قبل أن نبعث بالرسائل إلى النصر ونخاطبه يجب أن نحدد من البداية ما هو النصر المنشود والمرجو تحقيقه، فلا يجوز لنا أن نخاطب شيئا غائبا ماديّا كان أو معنويّا، ثم بعدها نحدد كيفية الحصول على النصر هذا وأن نظفر بملاذ متعة الحصول عليه.
فلا بد أن نتفق النصر هذا يختلف من جماعة لأخرى وبالأحرى من فرد إلى آخر فتحقيق النصر عندي في مضمونه يختلف عندك أيها القارئ بينما يجد ثوابت ومبادئ تجسد التوصيف الكامل للنصر فغلبة الحق على الباطل نصر، تمكين الشباب واستخلاف الصالح منهم في الأرض نصر، رفض الحاكم الظالم بأقل الإمكانيات نصر، تحقيق هدفك ومشروعك الدنيوي الخاص بك هو أعز نصر لك.
فمن استشهد بميدان رابعة لاذ بالنصر الأخروي الذي نواه وبات يحلم به طيلة ليالي الاعتصام عندما اشتد بكاء عمار بن ياسر لرؤيته لموت أبيه وأمه صبرّه الرسول وطمأنه صبرًا آل ياسر فإن موعدكم الجنة، فهذا كان النصر المنشود له.
الأهم من ذلك الذي سنغوص في الكلام عنه ما هي الآليات التي يجب تتبعها لكي تنال هذا النصر، هذه الآليات ليست قواعد منهجية ولا ثوابت بل إنها مجرد مقترحات تقبل وترفض، كل وفق قناعاته الشخصية، قبل كل شيء يجب أن نستوعب أن النصر لا يقتصر على عودة فصيل معين أو شخص بعينه إلى منصبه مرة أخرى، فالأمر أهم وأكثر تعقيدا من ذلك، دعنا نرفض أسلوب السرد في نقاط واحد اثنان ثلاثة، لأني كنت أرفض حفظ القواعد المدرسية البتة وأفضل أن نحكيها سويا لنخرج أفضل ما بداخلنا لنلمس أول وأهم نقطة لنا كيف نساهم في إصلاح الأمة، وهل أنت مقتنع من الأساس بفكرة عودة الخلافة كما نص الحديث على حد علمي، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة أم ماذا؟ (طب ولو مقتنع) ماذا تعرف أنت شخصيّا عن حكم السلف من الخلفاء، فهل قرأت عن تاريخ الأندلس وعن الخلافة العثمانية، وماذا تعلم عن حياة المسلمين في فترة الخلفاء الراشدين؟ كيف كان شكل حياتهم الخاصة؟ فكيف لشخص يؤمن ويعتقد فكرة ونظامًا معينًا ولا يعرف عنه أي شيء مطلقا كيف يقول إني انتصرت في ذلك إلا إذا سار تابعًا خلف قطاع معين فعندما يقولون انتصرنا يردد خلفهم بكل نفس قوية تكبير الله أكبر الله أكبر، يجب سيدي القارئ أن تحدد موقفك أولا وتخطو نحو ما تريده وتحدده.
لننتقل إلى نقطة أخرى أكثر خصوصية على سبيل المثال إذا أصبحت أكثر نضجا وأردت أن تختار الزوجة الصالحة لك فما السلوك الذي يجب أن تقوم به هنا؟ اشترطت النضج لأنه ممكن دون ذلك وتستمر في وهم نفسك ووهم من تتحدث إليه أننا مع بعض ولا يستطيع أحد أن يفرقنا أيّا كان، فهذا كله في إطار الكلام دون أن تأخذ الخطوة الصحيحة الثابتة والمحفوظة للكل أن توفر في نفسك المؤهلات المعنوية والمادية على قدر الموجود، ثم تقدم بالخطوة نفسها أمام الأهل غير ذلك كله هراء ويعتبر هزيمة شخصية لك ولمن تظلمه فبذلك تختار أن تصبح الطرف المهزوم في المعركة وتترك النصر جانبا لمن يسعى ويتحرك، وإن أردت ابنك صلاح الدين منقذ وملهم هذه الأمة فلا يصح أن تختار له أمّا ذات إمكانيات عقلية سائدة، فلا بد أن تختار من البداية أمّا مناسبة لتربية صلاح الدين لكي تحقق نصرك في فلذة كبدك.
لنلقي نظرة إلى دول الشام والخليج وفلسطين ماذا ينتظرون كي يحققوا النصر ويهزموا عدوهم هل استنفذوا كل الوسائل المتبعة أم يوجد هناك وسائل أخرى لم يعرفوا عنها شيئا ولم يتبعوها بعد؟ فالله لم يكتب النصر حتى الآن لسبب رباني لا يعلمه إلا هو، أما نحن فعلينا أن نعلم الأسباب المعنوية والمادية كي نتعها كمل فعل سيدنا نوح استمر في إعداد السفينة وقومه كله يسخر منه كلما مروا عليه، ولكن عندما أذن الله بالطوفان ركب السفينة ونجا هو والصالحين من قومه. نفس الوضع تماما لأم سيدنا موسى عندما ألقت بابنها في اليم وهي تستجيب لرسالة ربها وتلقيه وتخشى عليه فنصرها الله بعودتها إليه لترضعه هي دون غيرها.
أما نحن في بلدنا فأي نصر ننتظر فالله نصرنا بعد ثمانية عشر يومًا بالتحرير عندما أخذنا بالأسباب وحققنا الشروط؛ فأنعم الله علينا بالنصر لنعد ونستهلك أنفسنا وطاقتنا في معارك خاسرة لا يوجد لها أي عائد علينا، فكان العائد لصالح أشخاص بعينهم ليرزقنا الله مرة أخرى وضع المستضعفين المناجيين لربهم يطالبونه نصره الذي وعد، فكم فرد يوجد بالسجون يدعي ربه ليلا منفردا يطالبه أن ينقذ ما تبقى من حاله! وأيضًا كم فرد مطارد هرب من بطش بلده لينتقل إلى بلاد أخرى لم يعرف عنها شيئًا ولا يعرف أحدا فيها تاركًا أهله وذويه مستهلكًا طريقه كله في دعائه لربه أن يفرج ضيقه وأن يلحق بهم في الجنة إن لم يستطع أن يلحق بهم مرة أخرى!
أما إذا سألتني كيف يتحقق النصر فأجيب بكل طلاقة عن نصري الشخصي الذي أحدده لنفسي ولا يعمله غيري والله شاهد عليه، أما عن النصر العام الذي لا أنفصل عنه فلا أستطيع أن أجيب فأصبح متلعثما بالكلام لأن هذا لا يتوقف عليّ وحسب، بل يشملنا جميعا لكن ما أظنه هو لا بد أن نغير نظرتنا للأمور ونحاول أكثر من مرة ونجرب أكثر من تجربة، فإن لم تصب واحدة لعلها التي تليها، وإن لم تصب لعل الله يكتب في الأخرى، وإن لم تأتِ طيلة الدنيا فاعلم أن الله يؤجل لك النصر الخالد في الآخرة، فاحرص واجتهد ألا تضيع هذا النصر هو الآخر فنحن علينا إدراك الوسائل ولا علينا تحقيق النتائج فالله ينعم علينا وقتما يشاء.
فإذا أردت أن تحقق النصر يجب عليك أن تحدده وتتعرف عليه، ثم تراسله وتتحدث معه، وأخيرا تعلم كيفية الوصول إليه. وتسعى بالوسائل لكن لا تضيع عمرك بالكامل في انتظاره افعل قدر استطاعك لعل الله يكتب لك نصرًا أعظم وأخلد.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست