“دهب .. ياقوت .. مرجان ..أحمدك يا رب”
تبدو هذه العبارة الفلكلورية الشهيرة هي الأقدر حاليا على وصف لسان حال الصيني جاك م.
“جاك ما هو” رجل الأعمال الصيني الذي كان يعمل مدرسًا للغة الإنجليزية وفشل في دخول الجامعة مرتين ورفضت العديد من الشركات استعماله مما دفعه إلى السفر إلى أمريكا حيث احترف التعامل مع الإنترنت ثم عاد مرة أخرى إلى الصين ليؤسس عام ١٩٩٩ شركة للتبادل التجاري عبر الإنترنت لتكون باكورة إمبراطورية علي بابا الصينية التي تقدم كل شيء على الإنترنت للسوق الصيني من خدمات الأعمال الإلكترونية إلى تجارة التجزئة الإلكترونية ومحركات البحث وتملك حصصًا في العديد من المواقع الصينية مثل التويتر الصيني سينا ويبو واليوتيوب الصيني يوكو تودو.
و من خلال منصاته الثلاث الرئيسية (تي موال وهو النظير الصيني للموقع الأمريكي أمازون وتاباو المشابه لموقع إي باي الأمريكي والثالثة هي علي بابا دوت كوم والتي تربط مصدري المنتجات الصينية بآلاف العملاء حول العالم) سيطر علي بابا على أكثر من ٨٠٪ من التجارة الإلكترونية الصينية، وحققت الشركة أرباحًا في الربع الأول من هذا العام ١,٩٩ مليار دولار.
و في سعيها الدؤوب للنمو والانتشار حول العالم قررت الشركة طرح أسهمها في بورصة نيويورك إحدى مغارات الأموال العالمية لتؤمن لنفسها قدرًا من المال يساعدها على تنفيذ استراتيجيتها لدخول السوق الأمريكي.
وجاء الطرح العام الأول لأسهم علي بابا للتجارة عبر الإنترنت في بورصة نيويورك لتداول الأسهم والأوراق المالية مدويًا ومتخطيًا كل الأرقام القياسية، حيث استطاعت في يوم واحد من رفع قيمتها السوقية من ١٦٨ مليار عند الطرح إلى ٢٣١ مليار دولار متجاوزة عملاق التقنية فيسبوك ٢٠٢ مليار دولار ومتجاورة قيمتي أمازون وإي باي مجتمعتين واستطاعت الشركة جمع ٢١,١ مليار دولار لتصل إلى أعلى طرح عام أول في تاريخ أمريكا كاسرة رقم فيزا والتي جمعت ١٩,٧ مليار دولار عندما اكتتبت على أسهمها عام ٢٠٠٨.
و في ظل إقبال شديد من المستثمرين على الأسهم قرر متعهدو التغطية اللجوء إلى اختيار طرح أسهم إضافية للتداول كانت هذه الأسهم مقسمة بين علي بابا نفسها وياهو الأمريكية أحد المستثمرين الرئيسين في مجموعة علي بابا لتصل حصيلة الاكتتاب في النهاية إلى ٢٥ مليار دولار ليصبح الطرح العام الأول الأعلى في تاريخ جميع أسواق المال العالمية، متخطيًا الرقم السابق عندما جمع البنك الزراعي الصيني ٢٢,١ مليار دولار عند اكتتابه في بورصتي هونج كونج وشانغهاي عام ٢٠١٠.
المستفيدون
1- حققت مجموعة شركات علي بابا ما كانت تصبو إليه من الطرح وجمعت قدرًا هائلا من المال يترقب الجميع ليرى كيف ستستثمره علي بابا وكيف ستنفذ خططها المستقبلية للتوسع، قبل الطرح لم يكن أحد في أمريكا يسمع بشركات علي بابا الآن وبعد هذه الدوي الإعلامي الذي صاحب الطرح أصبح الاسم على كل لسان مما أعطاها دفعة قوية في ظل المنافسة المتوقعة مع عمالقة السوق الأمريكي أمازون وإي باي.
2- “جاك ما” مؤسس المجموعة ورئيسها التنفيذي السابق والذي يملك ٩٪ من أسهمها أصبح هذا الأسبوع الرجل الأغنى في الصين بثروة تزيد على ٢١ مليار دولار.
3- ياهو عملاق التقنية الأمريكي والذي كان يملك ٢٢٪ من أسهم علي بابا ويعد من المستثمرين الكبار في الشركة الصينية منذ عام ٢٠٠٥ عندما استثمرت ياهو مليار دولار في الشركة، وقد جنت ياهو ٥ مليار دولار خلال الطرح نتيجة بيعها جزءًا يسيرًا من أسهمها لتكتفي بنسبة ١٦٪ من أسهم الشركة التي كان الاكتتاب عليها إيجابيا في صالح ياهو إذا ساهم في دفع أسهم ياهو للزيادة بنسبة ٢٠٪ خلال الأشهر الماضية لكن ما يخشاه المستثمرون في أسهم ياهو أن اسهمها ستتأثر سلبًا وإيجابًا على حسب أنشطة علي بابا بما أنها أحد المساهمين الكبار.
صناعة الإنترنت
هيمنت الشركات الأمريكية طوال السنوات الماضية على صناعة الإنترنت والتجارة الإلكترونية عبره، لكن من الملاحظ في السنوات الأخيرة بدء ظهور شركات عملاقة من دول أخرى لاسيما الأسواق الناشئة، وأظهرت التقارير أن الشركات الصينية المسجلة في السوق الأمريكي حققت نموًا بلغ ٣٣٪ بينما حققت الشركات الأمريكية ٢٠٪ فقط.
نجاح علي بابا ومن على شاكلتها من الشركات نتج بالأساس من تغير طبيعة إنفاق المستهلكين في الصين والأسواق الناشئة، مما يعني أن المستهلكين في هذه الأسواق قد يكون لهم الغلبة في تحديد شكل منتجات الإنترنت في المستقبل القريب في ظل ضعف الإنفاق والتوظيف في الاقتصاديات الكبرى مثل الولايات المتحدة وأوروبا.
تساؤل: أين نحن من هذا كله؟
أين الإستفادة من تجارب الدول التي صدعوا بها أدمغتنا؟
أين هؤلاء الخبراء ليتعلموا من مدرس الإنجليزي النحيل الذي أصبح علي بابا العصر الذي غزا مغارة نيويورك؟
فأوصل شركته لتكون قيمتها حاليًا ١,٥ تريليون جنيهًا مصريًا.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست