إن وسائل التواصل الاجتماعي، كشفت الستار عن مجموعة من السلوكيات، ربما كانت موجودة من قبل، لكن إمكانية انتشارها كانت محدودة لا تتجاوز الرقعة الجغرافية التي وقعت فيها. فلم يكن التداول لأشرطة فيديو -وهي توثق لمحاولات الاغتصاب ولمحاولات الضرب والجرح وعمليات الذبح- إلا أن يثير غضب وتذمر كل من يشاهدها بطبيعة الحال، مما يجعلنا نتساءل هل المناداة بإنزال أقصى العقوبات بمن قاموا بتلك الأفعال، ولربما إعدامهم هو الحل الذي ستتوقف به تلك الأفعال مُستقبلا؟ أم يجب علينا أن نبحث عن السبب وراء ما يعيشه مُجتمعنا المغربي من حوادث ربما كانت من قبل مستترة وبنسبة قليلة، فجعلت وسائل التواصل الاجتماعي منها قضية كبرى نتيجة للتغطية الواسعة لها مما يعمل على زيادة تأثيرها.
فنتوقف عند مصطلح القيم، كإشكالية يصعب لملمتُها من جميع جوانبها لأننا فقدنا البوصلة القيمية حاليًا، وهذا ناتج عن سوء التصرف الإنساني من جهة المرجعية والتفكير، ومن جهة السلوكيات القائمة. لأن القيم في معناها الصحيح هي جمع لكلمة قيمة أي الشيء ذو الثمن أو ذو المقدار، وفي معناها الاصطلاحي هي صفات أخلاقية تقوم عليها الحياة الاجتماعية، من معايير وأسس تؤطر سلوك الفرد وتجعل منه إنسانًا إنسانيًا وتُكسب وجوده قيمة، إذا أخذناها من جانبها الإيجابي.
وبما أننا ننضوي تحت لواء ثقافة كونية تجعل تمدد النظام العولمي يشمل كافة المجالات، إذن فهو الراسم لكثير من قيمنا وبالخصوص الجيل الحالي، وأصبح مُجتمعنا ينتهج قول إيميل دور كايم من حيث لا يدري عندما قال «ضرورة تنحية كل الأفكار والمعايير والقيم الذاتية المُسبقة لأنها بمثابة قناع أو ستار بين الوقائع الاجتماعية والحقيقة» أم أنه ذهب مع ما ذكره ميشيل فوكو عن القيم بأنها «تُستخدم بشكل خاص في كل مرحلة وفي إطار سياقها الفكري والواقعي». هذا يجعلنا نُقر أننا نعاني أزمة قيم عميقة، والوقت الراهن كشف عنها بانتقالنا من اللامرئي إلى ظواهر مرئية تُرى وتُشاع على المواقع التواصلية فيتم تقليدها وكأننا في سباق مع من يأتي بمثل ذلك المشهد أو أشد خطورة منه ليبثه وكأنه حقق إنجازًا، في عصر تُهيمن فيه الصورة وتسود وتصبح مركزية مُهيمنة.
نحن هنا إزاء انكشاف أكثر ما هو تحول بأدوات دخلت إلى المجتمع ولم يُحسن استخدامها؛ فعندما تُستخدم كاميرا الهاتف لتسجيل لقطات جنسية أو عمليات ضرب أو تعدي على الآخر ثم تتحول إلى فضيحة، ثم إلى قضية تشغل بال الرأي العام، هنا وجب طرح التساؤل التالي: لماذا بمجرد السماع بشريط فيديو فاضح أو مسيء يتم البحث عنه بشتى السبل؟ هل تبدلت القيم اللاملموسة بأخرى مادية؟ يمكن القول إنه تحول عولمي ثقافي مترجم بتلك الصيغة المعلوماتية. فلو كان للمجتمع وعي بحقيقة الأشياء، لما كان منطق الصورة يقوم على تأسيس الإدراك الصوري، والذي يصدر عن الإحساس باللذة عند التعرض لموجات الصورة بشكل عام، هذا من الزاوية السيكولوجية. ومن الزاوية الأنثروبولوجية فإن منطق الصورة يقوم على تعزيز أساطير الجماعة من خلال تمثلات إدراكية صورية تقوم على الرغبة والقوة والنرجسية، وليس من خلال قيم ثقافية ومعرفية مؤسسة.
إن مجتمعنا اليوم يعيش ترديا في منظومة القيم ككل وعلى رأسها الأخلاق والسوكيات في كيفية التعامل مع الآخر، نتيجته بكل بساطة تراكمات لعهود سابقة من سياسات تعليمية وثقافية أهملت تنشئة الطفل في المدرسة على أسس صحيحة، هذا دون إغفال مسؤولية الأسرة، إنها أزمة تشارك فيها الدولة من خلال تعليمها وسياساتها العمومية، والأسرة في طريقة تربية أبنائها، والبيئة غير الحسنة بسبب الظروف الاجتماعية والاقتصادية. فعند البحث في أسباب الأزمة القيمية التي نلحظها نجد أن الأزمة تتحملها التربية الحديثة التي ركزت اهتمامها على وسائل الحياة وأهملت الغايات والمقاصد، واستهدفت المواطن المنتج أكثر من المواطن المصلح. ذكرت الأخلاق كأساس تنبني عليه القيم لأننا بها سنعرف كيفية التعامل مع تلك الوفرة والكثافة من الأخبار والصور والتفاعلات التي فرضتها علينا مواقع التواصل الاجتماعية خصوصًا مع الآخر الذي نحن في سياقه ضمن مجتمع واحد.
فعندما يتم التفاعل عبر الإنترنت لا يُمكن لأي قوة أن تشكل رقابة على ما نحن بصدد فعله، لكن عندما يكون هناك نوع من التربية السليمة التي يتدخل فيها مجموعة من الفاعلين نستحضر الآخر في تفاعلنا وفي تعاملنا مع صور وفيديوهات يمكن أن تُحدث الأثر البالغ على الآخر، فإن لم نتحكم في ذواتنا وأنانيتنا فلنراع إحساس وشعور الآخر.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست
علامات
مجتمع