خرج علينا الفنان محمد صبحي بتصريحات استفزازية منذ عدة أيام يهاجم فيها الشباب المصري الحالم بالتغيير والوصول للأفضل في حاضره ومستقبله، بسبب شعوره بالعيش وسط حياة مليئة بالظلم، موجهًا له سؤالًا استنكاريًا عما قدمه هؤلاء الشباب لمصر حتى يغضب منها ومن معاناته من العيش فيها.
التصريحات التي خرجت من صبحي جاءت في إطار ندوة عقدت في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة حيث خرج ليقول نصًا: “لو أنت زعلان من مصر، أنت عندك كام سنة 20 أو 22 هقولك إديت إيه لمصر علشان تزعل منها” في إشارة لعدم إعجابه من الغضب الذي يطال الشباب من الظلم والقهر والموت الذي يملأ أرجاء المحروسة.
لن أعيد توجيه السؤال لصبحي مرة أخرى لأنه قبل حلول عامه العشرين كانت قد حلت بمصر نكسة 1967، ودخلت مصر في دوامة الهزيمة والضياع لجيل من الشباب حلم بالتغير والوصول للأفضل وسط كم من الأحلام في هذه الفترة رغم كَم كبت الحريات التي مارسها عهد عبد الناصر.
صبحي الذي جسد دور “حلمي” في فيلم “الكرنك”، وهو دور الشاب والطالب الجامعي الثائر، والذي كان يحلم قبل النكسة بعهد يسوده الحريات الاجتماعية والاقتصادية والوصول للعدل في عهد عبد الناصر مما عرضه للاعتقال بسبب آرائه وتعذيبه حتى الموت؛ خرج علينا ليرفض الحديث عن رفضه للغضب من تكرار تعذيب “حلمي” مرة أخرى حتى الوفاة وإهدار كرامته، وانتهاك جسد وشرف صديقته “زينب” وتحطيم آمال صديقه “إسماعيل”.
الفنان الذي تربى على مسلسله “يوميات ونيس” العديد من جيل الثمانينات والتسعينات يرفض الغضب من إهدار الكرامة، وكأنه يقول لنا أن ما مثله في فيلم الكرنك كان على غير اقتناع رغم أنه ظل يردد في آذاننا أن كل دور قام به يعبر عنه وعن رسالة يريد توصيلها إلا أن تصريحاته جاءت لتعكس حقيقة أنه لم يكن مقتنعًا بأعماله بل هي من أجل التواجد على الساحة.
الأستاذ خرج علينا ليؤكد أنه ليس “حلمي” الثائر في فيلم الكرنك بل هو المخرج المستبد الديكتاتور في مسرحيته “كارمن”، المخرج الذي يرفض كافة الآراء الرافضة لرأيه وتعبر – ولو بالإشارة – عن رفض سياسته وطريقة تعامله مع فرقته المسرحية حتى حينما تمردت عليه “كريمة” بطلة فرقته ورفضت سياسته قتلها.
صبحي أكد أنه ليس حلمي الكرنك بل هو صفوت الضابط الذي عذبه وقتله في النهاية لأنه فشل في تجسيد دوره، ظل محتفظًا باحتقاره لحلمي ولثورته على الظلم السياسي وعدم وجود حريات، وخرج ليهاجمه بعد أربعين عامًا كاملة، وكأنه يوجه له رسالة ماذا قدمت لمصر حتى تغضب منها.
والآن أرد على الفنان العظيم عما يريد أن يعرفه؛ ماذا قدم هؤلاء الشباب لمصر؟ فهم وهبوها الأمل في التغير للأفضل، وهو ما تعلموه من مسلسلك يا ونيس أيها الأب الفاضل الذي زرع في أبنائه حب الخير ورفض الظلم وحب العدل، ذلك الأب الذي تفاخرت به يا سيدي الفاضل الذي غضب من أبنائه لأنهم تلوثوا بداء العصر من نفاق وسرقة ورياء.
وهبوها يا سيدي الفاضل أرواحهم ودماءهم وأعمارهم، وهبوها شهداءً زملاء لهم وأصدقاء طفولتهم ومستقبلهم وعمرهم كلهم، كل هذا وهبوه لمصر رغم أنهم لم يجدوا منها قبل ما وهبوه وبعدها إلا كل نكران وإهانة وتهميش وتحقير لهم.
سيدي، الشاب الغاضب على حد وصفك من مصر، لديه أم صديق شهيد أو مصاب أو معتقل تم تدمير مستقبله بسبب سياسة حكومة فاشية لا تريد الصلاح لمصر على مدار التاريخ ترغب في التسلط والسيطرة على مصر دون صناعة مستقبل.
أقول لك سيدي الفاضل، نعم جيلنا لا يملك الثقافة المصطنعة التي ملكها جيلكم ولا حتى التعليم المجاني السليم الذي تمتعت به، ولا حتى مستشفيات للعلاج، هذا بالإضافة لمستقبل مضمون ماديًا كما تمتع به جيلك الذي توفرت له أغلب الاحتياجات الاقتصادية فصرت النجم البارز والفنان المثقف كما تدعي.
