تعد الشرعية صفة أيَّ نظام مؤسس على مرتكزات قانونية أو أخلاقية أو قيمية ينعقد حولها إجماع مجموعةٍ معينة أو أغلب أفرادها نظرًا لما يجمع بينهم من تلك الأسس، وما توفره من إنصاف وعدالة في تنظيم المعاملات بينهم وحماية حدودٍ دنيا من الحقوق لكل واحدٍ منهم.

لو سألت أي الكلمات التي تبدو أكثر غرابة في الشأن الأمريكي لكانت الشرعية هي لا غيرها، رغم أن كل الذي جرى في الولايات المتحدة الأمريكية كان باسمها.

لو سألت من الذي استدعى حشودًا من المتظاهرين يوم أمس لمبنى الكونجرس، وذلك لشل التصديق على نتائج الانتخابات، وإعلانها مزورة؟ لكان الجواب هو الرئيس دونالد ترامب الذي كان أوفر شرعية قبل جائحة كورونا منه بعدها، والأسوأ أنه لم يعد يعلم أنه يملك من الأمر شيئًا بعد التصديق على نتائج الانتخابات.

والكل يعلم أن النظام الرئاسي الأمريكي الذي يعرف فصلًا جامدًا بين السلط فإن الرئيس له صلاحية إيفاد نائبه إلى الكونجرس من أجل الاعتراف على النتيجة الانتخابية.

وقد حدث أن أرسله ترامب، لكنه لم يحذُ حذو فكره، بل ضده حيث صدق هو الآخر على النتيجة.  وبهذا المعنى فإن الشرعية كما تكشف للأمريكيين، وخاصة المشرعين منهم مثلث الفضاء الشرعي لفعل ما هو غير شرعي في أمريكا. فدونالد ترامب ليس كما تشير الوقائع منشغل لجعل أمريكا قوية قدر انشغاله بعدم الخروج من البيت الأبيض، بل إن مجلس الشيوخ الذي يضم أغلبية جمهورية والذين ظن أنهم منجدوه، وخصوصًا نائبه مايك بنس صاروا أصعب منالًا على الرئيس ترامب بعدما صدقوا على نتائج الانتخابات. فالاحتجاجات واقتحام المبنى التشريعي العريق الولايات المتحدة الأمريكية في سابقة من نوعها لم تعد لها علاقة بالشرعية وهو ما يجعل تلك الاحتجاجات وصفًا غير ذي معنى. فقد تكفلت أحداث الكونجرس ببيان أن ترامب وأنصاره هم أنفسهم الذين يضعفونها، حيث لا يبقى منها إلا الرمزية لاستمرار دونالد ترامب في البيت الأبيض، أو على الأقل لإفساد فرحة الديمقراطيين بالفوز بالرئاسة.

على خلاف الفترات السابقة من تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية حيث يكون تسليم السلطة بلا بهرجة ولا انتقادات هنا وهناك.

وحيث إن ترامب ما زال يتمتع بكامل صلاحياته كرئيس إلى يوم العشرين من يناير (كانون الثاني)، أي يوم تسليم السلطة لخلفه جو بايدن. ومن هنا يتحقق أن لا شيء لدى ترامب يساوي الرغبة في حيازة السلطة إلا الخوف من فقدانها. فترامب أفسد على الديمقراطيين فرحهم بالفوز بالرئاسة بكثير جداله حول نزاهتها، بداية بالطعون في الانتخابات ومرورًا بإعادة الفرز وانتهاءًا بالاتهام بالتزوير. حيث كان ترامب عبّر في مناسبات عدة عن حقه القانوني الأصيل في منح نفسه العفو أي التحصين من المساءلة القانونية لما قد ينتج من دعاوى بعد تركه منصب الرئاسة. أكثر من هذا أنه استخدم هذا الحق حتى لبعض أبنائه وأصهاره.

وهنا حذا حذو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في قانونه الجديد حول  الحصانة مدى الحياة ولجميع الرؤساء السابقين، بل حتى عائلاتهم مما قد اقترفته أيديهم من فساد. وهذا الولع الذي لم تسلم منه الديمقراطيات الراشدة، خصوصًا الولايات المتحدة الأمريكية حيث استعمله ترامب أيام محاكمته البرلمانية لعزله. وهذا على عكس أوروبا التي تنعدم فيها حصانات فلا حصانات لوزارئها ولا لرؤسائها السابقين، سواء كانوا في السلطة أو خارجها، ولأنهم مواطنون طبيعيون فالحصانة في نظرهم هي نقيض المساءلة، وهي ما يلوح بها الرئيس المغدر للبيت الأبيض دونالد ترامب.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

عرض التعليقات
تحميل المزيد