10 سنوات مرت على بداية الثورة التونسية؛ لم يكن التغيير السياسي مطلبًا أساسيًّا في أول أيام الثور؛ فأولئك الذين خرجوا للاحتجاج أول مرة كانوا يحتجون ضد الفقر والبطالة، والتهميش الاقتصادي، وانعدام التنمية، وغياب العدل الاجتماعي. وتواصل الأمر إلى أن تنامت التحركات وتصاعدت وتيرة الغضب الشعبي. حينها انضمت النخب السياسية ونشطاء المجتمع المدني؛ فارتفع سقف المطالب وأصبح الناس ينادون بإسقاط النظام ورحيل الديكتاتور.
اليوم، ربما تعد تونس قصة النجاح الوحيدة للربيع العربي. فقد رحل الطاغية وسقط حزب التجمع الدستوري، وتنفس الجميع الحرية المنشودة. لكن، هل تحققت أهداف الثورة؟ أو على الأقل، هل هناك إرادة سياسية فعلية لتحقيقها؟
ما أهداف الثورة أولًا؟«شغل، حرية، كرامة وطنية»، هكذا ردد الشعب التونسي خلال المظاهرات الاحتجاجية الأولى لكن إلى اليوم، لم ير الشارع التونسي من هذه المطالب سوى بعض الفتات هنا وهناك. ونتيجة لفشل الحكومات المتعاقبة في تحقيق هذه الأهداف، بل لاستماتة الأحزاب الحاكمة في خدمة مصالحها الضيقة وتعايشها مع الفساد، ووفاقها النفعي مع رؤوس اقتصاد الريع، ازداد الغضب الشعبي وارتفع اليأس العام وصار من الواضح أن الحرية السياسية ليست كافية لتعزيز الديمقراطية الوليدة في تونس.
شغل
بالنسبة للمطالب الاقتصادية، لم يقتصر فشل الدولة في العشر سنوات الأخيرة على عدم قدرتها على توفير الوظائف الحكومية فقط. بل عجزت حكومات ما بعد الثورة على توفير المناخ المناسب للاستثمار والمبادرة الحرة ويرجع ذلك أساسًا لارتهان الأحزاب المشرعة الكبرى لجهات احتكارية تتحكم في السوق وتقصي كل ما من شأنه أن يتقاطع مع مصالح اقتصاد الريع المتغول في تونس.
علاوة على ذلك، فإن الفساد المستشري والبيروقراطية المركزية يساهمان إلى اليوم وبشكل كبير في قطع الطريق أمام الازدهار الاقتصادي وتوفير فرص العمل.
حرية
باستطاعة التونسيين اليوم انتقاد الحزب الحاكم، الصحافة حرة نوعًا ما، الانتخابات مباشرة وشفافة. لكن، كم من مواطن يجري إيقافه بسبب تدوينة على مواقع التواصل الإجتماعي؟ كم من انتهاك لحقوق الإنسان يرتكب في حق مواطنين عزَّل من طرف قوات الأمن وغيرها؟ كم من وسيلة إعلام خاضعة للمال الفاسد ولابتزازات الأحزاب؟
كان نظام ابن علي من أكثر الأنظمة القمعية في العالم العربي وأشدها وحشية تجاه معارضيه، والواضح حاليًا أن تونس سلكت شوطًا مهمًّا في تحقيق المطالب الشعبية المنادية بالحرية والقطع مع الاستبداد، لكن البلاد لم تصل إلى بر الأمان بعد. فقد شهدنا صعود شعبية بعض الأطراف الفاشية وريثة الحزب التجمعي المنحل، وظهور دعوات مباشرة وغير مباشرة لتكريس القمع ومبدأ الإفلات من العقاب، مثل، سيئ الذكر، مشروع قانون زجر الاعتداء على القوات الحاملة للسلاح، الذي لولا نضالات المجتمع المدني والقوى الديمقراطية لصار حيز التنفيذ.
كرامة وطنية
لم يُترجم التقدم السياسي في العشرية الأخيرة إلى تحسين سبل العيش للمواطنين. فالقضايا التي من شأنها أن تحقق الكرامة في صفوف الشعب مثل: العدالة الاجتماعية، وتوفير تعليم ذي جودة، وصحة عمومية محترمة، وبنية تحتية جيدة؛ إما فشلت في التحسن وإما ساءت بالفعل.
وهذا يفسر كمية الاحتقان الشعبي وانتشار الغضب واليأس لدى التونسيين. للحفاظ على الانتقال في تونس وتوجيهه للمسار الصحيح، يجب على الحكومة أن تعترف بإحباط التونسيين ويأسهم، وأن تعالج المطالب الاجتماعية والاقتصادية المعلقة للثورة. يجب أن تطرح على الفور رؤية جديدة وواضحة لمقاومة الفساد وتفكيك الاقتصاد الريعي. كما ينبغي الشروع في إنشاء المحكمة الدستورية، فبدونها، هناك فجوة خطيرة في النظام الديمقراطي في البلاد، حيث لا يوجد ضامن فعال لحقوق الإنسان وتوازن القوى والسيادة الدستورية.
10 سنوات مرت على بداية الثورة التونسية، لكنها ما زالت مستمرة.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست