اعتاد النظام أن يلقي في الإعلام مواد تصل إلى حد السخرية الشديدة يرى البعض أنها مقصودة كان آخر تلك المواد ما قاله د. مجدي نزيه رئيس قسم التثقيف الغذائي بالمعهد القومي للتغذية خلال استضافته بأحد البرامج مع الإعلامي «محمود سعد» إن الشلولو وهو أكلة مصرية قديمة من أكفأ مدعمات المناعة ومن أكفأ مضادات الكورونا وغير الكورونا، وهو ما تبعه وصلة من السخرية على مواقع التواصل الاجتماعي ودفع منظمة الصحة العالمية أن تنشر على موقعها أنه لا يوجد أي دليل حتى الآن حول دور الأطعمة الصحية في محاربة الفيروس الجديد «فيروس كورونا»، نافية صحة ما يتردد عن مساهمة الثوم في القضاء على هذا الفيروس، حيث يحتوي على خصائص مضادة للميكروبات فقط.

ليست هذه المرة الأولى، فهناك حادثة أكثر شهرة في أواخر عام 2014 م للواء المصري إبراهيم عبد العاطي عندما أعلن عن جهاز وهمي يعالج التهاب الكبد الوبائي ومرض نقص المناعة الإيدز، وقد أُعلن ذلك في مؤتمر للهيئة العامة للقوات المسلحة وغير ذلك من المواد المكثفة شبه اليومية في الإعلام المصري ومن رجال الدولة والسياسيين وفي المقابل يتلقى معارضي النظام هذه المواد بالسخرية والتندر على مواقع التواصل الاجتماعي وفي البرامج الساخرة على «يوتيوب».

والسؤال الصعب هنا كيف نتناول هذه المواد بحيث تكون ذات تأثير إيجابي يساهم في تعرية النظام ومظهرًا من مظاهر الرفض والاحتجاج ولا تكون سلاحًا موجهًا ضد الثورة وقد أصبح التناول الساخر للقضايا جزءًا من حياة المصريين ومحل فكاهتهم ومرحهم؟

في البداية إن التناول الساخر بالنسبة للمصريين قديم يرجع لعهد الفراعنة، حيث قال أحد علماء الآثار أن المصريين اعتادوا على استخدام الدعابة للتعبير عن حياتهم الاجتماعية والسياسية وقد ظهر ذلك على جدران المعابد حيث امتلأت بالصور المعبرة عن الفكاهة والسخرية وقد رسم المصريون الكاريكاتير للتعبير عن صراع الملك والشعب وشبهوها بصراع بين القط والفأر حيث يدور ملك الفئران على عجلة حربية تقودها كلبتان، ويهجم على حصن تحرسه القطط، وذلك إشارة إلى قوة الشعب في وجه الحاكم المستبد.

يقول نعوم تشومسكي المفكر الأمريكي الشهير في كتابه ( الإستراتيجيات العشر لخداع الجماهير) إستراتيجية الإلهاء هو عنصر أساسي لخداع الجماهير حيث تحول الرأي العام عن الانتباه للمشكلات الرئيسة، والقضايا الاجتماعية، والسياسية، والاقتصادية الهامة والتغيرات التي تقرها النخب يتم ذلك من خلال المعلومات التافهة وذلك لمنع العامة من الاهتمام بالعلوم والقضايا الضرورية فيحافظ بذلك النظام على التشتت والانشغال الدائم للجماهير فلا يكون له وقت للتفكير.

يقال أيضًا أن اللجوء إلي السخرية حيلة الضعفاء ويساهم في تسطيح القضايا والتحايل على الهموم والمشكلات، بالإضافة إلى أنه يصرف بعض الجماهير عن الإنصات في هذه الطريقة من التناول حيث يشعرون معها أنها تنال من بلدهم، وليس من النظام الحاكم فقط، وخاصة عندما يبالغ المعارضين في تناول القضايا، كما أنها تخرج عن الذوق العام أحيانًا؛ مما يفسد أخلاق الجماهير

كما أنها تكون أحيانًا وسيلة النظام للتنفيس عن غضب وإحباط الناس من الأوضاع السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية السيئة.

في الجانب الآخر لا ننكر الجوانب الإيجابية للسوشيال ميديا عامة، والجانب الساخر منها، خاصة في تعرية النظام والكشف عن الحقائق وإيصال المعلومة إلى المواطن البسيط وصولًا إلى المؤيد للنظام؛ مما دفع السيسي في أكثر من مناسبة لمهاجمتها واتهامها بأنها سبب التوتر في الشرق الأوسط على حد زعمه واعترف أنه لا سبيل لأية محاولة لمواجهتها أو منعها.

ويظهر فاعلية التناول الساخر أيضًا في أنه عنوان للرفض والاحتجاج يتجاوز به الشحن النفسي للنقد الجاد المحاط بكثير من الحساسيات فتلقى قبولًا لكثير من غير المستعدين للجدية في النظر للقضايا فتصبح آلية للوعي وحلًا أمثل لمعالجة قضايا الناس السياسية والاجتماعية ولفت الانتباه والتفاعل مع الشأن العام.

في النهاية التناول الساخر سلاح ذو حدين ولكي يكون له فاعلية إيجابية يجب أن يكون له هدف بحيث يشحن الجماهير للثورة على الاستبداد ولا يكون سببًا للشعور بالضياع والتشتت وتصل إلى الحد الذي يبدو فيه وكأن الشعب يسخر من نفسه أو أن تكون أداة للنظام، وذلك يحتاج إلى قيادة للجماهير المعارضة في ظني أيضًا.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

علامات

سلاح, علاج
عرض التعليقات
تحميل المزيد