علاقات سامة.
أتقتصر السموم من حولنا على أكل أو شرب ملوث؟ أو ملوثات تسبب لنا السموم! توجد أنواع سموم حولنا غير مباشرة.. فسموم المأكل والمشرب والجو مقتصرة على إيذاء جسدي فقط.. ولكن هذا النوع من السموم يسبب لنا الإيذاء بدنيًا ونفسيًا.. ويؤدي بنا إلى الهلاك.. فما هو؟
إنه «العلاقات السامة».. فما هي العلاقات السامة؟
هي علاقة بين طرفين تكون مبنية على مصلحة الآخر دون حب فيأخذ كل ما يريد من الطرف الآخر، ولا يترك له سوى الإيذاء والضعف والتعب.. قد تكون بين شريكين أو علاقة عمل.
تقول الدكتورة ليليان جلاس، خبيرة الاتصالات وعلم النفس في كاليفورنيا في كتابها Toxic People العلاقة السامة بأنها أي علاقة بين أشخاص لا يدعمون بعضهم البعض، حيث يوجد صراع ويسعى أحدهم إلى تقويض الآخر، وحيث توجد منافسة، وحيث يوجد عدم احترام ونقص في التماسك.
في حين أن كل علاقة تمر صعودًا وهبوطًا، فإن العلاقة السامة غير سارة باستمرار وتستنزف أصحابها، لدرجة أن اللحظات السلبية تفوق تلك الإيجابية بدرجات.
فالعلاقات السامة تدمر عقليًا وعاطفيًا وربما حتى جسديًا لأحد المشاركين أو كليهما.. فالهدف من العلاقات الإنسانية الصحية باختلاف أنواعها تحقيق الراحة لكل من الطرفين، العلاقات الإنسانية تتولد بين البشر بهدف الشعور بالأمان أو الأنس، والتواصل أو تبادل المشاعر، والشعور بالسعادة والاهتمام وغيرها.
أيًا كان نوع العلاقة يكون هناك احتمالان: إما أن تحقق العلاقة أهدافها لكل من الطرفين، وحينها تكون علاقة صحية، أو أن تكون العلاقة سامة، وهي التي تشعر بها على عكس العلاقة الصحية بالاستنزاف أو التعب والاستغلال وتشكل لك العلاقة عبئًا نفسيًا بدلًا عن الراحة.
قد نكون مغيبين ولا نشعر بأن العلاقات السامة تؤذينا.. وقد نشعر ونتنازل لمجرد اعتقادنا أننا نحب.. ولكن هذا ليس حبًا.. هذا إيذاء للنفس، وهي ليست بملك لنا.. وسنُعاقب لأجل هذا.. فكيف نعرف العلاقة السامة؟
1. الأخذ دون العطاء في المقابل: فأية علاقة تشعر أنك تبذل فيها مجهودًا دون مقابل هي علاقة سامة.
2. انعدام الثقة: انعدام الثقة في أية علاقة يصنع حاجزًا بين الطرفين.
3. عدم المصارحة بين الطرفين.
4. عدم التوازن: عدم توازن المشاعر، أو الرغبة في استمرار العلاقة بين الطرفين، فالعلاقات التي تستمر لأن طرفًا واحدًا فقط يهتم باستمرارها تكون مرهقة وتسبب إيذاءً كبيرًا جدًا.
5. النقد الدائم: العلاقات التي يشعر أحد طرفيها بأنه عرضة للنقد دائمًا، أو أنه بحاجة لانتقاد الآخر لعدم رضاه تكون سامة لعدم الشعور بالاكتفاء من طرف وبالنقص من الآخر على الرغم من أنه من الممكن أن يبذل جهودًا في نيل رضا الطرف الآخر.
6. الطاقة السلبية: العلاقات التي تمتلأ بكل من المشاعر والطاقة السلبية فقط يكون من شبه المستحيل أن ينتج عنها أي شي إيجابي.
7. عدم التواصل: قلة الاتصال وعدم التواصل بين طرفي العلاقة بشكل مستمر يكون أشبه بأن كلًا من الطرفين في علاقة مختلفة عن الآخر، وأن كلًا منهما يسير في اتجاه معاكس، وهذا يسبب إيذاءً كبيرًا.
8. عدن التوافق: فعدم التوافق والتواصل بين الطرفين دائمًا ما ينتج عنه سوء التفاهم وكثرة سوء التفاهم يسبب الإيذاء.
9. قلة الدعم والتشجيع: الشعور بالدعم من المقربين من أكثر ما يحتاج الإنسان بشكل عام فشعور الشخص بأحد بجانبه في ما يفعله يكون دافعًا له في الاستمرار بالرغم من العواقب، وعدم الشعور بهذا الدعم من الطرف الآخر في العلاقة يسبب الاحباط وعدم قدرة على الاستمرار.
