خطابُ الجيش كـ(مؤسسة) أو مهاجمة ضباط الجيش كـ(طائفة) من الأخطاء الكبيرة التي تؤخرُ قيامَ الثورة، ولا تهدمُ الجيشَ أو تُحيّده، بل تَحمله على التكتل والعِناد، بل يجب مخاطبة ضباط الجيش كـ(أفراد)، فنقول: أيها الضابط وأيها الجندي وإن كانوا ألدَّ أعداء الثورة.
الشخصية العسكرية تحتاج إلى فقهٍ كبير في التعامل معها، فقدِ اعتادتْ على الكبرياء والاستعلاء والأنفة، (وإن كانتْ تدعيه أو تتظاهرُ به) ولذلك تحتاج إلى الاهتمام والاحترام الزائد والتقديم. ولقد كان رسولُنا صلى الله عليه وسلم يعرفُ هذا ويراعيه، في عُمـرة القضاء سأل الوليدَ بن الوليد عن أخيه خالد بن الوليد، فكتب الوليدُ بن الوليد إلى خالد بن الوليد يقول:
(… وَقَدْ سَأَلَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْكَ، وَقَالَ: أَيْنَ خَالِدٌ؟ فَقُلْتُ: يَأْتِي اللَّهُ بِهِ. فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «مَا مِثْلُهُ جَهِلَ الْإِسْلَامَ، وَلَوْ كَانَ جَعَلَ نِكَايَتَهُ وَحَدَّهُ مَعَ الْمُسْلِمِينَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَلَقَدَّمْـنَـاهُ عَلَى غَيْرِهِ».. فَاسْتَدْرِكْ يَا أَخِي مَا قَدْ فَاتَكَ، فَقَدْ فَاتَتكَ مَوَاطِنُ صَالِحَةٌ).. فنشط خالد رضي الله عنه للخروج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وزادَه رغبةً في الإسلام سُؤال رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه، واهتمامه به، وانتبه أخي إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم: «وَلَقَدَّمْـنَـاهُ عَلَى غَيْرِهِ».. أ. هـ الحافظ ابنُ كثير، البداية والنهاية جـ 4 صفحة 472..
فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يُخاطب جيشَ قريش كـ(مؤسسة) أو يهاجمهم كـ(طائفة)، بل خاطبهم كـ(أفراد)، وسأل عن خالد بن الوليد كـ(فرد وقائد عسكري).
ثم زكّى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قيادة خالد بن الوليد في معركة مؤتة وأشاد بها، فَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَى زَيْدًا وَجَعْفَرًا وَابْنَ رَوَاحَةَ لِلنَّاسِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَهُمْ خَبَرُهُمْ فَقَالَ أَخَذَ الرَّايَةَ زَيْدٌ فَأُصِيبَ ثُمَّ أَخَذَ جَعْفَرٌ فَأُصِيبَ ثُمَّ أَخَذَ ابْنُ رَوَاحَةَ فَأُصِيبَ وَعَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ حَتَّى أَخَذَ الرَّايَةَ سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللَّهِ حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ.
وبعد مؤتة مباشرة استعمل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قائدًا آخر كان حديثَ عهدٍ بالاسلام، فعن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: بعث إليّ النبي ﷺ يأمرني أن آخذ ثيابي وسلاحي فقال: «يا عمرو إني أريد أن أبعثك على جيش فيغنمك الله ويسلمك»، قلت: لم أسلم رغبة في المال، قال: «نعم المال الصالح للرجل الصالح»، فعقد له لواء أبيض وجعل معه راية سوداء فسار هو ومن معه وكان يكمن النهار ويسير الليل فلما قرب منهم بلغه أن جموع العدو كثيرة فبعث رافع بن مكيث الجهني إلى رسول الله ﷺ يستمده، فبعث إليه أبا عبيدة بن الجراح وعقد له لواء وبعث معه (200) من سراة المهاجرين والأنصار، وفيهم أبو بكر وعمر رضي الله عنهما وأمره أن يلحق بعمرو، وأن يكونا جميعًا ولا يختلفا فأراد أبو عبيدة أن يتولى القيادة، فقال عمرو: إنما قدمت عليّ مددًا وأنا الأمير، فقال أبو عبيدة: لا ولكن أنا على ما أنا عليه وأنت على ما أنت عليه، وكان أبو عبيدة رجلًا سهلًا هينًا عليه أمر الدنيا فقال: يا عمرو إن رسول الله ﷺ قال لي: لا تختلفا وإنك إن عصيتني أطعتك، فأطاع له أبو عبيدة فكان عمرو يصلي بالناس وسار حتى وصل إلى العدو فحمل عليهم المسلمون فهربوا في البلاد وتفرقوا مذعورين بعد أن اقتتلوا ساعة فهزمهم المسلمون ولم يغنموا شيئًا.. وهذه مجرد أمثلة على تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع القادة العسكريين.
أثناء الثورة الإيرانية 1979 كان جيش الشاه محمد رضا بهلوي يبغ 700 ألف جندي وضابط، وكان لابد من تحييدِه، كانت الجماعات الإسلامية مثل «مجاهدي خلق» و«فدائي خلق» تقترحُ المقاومة المسلحة، وكان آية الله الخميني يتركهم يَعرضون وجهةَ نظرهم ثم يقول: «لا.. لا يمكنكم مواجهةَ الجيش، ولا يُمكنكم محاربةَ سلاحِه بأي سلاحٍ تَحصلون عليه، الطريقة الوحيدة لمحاربة الجيش هي نزعُ سلاحِه».
وكانتْ خطةُ نزع سلاح الجيش غير مفهومة للثوار حتى بدأ الخميني بدايةَ عام 1977 يُوجه رسائلَه الإعلامية إلى ضباط الجيش كـ(أفراد) فيقول: ينبغي عليكم ألا تخدموا الشاه، فالشاه هو الشيطان، وأنتم جنودُ الله (المستضعفين)، ينبغي عليكم ألا تُطلقوا النارَ على إخوانكم المسلمين؛ لأنّ كلّ رصاصةٍ تُصيبُ قلبَ مسلمٍ هي أيضًا رصاصةٌ تُصيبُ قلبَ القرآن، يجب أن تعودوا إلى قراكم وأسركم وأراضيكم، يجب أن تعودوا إلى المسجد.. إلى الله).. ومن منتصف عام 1977 بدأتِ التقاريرُ تُسجلُ هروبَ الضباط والجنود من الخدمة العسكرية. أهـ محمد حسنين هيكل، مدافع آية الله صفحة 191.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست