سلسلة حركية لاهثة ترفيهية، أم إثارة تشويقية مشهدية ذات جرأة واقعية؟!
تبدو حبكة هذا الشريط كمتتالية لغزية معمولة جيدًا في جرأة وواقعية يومية، حيث أبدعت السويدية أليسيا فيكاندير بتقمص الدور المحوري (لارا كروفت)، واستقطبت تجاوب الجمهور، وبدت كبطلة تلقائية جديدة قوية ومجهولة، كما أبدت درجة كبيرة من اللطف واللباقة (عكس أداء أنجلينيا جولي القديم)، وتحملت كمًا كبيرًا من المعاناة والصعاب واللكم والركل.
فيلم المغامرة الجديد هذا من إنتاج عام 2018، وهو تكملة لسلسلة مغامرات (لارا كروفت / تومب رايدر) القديمة، حيث أبدعت انجيلينا جولي بإصدار عام 2001، ويستند إلى لعبة فيديو مشهورة، ومن إخراج النرويجي رور أوتاغ، وهذا الفيلم الجديد يستند إلى لعبة فيديو حديثة ظهرت في العام 2013.
بداية الحبكة ونهايتها
اكتشاف لغز اختفاء والدها بعد الغوص في مغامرة (محجرية / بحرية) ومواجهة الأهوال والأعاصيرالكابوسية!
بعد اختفاء والدها، تكسب لارا رزقها بالعمل كساعية دراجات سريعة، وبعد اعتقالها لإحدى المخالفات، تخرجها آنا ميلر (كريستين سكوت توماس بدور لافت) بكفالة، وهذه تكون شريكة أعمال والدها المختفي، ثم تطلب منها في المقابل الإسراع إلى المطالبة بميراثها المتروك، لكي لا يضيع بالتقادم والإهمال، وتكتشف لارا هناك في مكتب والدها القديم، حيث تجد رسالة مسجلة بتفاصيل أبحاثه الغامضة، التي تتعلق بما يدعى (هيميلو) اليابانية، وهذه هي ملكة أسطورة ياماتاي المرعبة، التي تتحكم في الحياة والموت (للحق لم يتعمق الفيلم أبدًا بثنايا وخفايا هذه اللعنة الأسطورية كما توقعت على الأقل من مشاهد الاستهلال)، ولكن والدها يحذرها بضرورة تدمير وإتلاف أبحاثه بعد الاطلاع عليها، تجنبًا للعنة سحرية شريرة، ولكنها تعاند وتحتفظ بها.
وعندما تعود منهكة ومنتصرة من مغامرة مريعة شيقة، تبدأ في جزيرة هونغ كونغ، وتنتهي بالإبحار في بحر الشيطان، في جزيرة ياماتاي، وقد واجهت الأعاصير والأهوال، حيث تم احتجازها من قبل المدعو ماتياس فوغل الذي كان قائد رحلة استكشاف قبر (هيمنو)، لتشرع في رحلة محفوفة بالمخاطر، بحثًا عن أبيها المختفي في المتاهة المحجرية والجزيرة السحرية، وتحت ظروف عمل عبودية، ولكنها تنجح في الهروب بمساعدة الصيني لو رين، الذي يتمكن أيضًا من النجاة من العاصفة البحرية الهائجة، ويتم إجباره أيضًا على العمل على نبش القبر الملعون، ولكنها تتمكن ببراعة وبمساعدته من النجاة والعودة سالمة، بالرغم من تعرضها للكدمات والجروح، بعد أن تمكنت من كشف الكثير من الأسرار الغامضة والملابسات المجهولة المتعلقة بالقبر ولغز اختفاء والدها المحب.
ثم تجبر على تقبل ميراثها رسميًا، وتكتشف لاحقًا أن شركة ترينتي ما هي في واقع الحال، إلا واجهة لمجموعة كروفت العملاقة، فتشرع في التحقق والتعمق أكثر في ملفات والدها المفقود، وتشتبه بأن الوكيلة الخبيثة أنا ميلر تتلاعب بقصد لقبول ميراثها؛ بغرض الحصول على توقيعها للسيطرة على مجمل العمليات التجارية للمجموعة، عندئذ تتوقف فجأة عن التعاون، وقد علمت بالخفايا والنوايا، وتحزم أمرها بالاستعداد لمغامرة قادمة مثيرة (في فيلم جديد متوقع)، حيث ستسعى جاهدة لإحباط الخطط الخبيثة والمؤامرات الجشعة اللئيمة.
مثل في الأدوار الداعمة كل من دومينيك وست، دالتون جو جينتر، ودانيال، والممثلة البارعة المخضرمة كريستين سكوت توماس، وقد تم التصوير في كل من المملكة المتحدة، وفي كيب تاون بجنوب أفريقيا (بمراعاة التضاريس الطبيعية الأخاذة المتناقضة).
حصل الفيلم على معدل ثناء نقدي يتجاوز الخمسة من عشرة، حيث تبدو الساعة الأولى منه شيقة، ثم ندخل نفقًا من الملل المتفاوت في الساعة التالية، ونصاب أحيانًا بصداع من تكرار المغامرات والركض السريع والقفز، وكأننا بمسابقة أولمبياد عالمية، ونعاني مع البطلة الرشيقة من العواصف البحرية الهوجاء، ومواجهة الأهوال، ثم بمجابهة الكثير من الركل واللكم.
الموازنة ما بين السطحية والعمق وتشبيه بأودري هيبورن!
ثم نعاين مبالغة إسقاط وتهميش كافة الشخصيات الداعمة، وكأنا بالفعل نستعرض البطولات الطفولية للعبة فيديو فردية، لينحصر التركيز أساسًا على شخصية البطلة وحركاتها وسكناتها ورشاقتها وبراعتها وشجاعتها في مواجهة المحن والأهوال المتلاحقة.
في الخلاصة نحن أمام مغامرة مفتعلة طائشة ومكررة، لا نستخلص منها أي مغزى ومعنى، وإن كانت النجمة الصاعدة أليسيا فيكاندير قد صدقت ربما لوحدها هذه اللعبة السينمائية الحركية الاستعراضية الجديدة، لكي تفوز وحدها بالمجد السينمائي والشهرة الكاذبة، ولكي تتبجح بتحديها لأداء أنجلينا جولي المميز في نسخة عام 2001، وهكذا نجحت وورنر براذر في إصدار نسخة استهلاكية جديدة تضحك فيها على المشاهدين البلهاء، ومنهم أنا بطبيعة الحال!
براعة إخراجية وحركات بهلوانية وإيماءات عاطفية
لكن من الناحية الأخرى، فقد برع المخرج النرويجي رور أوتاغ في إظهار قدراته المتخصصة في هذا النوع من الأفلام الحركية اللاهثة، وتمكن بتلقائية مهنية من المحافظة على زخم شعلة فيكاندير الداخلية، مستغلًا موهبتها ورشاقتها وشغفها، وهذا ما يعجز عنه أداء الكثير من مخرجي الدراما والحركة العرب، الذي يتفاوت ما بين المبالغة والتسطيح المشهدي حتى تضيع المصداقية في الحالتين، حيث تمكن ببراعة من محاولة استرجاع روح التشويق والإثارة دونما تردد، وخاصة في مجال الركض السريع والقفز المذهل على المرتفعات وفوق الجسور والمساقط المائية. وأخيرًا في مجال إطلاق السهام ودقة التصويب، وكأننا نشاهد فيلمًا تم تصويره في أدغال الأمازون الكثيفة مع قبائل بدائية مهجورة، كما لم يستثن اللقاءات العاطفية والروحية العتيقة، وهكذا أشاد بعض النقاد القلة بالشريط، ومنحوه علامة تتجاوز 70%، ثم أشادوا بالإتقان الحركي التتابعي والرشاقة الأنثوية الجذابة، وبالغ بعضهم في خضم الحماس ليذكرنا بانطباعاتنا القديمة ذات الحنين عن الأيقونة الراحلة أودري هيبورن وتمثيلها الكارزمي المبهر.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست
علامات
أفلام