10. رغبة الطرف الآخر في تغييرك: ابتعادك عن شخصيتك الحقيقية وآرائك ورغاباتك من أجل إرضاء الطرف الآخر ينتج عنه عدم التواصل مع النفس وعدم الشعور بذاتك ورغباتك الحقيقية وآرائك، فالعلاقة التي تتطلب منك تغيير نفسك، ولا تنجح إلا برغبة الحرف الآخر بتغيرك تحطم علاقتك بنفسك وطبيعتك.
11. القيمة في العلاقة: عدم شعورك بقيمتك في العلاقة، أو عدم شعورك بقيمتك، أو أهميتك لدى الطرف الآخر تترك أثرًا سلبيًا عليك وعلى العلاقة، فمن المهم جدًا التقدير والاحترام في العلاقات.
12. التحديات الدائمة: الشعور بأنك تقاتل بوجه عام طوال الوقت لاستمرار العلاقة والشعور بعدم الأمان يدل على أنك في علاقة غير صحية ومؤذيه.
حسنًا بعد كل هذا ألم يحن الوقت للهرب؟ فإذا لم يحن فلنر ما تسببه لنا هذه العلاقات، وحينها فإما الهرب بالنفس أو هلاكها.. ما تسببه العلاقة السامة من مشاكل عديدة منها ما هي جسدية، ومنها ما هي نفسيه.
فما هي المشاكل الجسدية؟
المشاكل المناعية: يمكنأن تتسبب العلاقات السامة بمرور الوقت في مشكلات المناعة الذاتية، مثل الالتهابات وآلام الجسم وانتفاخات الجلد.
ومن الممكن أن تسبب اضطرابات الجهاز التنفسي، وأمراض الجهاز الهضمي.
أمراض القلب وضغط الدم:فيدراسة طويلة الأمد اتبعت أكثر من 10 آلاف شخص لمدة تزيد عن 12 سنة اكتشف الباحثون أن الأشخاص الذين لديهم علاقات سلبية معرضون لخطر أكبر للإصابة بمشاكل في القلب، بما في ذلك حالة قلبية مميته.
مشاكل الجهاز الهضمي: غالبًاما يجد الأشخاص ذو العلاقات السيئة والسامة صعوبة في تناول أطعمة معينة، وهذا بسبب كل الإجهاد والكورتيزول والأدرينالين داخل الجسم.
شد في العضلات: يسبب الألم النفسي والعلاقة السلبية حدوث شد عضلي قد يسبب الألم ويحد من الحركة.
وما هي المشاكل النفسية؟
تسبب علاقات السامة والسلبية مشاكل نفسية عديدة منها العصبية الزائدة وقد تصل إلى عدم التحكم بها.
وعدم الثقة بالنفس فيكون الشخص غير قادر على الثقة بنفسه ولا بمن حوله.. ومن الممكن أن تسبب مشكلة في الكلام والنطق، فيراجع الشخص نفسه أكثر من عدة مرات قبل النطق بجملة.
قد يشعر الشخص برغبة من داخله بأن لديه نقصًا وغير مرغوب به، فيقوده هذا إلى الاكتئاب.
جميعنا نتساءل الآن عن الحل.. فهو بكل بساطة الهروب.. نعم هو الهروب من هذه العلاقات السامة والسلبية.. فماذا تنتظر الهلاك والموت؟ أم الشفقة التي لم ولن تحدث من الطرف الآخر؟
فهل بعد البعد عن هذه العلاقات ستختفي كل هذه الآثار والمشاكل.. بعد انتهاء العلاقة، قد يستغرق الأمر بعض الوقت لإعادة بناء العلاقة السليمة بين العقل والجسم، والتي تدمرت خلال العلاقة، واستعادة الصحة البدنية من جديد.
في كثير من الأحيان، تتلاشى الأعراض النفسية الناتجة عن وجود علاقة مسيئة عندما يغادر الناجي، ولكن في بعض الأحيان يمكن أن تستمر. فيختلف الأمر من شخص لآخر، ويعتمد على العمر، والصحة العامة، والمدة التي استغرقها في العلاقة المسيئة السامة.
ولكن لماذا من البداية الخوض في مثل هذه العلاقات؟ ولماذا لا ننجو بأنفسنا من البداية دون التأثر جسديًا ونفسيًا؟ وأخذ فترة من الزمن بعد هذا للعلاج واستعادة أنفسنا.
فقال الله في كتابه العزيز.. «وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ۛ وَأَحْسِنُوا ۛ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ».
فإذا كنا في علاقة سامة ولا نعرف فهذه هي الأعراض فنهرب سريعًا.. وإذا كنا بها ونعلم فالنجاة بالنفس قبل هلاكها.. وإذا كنا خرجنا من علاقة سامة ونعاني.. فالصبر لاستعادة النفس واستعادة الثقة بالنفس.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست