شهدت منطقة الشرق الأوسط العديد من التطورات التي كان لها الأثر الكبير في بلورة وصياغة الإطار العام لهذا الإقليم في مختلف المراحل التي مر بها، ويعود هذا إلى أهمية ومركزية هذا الإقليم في الإستراتيجية الدولية كونه الساحة العملياتية لسياسات واستراتيجيات القوى الكبرى، فضلا عن تحركات وأدوار القوى الإقليمية ذات الفاعلية والتأثير على مجمل تفاعلات الإقليم والتي أسهمت في صياغة المشهد الإقليمي.
بدأ الحديث يختلف عن ماهية النظام الإقليمي الشرق أوسطي وماهية أركانه وآلياته من حيث المفهوم والحدود، إذ جرت العديد من المحاولات من أجل فك الارتباط بين الصبغة السياسية ذات البعد القومي العروبي عن مفهوم النظام الإقليمي الشرق أوسطي ومحاولة جعل المنطقة مفتوحة غير مقيدة بنظام إقليمي جيوسياسي ضابط لمجمل تفاعلاته، فضلا عن طرح الكثير من المشاريع الإقليمية التي حملت في ثناياها أطرًا عامة لما يجب أن يكون عليه السياق العام في الإقليم وإحلالها كبدائل عملية عن جامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي ومحاولة إدخال ودمج العديد من الفواعل بالمشهد السياسي العام للإقليم وجعلها تمتلك مفاتيح اللعبة الإقليمية كإيران وتركيا وإسرائيل.
وكانت أولى هذه المحاولات بعد انتهاء الحرب الباردة وانفتاح المشهد السياسي العام للإقليم ببعده الدولي وانعدام هامش المناورة الاستراتيجية أمام القوى الإقليمية التي كانت تتفاوت مواقفها بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي سابقا، وإعلان الولايات المتحدة الأمريكية عن ولادة نظام دولي جديد تكون هي ضابط الإيقاع فيه وهي المسؤولة عمليا عن هذا النظام.
وفي ما يتعلق بالشرق الأوسط فإنه لم يكن بمناوئ عن هذا التغير الدولي، إذ قامت الولايات المتحدة بطرح مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي يقوم على فكرة أساسية وهي إدخال إسرائيل في عضوية النظام الإقليمي الشرق أوسطي وجعلها مقبولة إقليميا وسبق هذه المحاولة العديد من الترتيبات السياسية من أجل التمهيد لهذا المشروع وكان مؤتمر مدريد للسلام أولى هذه المحاولات.
وأعقب هذا المشروع أيضا مشروع آخر وهو مشروع الشرق الأوسط الكبير والذي جاء كنتيجة عملية للاحتلال الأمريكي للعراق والذي تكلل أيضا بالعديد من الترتيبات الإقليمية السياسية كخارطة الطريق ومؤتمر أنابوليس وغيرها، وهذا المشروع في حقيقته جاء كمحاولة للإجهاض على مبدأ السيادة والحدود وإعادة تشكيل المشهد الإقليمي بحدود جديدة ومفاهيم جديدة ودول جديدة ولعل ما حدث ويحدث اليوم في منطقة الشرق الأوسط هو نتيجة حتمية لهذا المشروع.
السؤال المهم هو هل سيشهد الشرق الأوسط بلورة نظام إقليمي جديد، إن الإجابة على هذا السؤال هي أن استمرارية الوضع الإقليمي الفوضوي وتعدد وتشظي الأزمات تنبئ بصيرورة نظام إقليمي جديد ولكن هذه المرة ليس عن طريق مشاريع تطرح من خارج حدود الإقليم وإنما من خلال إرادات إقليمية تصوغ إطارها العام.
ففي الوقت الذي تتحدث فيه إيران عن ضرورة إيجاد نظام إقليمي إسلامي تصوغه هي، نجد أن هناك قوى إقليمية أخرى سعت وعبر ترتيبات إقليمية عديدة إلى بلورة موقف إقليمي موحد ولعل أزمة اليمن هي مقدمة لذلك، إذ دأبت السعودية إلي تشكيل تكتل إقليمي سياسي عسكري موحد حيال الأزمة والسعي إلى استثمار ذلك في محاولة إيجاد وضع إقليمي جديد يحد من طموحات إيران الإقليمية ويرسم حدودًا لعلاقات إسرائيل مع بعض الدول العربية، ولكن المسالة المهمة هي هل ستسمح بذلك القوى الكبرى ذات المصلحة والنفوذ في منطقة الشرق الأوسط، أعتقد أن هذا الموضوع تحدده العلاقة المصلحية بين هذه القوى وأي نظام إقليمي جديد قيد التشكيل.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست