من منا لم يخطر على باله التحرر من قيود الحاضر و التحرك عبر الأزمنة براحةٍ تامةٍ؟

تخيل لو أنك قادر على التنقل بحرية بين الحضارة الفرعونية والبابلية والسومرية وبين حضارات أكثر تقدمًا في المستقبل؛ حيث الروبوتات أصبحت تغزو العالم وتقوم بدور الإنسان في كل الأعمال، وحيث الأرض استطاعت بلوغ السلام.

أو دعنا نتخيل شيئًا أكثر أهمية للواحد منا، مثلًا أنك قادر على العودة إلى صباك، مصححًا الأخطاء التي ما زلت تجني ثمارها اليوم و تعيش نتائجها، أو قادر على السير إلى الأمام لتنظر إلى نفسك تعيش في ترف الأحلام التي تسعى وراءها اليوم!

يسعدني أن أخبركم أن هذه التنقلات عبر الأزمنة ليست حكرًا على الخيال وعلى أفلام الخيال العلمي، بل هي واقع نظري في الفيزياء!

كيف ذلك؟

بادئ الأمر وجب الإشارة إلى أن الفيزياء لا تؤمن باختلاف الأزمنة بين الأمس والغد، بحيث قد يتباطأ ويتسارع الوقت حسب الحالة التي نعيشها، فالحلم الذي نشعر أنه يمضي بوتيرة طبيعية مهما كان طويلًا لا يتجاوز في الحقيقة أجزاءً من الثانية، والحزن الذي نشعر بوقته مديدًا، فإنه يسير وفق سيرورة وقت طبيعية جدًا، يقول عالم الفيزياء أينشتاين في هذا الصدد: «الزمن مجرد وهم، حتى لو كان هذا الوهم متكررًا».

و ينشأ اختلاف الوقت حسب التشوهات التي يحدثها كوكبنا في نسيج الزمكان؛ إن الكون بغض النظر عما يشمله من كواكب و نجوم ومجرات، هو عبارة عن نسيج وهمي ذو بعدين فقط، كقطعة قماش مفروشة، البعد الأول فيه هو الأبعاد المكانية الثلاثة (الطول و العرض والارتفاع)، أما البعد الثاني هو بعد الزمن، و أن كل كوكب وُضِع في هذا النسيج الوهمي، أنتج انحاءً فيه، وكلما كانت كتلة هذا الكوكب أكبر كلما زادت جاذبيته وأحنى النسيج أكثر وبالتالي سارع الزمن أكثر.

لابد أنك سمعت بفكرة التوأم، أي أنه إذا كان لك توأم رائد فضاء وسافر في يوم ما إلى الفضاء الشاسع، ربما إلى مجرة أخرى – على سبيل المثال – وبقيت أنت في الأرض، فإن الزمن لديك يمر أسرع مما يمر لديه، فلنفترض أن توأمك غاب طويلًا وانتظرته كثيرًا حتى انكمش جلدك وتساقط شعرك بفعل الشيخوخة وأصبحت في سن متقدم جدًّا، فعاد هو، الصدمة أنه سيكون شابًا كما انطلق أو ربما كبر بضع أشهر فقط، وذلك لأنه لم يتعرض لانحناءات نسيج الزمكان التي تفرضها عليه الأرض مثلك.

حسنًا لنعد إلى موضوعنا الأساسي، نريد التخلص من قيود هذا النسيج، وقد أعطتنا الفيزياء هذا الأمل ولو لم يتم تطبيقه إلى اليوم إلا نظريًّا ورياضيًّا.

إن النظرية النسبية لأينشتاين تفسر ظاهرة التمدد الزمني، وهي التحرك بسرعة كبيرة جدًّا مما يعمل على انحناءات أكبر لنسيج الزمكان، ولو أنه يهدد مبدئيًّا مبدأ السببية وتفتح مجموعة من المفارقات، إلا أن العلوم تحاول إيجاد شتى الوسائل للتنقل الزمني.

من بين أنواع الثقوب السوداء العديدة التي نعرفها والتي تتسم بغموضها بين صفوف العلماء، حتى إنه لم يتم التقاط صورة لها حتى أواخر سنة 2019، هناك نوع يدور حول نفسه، وهو جسم صغير يتسبب بفعل دورانه وسرعته في تحريك نسيج الزمكان في اتجاه دورانه، مما يؤدي إلى تشكل مسارات شبه مغلقة للوقت، قد تأخذنا نحو زمن آخر.

و كذلك فإن العالم كورت غودل، الذي صاحب أينشتاين فترة من عمره وأكثر مَن فهم نظرية النسبية، حدث أن شكك فيها على اعتبار وجود كون آخر مثل كوننا، و لكن خصائصه تختلف عن هذا الكون، حيث إنه لا نهائي ولا يتمدد، كما إنه قادر على الدوران حول نفسه مما يسهم في كونه قادرًا على إيجاد أفق يمكننا من الانتقال بين الأزمنة.

و لا ننسى ذكر العالم فانستوكوم، الذي افترض وجود أسطوانة ضخمة، في مكان ما في هذا الكون، التي تدور حول محورها بسرعة تقارب سرعة الضوء، فتقوم بسحب الزمكان حولها وتنهي مسارات محددة في الماضي الخاص بها.

و أخيرًا فالثقب الدودي، يعد من أكثر الاحتمالات إمكانية في السفر عبر الزمن.

فما هو هذا الثقب إذن؟

هو نفق به طريق مختصر، بين موقعين بعيدين في الزمكان، هذا الثقب يمكن أن يأخذك إلى عالمٍ موازٍ حيث المستقبل أو الماضي، تخيل أن الكون هو ورقة مسطحة قمنا بثنيها نصفين، وأخذنا طرفيها مع بعضهما، هكذا تقوم الثقوب الدودية بنقلنا عبر الأزمنة.

«شخصيًّا أعتقد أنه سنتمكن يومًا ما من السفر عبر الزمن لأننا عندما نجد أن شيئًا ما غير محظور حسب قوانين الفيزياء، فإننا عادةً ما نجد في النهاية طريقة تكنولوجية للوصول إليه!» (ديفيد دويتش)

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

تحميل المزيد