجوية السورية قصفت مستودعًا للذخيرة تابعًا لـ«الإرهابيين» في خان شيخون بريف إدلب شمالي سوريا، يحتوي على أسلحة كيماوية وصلت من العراق.

وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية إيغور كوناشينكوف: «وفقًا لوسائل الرصد الجوية الروسية، قصفت القوات الجوية السورية مستودعًا ضخمًا للذخيرة تابعًا للإرهابيين في الأطراف الشرقية لبلدة خان شيخون بريف إدلب، وكان المستودع يحوي ذخيرة ومعدات، فضلاً عن العثور على مصنع محلي لإنتاج قنابل محشوة بمواد سامة».

والولايات المتحدة لا يهمها بالأساس سوى مصالحها، وتتخذ من حقوق الإنسان ذريعة لها لتتدخل مباشرة في شئون الحكومات الأخرى، ويظهر ذلك جليًا إذا ما قارنا بين رد فعلها في المجزرتين فنجدها في الجريمة الأولى تصف الهجوم الإسرائيلي على مدرسة «بحر البقر» بـ«الأنباء المفزعة» فقط لا غير، ولا عجب؛ فهي التي زودت الجيش الإسرائيلي بطائرات الفانتوم التي قصفت المدرسة، بينما على النقيض انتفضت للمجزرة الثانية ووصفت ما حدث بأنه «إهانة للإنسانية» ثم لم تكتف بالتعليق فقط، بل قامت بقصف سوريا بـ٥٩ صاروخًا، لندخل بذلك إلى نفق معتم جديد وصفحة جديدة من الخراب تضاف إلى صفحات تاريخ سوريا الحزين.

‎ إيه رأيك يا شعب يا عربي؟

‎إيه رأيك يا شعب الأحرار؟

‎دم الأطفال جايلك يجري

‎يقول انتقموا من الأشرار

‎صلاح جاهين

‎المجزرتان على اختلاف ظروفهما انتفض لهما‎ الضمير الإنساني حزنًا على قتل البراءة، خاصة وأن أغلب الضحايا دائمًا أطفال، وسواء اختلفت الأسماء والأماكن فنحن أمة واحدة وعدونا واحد، أيها المجتمع العربي الجريح كفانا شجبًا وتنديدًا وتهديدًا لا يأتون بنتيجة، كفانا اختلافًا وانشقاقًا، لقد أصبحنا أداة في يد الولايات المتحدة تحركها كيف تشاء، وأصبحت أراضينا ساحة لحروبهم وأطفالنا هم الضحية، لقد استباحوا سوريا فأصبحت جرحًا غائرًا في قلب الأمة ما زال ينزف، ووصمة عار فوق جبين العرب.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

تحميل المزيد