يا سيدي، جيلنا الذي لا يجب أن يغضب، كما تقول لم يعط لمصر شيئًا، لم تتوفر له رعاية صحية أو تعليم سليم أو ترفيه ورحلات للأماكن السياحية بسعر مناسب وبمرشد سياحي واعٍ، أو حتى حق في السكن مع تخلي الدولة عن دورها في كل هذا وترك جيلنا تلاطمه أمواج الجهل والفساد، رغم كل هذا صمدنا.
رغم كل هذا يا سيدي، منحنا مصر الأمل في المستقبل وحاربنا من أجل مواجهة الفساد المتجذر في مؤسسات الدولة وأصبح ملازمًا لها، قدمنا لها وللأجيال القادمة محاولة لمستقبل أفضل منا، قدمنا محاولة للتغيير والوصول لدولة يرغب أن يعيش فيها الإنسان السوي الخالي من أمراض الفساد والديكتاتورية.
وسط كل هذا، كان رد سلطة مصر علينا، فبعد أن حرمتنا من علم سليم وصحة وخلافه، وعند محاولة التغيير لمستقبل أفضل لأجيال قادمة وجدنا الرد بقتل وسحل وإصابة أعين واعتقال في رفض لهم لأي محاولة تغيير، كان رد مصر لمحاولة جعلها في أبهى صورة لها وتضاهي البلدان المتحضرة هو الحرمان من حق الحياة.
سيدي، هل تعلم كَمّ الغضب في صدور الشباب يأتي من أين؟ أقول لك أنه تضحيات أصدقاء عمرهم القادم جاءت دون فائدة أو تحقيق حلمهم. نعم سيدي هو إحساس بالعجز فالشهيد يموت ويخلف وراءه حلمًا وثأرًا لحقه، فنحن كشباب فشلنا في تحقيق حلمه وسط محاربة سلطة ونظام ظالم معتمدًا على أشباه مثقفين دائمًا يهمشون دور الشباب، هذا بالنسبة للحلم الذي مات من أجله الشهيد، أما عن الثأر فلا تسأل عنه في بلاد لا تعرف عن العدل سوى وزارة تمارس بين جبناته أفعال الظلم وبرّأت القتلة والفاسدين، وحبست المتظاهرين من أجل الحقوق 15 عامًا.
كل منا يا عزيزي ممن تصفهم بعدم العطاء منحوا مصر أكثر مما منحته أنت طوال سبعين عامًا هي عمرك، الذي لو منحت نصف ما منحه الشباب الذي تسخر منهم وتعاتبهم ما كانت مصر وصلت لما وصلت إليه من فساد أنت ساهمت به بخمسة جنيهات كنت تمنحها لعسكري المرور ليركن لك عربتك حسب تصريحاتك في الندوة ذاتها، أو بابتعادك وتركك المجال لفن هابط يدنس حياتنا أو غيره من الأزمات تسببت فيها أنت وجيلك بالكامل.
عزيزي الفنان محمد صبحي، إن الشباب الذين تسخر منهم مروا بكافة الخبرات الحياتية وعايشوا كل الأزمات التي لم تعاصرها أنت فقضوا حياتهم بين جنبات المستشفيات والمشرحة والمقابر والمعتقلات والنيابات بدلاً من أن يقضوا شبابهم في التنزه والدخول في خبرات عملية، قضوا شبابهم وهم يرون الموت ويحاولون البحث عن حقوق زملائهم.
سيدي إننا بذلنا أقصى ما وسعنا وكل ما نملك من أجل أن نجعل مصر زينة العرائس وأجمل البلدان إلا أنكم واجهتمونا بكل ما تملكون من قوة حتى لا تصبح مصر هي الأفضل في العالم لتستمر سطوتكم كما هي، إلا أننا نعدكم بأننا سنبذل أضعاف ما بذلنا رغم ثقتنا الشديدة أنكم أيضًا ستبذلون كل قوتكم لإهدار وتحطيم ما نطمح له في مستقبل يسوده العدل والحرية ودولة القانون.
هذا جزء بسيط مما قدمه الشباب لمصر، إلا أنه رغم ذلك يحاول ويحاول من أجل الوصول للمدينة التي حلمت بها يا “ونيس” التي تتوافق مع معايير يتعايش معها الإنسان وفاءً فقط لزملائهم الشهداء الذين سقطوا، محاولين تحقيق حلمهم بعد الفشل في القصاص لهم إلا أنهم سيحاولون الوصول لكلا الأمرين معًا.
وفي النهاية لي سؤال لك ولغيرك أريد إجابة عليه، ما هي مصر؟ ما كينونتها؟ ما الذي يعبر عنها؟ هل هي بشر؟ هل هي مؤسسات؟ هل هي أرض؟ ستجد في النهاية أن مصر ما هي إلا بشر قوامه هو الشباب، يعيش في أرض تحكم مؤسسات ومبانيَ كل هذا من أجل الوصول للأفضل في كل شيء وهو ما يحاول الشباب فعله، أي أن الشباب منح لمصر الكثير جدًا.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست