كتب داني زاكن (Danny Zaken)، وهو صحافي يعمل لمحطة راديو الشعب الإسرائيلي (كل إسرائيل)، في موقع المونيتور Al-Monitor المهتم بقضايا «الشرق الأوسط»، أن بنيامين نتانياهو مازَحَ وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو Mike Pompeo في زيارته الأخيرة للقدس في 21 مارس (آذار) 2019 قائلًا: «آخر زيارة للقدس لرجل يُسمى بومبيو، لم تنته على خير». وكان نتانياهو يقصد التشابه الكبير بين اسم الوزير الأمريكي واسم القائد الروماني العسكري بومبي العظيم Pompey the Great والفرق الجذري في دواعي الزيارة، فقد احتل بومبي الروماني القدس عام 63 قبل الميلاد ما أنهى الاستقلال اليهودي، ولذلك قال إن زيارته: «لم تنته على خير»، أما زيارة بومبيو الأمريكي فقد حملت الكثير من هدايا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التي لا تقدر بثمن لإسرائيل.
أما الهدية الأولى فكانت دعمًا قويًّا لبنيامين نتانياهو في الانتخابات الإسرائيلية، التي ستُجرى في 9 أبريل (نيسان) 2019، أي بعد أقل من ثلاثة أسابيع من زيارة بومبيو. ذلك أن الزيارة تؤكد دعم الولايات المتحدة الأمريكية القوي لحزب الليكود – من الملاحظ أن بومبيو لم يجتمع بأي من معارضي نتانياهو. وربما هذا الدعم الانتخابي، حسب كاتب المقال داني زاكن في المونيتور Al-Monitorـ دعمًا متبادلًا، فنتانياهو سيزور واشنطن بعد أربعة أيام فقط من زيارة الوزير الأمريكي ليقدم الدعم اليهودي للرئيس ترامب المحاصر بتقرير مولر عن تدخل روسيا في انتخابه عام 2016!
ثاني الهدايا القيّمة كانت وعدًا باعتراف الرئيس ترامب بحق «إسرائيل» في ضم مرتفعات الجولان السورية المحتلة منذ عام 1967. وفعلًا غرّد ترامب بعد سويعات بأنه حان الوقت للولايات المتحدة لتعترف بشكل كامل بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان، ذات الأهمية الاستراتيجية والأمنية لدولة إسرائيل والاستقرار الإقليمي!
«بعد 52 عامًا، حان الوقت للولايات المتحدة لتعترف بشكل كامل بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان، ذات الأهمية الأمنية والاستراتيجية لدولة إسرائيل وللاستقرار الإقليمي».
https://twitter.com/realDonaldTrump/status/1108772952814899200
وقبل أيام فقط وأثناء زيارة نتنياهو لواشنطن في 25 مارس 2019 نفّذ الرئيس الأمريكي ترامب وعده في التغريدة السابقة، ووقّع مرسومًا يعترف فيه بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان السورية المحتلة.
على أن أهم الهدايا على الإطلاق ربما لم تكن واضحة للرأي العام المحلي والعالمي، ولكن من الممكن أن بعضهم فهمها من سياق الأحداث، منذ أن أصبح دونالد ترامب رئيسًا لأمريكا، وتعيين زوج ابنته إيفانكا اليهودي جاريد كوشنر مستشارًا للرئيس في البيت الأبيض. ويمكن للبعض أن يستنتج من الأحداث الأخيرة، بما فيها الضجة حول تدخل بوتين لمساعدة ترامب في الانتخابات الرئاسية عام 2016 – التدخل الذي فشل المحقق الأمريكي مولر في إثباته- أن ترامب وبوتين ضد مخطط الأوليغارشية العالمية لإقامة حكومة عالمية واحدة، بعد القضاء على المعارضين، وخصوصًا روسيا والصين. وهذا ما أسعد اليهود الذين يخططون لإقامة مملكتهم على كامل الكرة الأرضية واستعباد «الوثنيين»؛ غير اليهود.
https://www.sasapost.com/opinion/will-electing-trump-disrupt-establishing-the-nwo/
وقبل الخوض في كنه الهدية الأعظم التي قد يقدمها ترامب لبني إسرائيل إن استطاع، لا بد من الإشارة إلى مسألة في صلب عقيدة اليهود، وهي مبدأ الفادي أو المخلص Messiah The الذي «يرسله» الله لهم كلما كانوا في ضيق ليفرّج كربهم. أما إن كانوا في سعة من أحوالهم، فيرسله لينمّي هذه الأحوال ويجعلها تزدهر أكثر. وبالرغم من أن عددًا من أنبياء بني إسرائيل لم يذكروا «المخلص» في التوراة، بل ذُكر أن سليلًا للملك داوود سينشئ عصرًا ينعم بالسلام والازدهار. فإن موسى بن ميمون Maimonides (1135-1204) فقيه التوراة والفيلسوف اليهودي جعل الإيمان بالمخلص أحد المبادئ الثلاثة عشر للإيمان.
أما الهدية فهي أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، زعيم الإمبراطورية الأقوى على وجه الأرض حاليًا، ربما سيكون، بل إنهم يعملون بكل دهاء ليكون «المخلّص Messiah «لبني إسرائيل في هذا العصر! خصوصًا أن موسى بن ميمون أكد أن «المخلّص» قد يكون «حاكمًا سياسيًّا» يموت ويخلفه ابنه. ولنلاحظ التعبير «حاكمًا سياسيًّا «Political ruler! وكلمة Messiah مشتقة من الكلمة العبرية Mashah وتعني الدهن بالزيت، وربما يكون المدهون بالزيت هو الشخص «المبارَك». أما المعنى التوراتي فهو ملك أو قديس له هدف إلهي. وللتأكيد فإن الآية 1 في الإصحاح 45 من سفر اشعياء تقول: «هكذا يقول الرب لمسيحه، لكورش الذي أمسكت بيمينه لادوس أمامه أمما، واحقاء ملوك أحلُّ، لأفتح أمامه المصراعين والأبواب لا تغلق»، وتفسير عبارة «لمسيحه، لكورش» هو أن ملوك اليهود كانوا يُمسَحون بزيت مقدس، وهذه هي المرة الوحيدة التي نسمع فيها عن مسح ملِك أممي – غير يهودي- والمقصود هو كورش ملك فارس؛ لأنه رمز للمسيح. وهذا لا يعني أن أحدًا مسح كورش بالزيت المقدس، ولكن هذا يعنى أنه مكلف برسالة وعمل من قبل الله. أي إن الله سخّره لإعادة بني إسرائيل من السبي البابلي إلى فلسطين ليبنوا هيكلهم. وهذه الآية ربما تُربك من يظنون أن «إسرائيل» وأمريكا سيحاربان إيران الفارسية! فقد يكون من العسير عليهم قتل أو حتى إذلال أحفاد من كان مخلصهم Messiah من السبي البابلي، ومن أعادهم إلى مطمعهم على مر القرون – فلسطين!
https://www.nbcnews.com/news/us-news/pompeo-suggests-god-sent-trump-save-israel-n986136
ليس اليهود وحدهم من يريد السيطرة على القدس لتكون عاصمة «مملكتهم الإلهية»، بل إن لدى المسيحيين الإنجيليين الرغبة نفسها لجعل القدس عاصمة لحكومة السيد المسيح بعد مجيئه الثاني. وربما أدى ترامب واجبه الديني كمسيحي إنجيلي واعترف – كرئيس أقوى امبراطورية في العالم– بالقدس عاصمة لدولة إسرائيل بالتأكيد تمهيدًا لسيطرة اليهود على العالم – حسب تفكير اليهود، ولا ندري إن كان ترامب مع هذا التوجه أم مع أن تكون القدس عاصمة حكومة السيد المسيح وينتصر المسيحيون الإنجيليون في نهاية المطاف، بعد أن يأتي اليهود من كل أصقاع الأرض إلى فلسطين ويعتنقون المسيحية، وعندها يعم السلام والرخاء الأرض كما يزعمون! من سيغدر بالآخر لإقامة «مملكة الله»؟ أم أن الأمور ستسلك منحىً آخر، وتذهب أضغاث الأحلام هذه أدراج الرياح بخسارة الطرفين لأمانيهم!
وهناك أمر جدير بالاهتمام، وهو أن علاقة دونالد ترامب مع الرئيس الروسي علاقة مشبوهة، ولكن لا أحد يدري ماهيتها، والوسيط الذي كان يرتب تلك العلاقة – كما أرى- هو بنيامين نتنياهو، الذي زار موسكو زيارتين معلنتين إبان الانتخابات الأمريكية، ولا ندري إن كانت هناك زيارات سرية. وواضح جدًّا أن نتنياهو صديق حميم للرئيسين! والديمقراطيون كانوا على ثقة من هذه العلاقة بين الرئيسين، وظنوا أن المحقق مولر سيكتشفها، ولكن خبث الصهاينة وتغلغلهم في كل مناحي الحياة السياسية، والأمنية، والقانونية في أمريكا سدّ، على ما يبدو، كل منافذ الحقيقة أثناء تحقيقات مولر. مما قد يسبب الخطوة التالية لترامب!
فالرئيس دونالد ترامب ربما يقلب الطاولة على رؤوس الجميع؛ فهو يرى أن الرئيس الروسي بوتين ليس أفضل منه، وهو الذي عدل الدستور ليحكم روسيا حتى الممات، والرئيس الصيني هو الآخر ليس أحسن من ترامب، والذي عدّل الدستور ليحكم ما بقي على قيد الحياة. ناهيك عن بقية الطغاة، وهذا ما سيتم للرئيس الأمريكي دونالد ترامب قانونيًّا؛ إذ ستخرج المظاهرات الحاشدة تأييدًا له لما حققه من تقدم على المستوى الاقتصادي والمعيشي للأمريكان، وما حققه لليهود من أحلام انتظروها طويلًا، وخصوصًا فيما يخص القدس والجولان، أو بانقلاب أبيض! فلنحسب كم من السنين يمكن لترامب أن يعيش؟!
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست