مثلت المرأة التونسية وما زالت موضوع اهتمام لكل المشتغلين في حقل العلوم السياسية والإنسانية والاجتماعية، حيث كانت هذه المرأة بمثابة النواة الأولى التي ساهمت في بناء مجتمع حديث متماسك ومترابط.

لقد شاركت المرأة التونسية في محطات نضالية مختلفة قبل وبعد الاستقلال في 20 مارس 1956، إذ كانت نساء تونس في طليعة النضال المسلح خلال الخمسينيات ضد المستعمر الفرنسي، وواصلن مسيرتهن التحررية بعد 1956.

ويندرج مقالنا هذا ضمن رد الاعتبار للمرأة التونسية التي ساهمت بصفة فعلية في بناء مجتمع مع كل ما يعرقل حداثته. كما يسعى بحثنا رغم الصعوبات التي تعترضنا إلى تسليط الضوء على إشكالية سوسيولوجية وسياسية تتمثل أساسًا في محاولة إنصاف المرأة التونسية ورد الاعتبار لها. كما تجدر الإشارة في هذا السياق أن هذه المرأة طالما تم إقصاؤها في البداية من تاريخ الحركة الوطنية، حيث وقع تهميش بعضهن في كتابة تاريخ تونس المعاصر، ولعل أهم هذه النساء نذكر شادلية بوزقرو بنت أخت الزعيم الحبيب بورقيبة.

لكن قبل الشروع في ذلك لا بد من إضفاء مزيد من الدقة حول بعض المصطلحات والمفردات في مقالنا. بادئ ذي بدء لا بد من إضفاء الدقة على مصطلح «نضال» والذي يعني مخيلة التونسي حمل السلاح إما لحماية الوطن من الأخطار الخارجية وإما لتحرير وطن ما من قيد الاستعمار. في مقالنا هذا فإن المقصود من لفظ «نضال» لا يعني فقط نضال المرأة التونسية ضد المستعمر وإنما المقصود من ذلك نضال المرأة التونسية بعد تحقيق الاستقلال ودورها في الرقي بمجتمعها.

أما مصطلح مكاسب فنعني به ما حققته نساء تونس من إنجازات طيلة مسيرتهن النضال من الفترة الاستعمارية إلى اليوم. وأن رصد المحطات النضالية للمرأة قد يجرنا إلى الوقوع في التعميم، وعلى هذا الأساس وقع حصر مجال البحث في البلاد التونسية.

أما الإطار الزمني فيخص أساس فترة اندلاع المقاومة المسلحة ضد الاستعمار الفرنسي، وكذلك الفترة التي تلت الاستقلال وهي بداية محطة نضالية ثانية للمرأة التونسية.

وتتركز الإشكالية التي وجهت إلى هذا البحث على رصد مشاركة المرأة في محاربة الاستعمار الفرنسي، يعني أي دور لعبته المرأة في المقاومة المسلحة خلال الخمسينيات؟ وهل وجدت ظرفية ملائمة بعد الاستقلال لتحريرها؟ وما هي أهم المكاسب التي حققتها المرأة طيلة مسيرتها النضالية؟ وفي محاولة الإجابة عن هذه الإشكاليات حصرنا المقال في هذه المحاور الكبرى:

إذ يندرج المحور الأول في دراسة وضعية المرأة قبل الاستقلال أي في الفترة الاستعمارية. سنهتم في هذا المحور بمشاركة نساء تونس في المقاومة ضد الاستعمار. أما المحور الثاني سنخصصه للحديث عن التشريعات التي ساعدت المرأة على مواصلة تحررها من قيود المجتمع، ونعني بذلك مجلة الأحوال الشخصية باعتبارها أول قانون ينص على ضمان حقوق المرأة بعد الاستقلال. في حين أن المحور الأخير سنخصصه لرصد أهم مكاسب المرأة التونسية بعد مسيرة تحررية طويلة.

المحور الأول: واقع المرأة خلال الفترة الاستعمارية

من المؤكد أن المرأة التونسية عانت التهميش الكبير خلال الفترة الاستعمارية، وذلك لعدة أسباب لعل في مقدمتها معتقدات وعادات المجتمع التي تقلل من شأنها آنذاك.

حيث كان التعليم في تونس حكرًا على الذكور ولا يحق للبنات الالتحاق بالكتاتيب. كما نجد في بعض الحالات الاستثنائية بنات دخلن المدارس وتعلمن. ونعني بهذه الاستثناءات بنات كبار الأعيان والملاك وليس بنات الفئات الاجتماعية الضعيفة. وظهر خلال الفترة الاستعمارية عدة مفكرين ومصلحين نادوا بضرورة تحرير المرأة ونذكر من بينهم الطاهر الحداد صاحب كتاب «امرأتنا في الشريعة وفي المجتمع» وذكر فيه أن حقوق المرأة في الإسلام لم تطبق في المجتمع.

وهكذا نفهم مما سبق أن المرأة خلال الفترة الاستعمارية عانت كل أشكال الاضطهاد والحرمان والإقصاء.

إضافة إلى كل ما تقدم، يمكن القول إن النخب التقليدية في المجتمع التونسي خلال العهد الاستعماري ساهمت في عرقلة تحرر المرأة، ومن أبرز هذه النخب نذكر النخب الدينية (شيوخ جامع الزيتونة نموذجًا).

المحور الثاني: المرأة التونسة في طليعة الكفاح المسلح

خاضت المرأة التونسية غداة انلاع شرارة المقاومة المسلحة في 18 يناير 1952 محطتها النضالية الأولى، فكانت في طليعة المعارك التي قادها المقاومون ضد الاستعمار الفرنسي مثل ساسي الأسود والشرايطي وعمارة سلوغة، وهكذا نستنتج إذن مما تقدم أن مقاومة الاستعمار الفرنسي عند المرأة التونسية كانت تمثل عندها مسألة عقيدة ومبدأ معًا. ولم يتمثل نضال نساء تونس في نقل السلاح إلى المقاومين «الفلاقة» بل ساهمت في إسعاف الجرحى وتوفير الملجأ لبعض الثوار.

ومن أبرز النساء اللاتي ساهمن في المقاومة نذكر خضراء الزيدية، التي صعدت الجبل رفقة زوجها وكذلك الطاوس زوجة المقاوم لزهر الشرايطي التي جرحت في أحد المعارك، وأيضًا حسينية رمضان التي ساهمت في تفجير جسر بين مدينتي زانوش وقفصة.
وهكذا نفهم مما سبق أن المرأة لعبت دورًا فاعلًا في مقاومة الاستعمار خصوصًا الكفاح المسلح، وبذلك كان للمرأة إسهامات قيمة في تحقيق الاستقلال، واستشهدت عديد النساء في المعارك مثل آمنة براهم التي استشهدت في 23 يناير 1952 في معركة طبلبة ضد المستعمر.

غير أن صورة المقاومات التونسيات بقيت غير ظاهرة بما يكفي في تاريخ الحركة الوطنية. كما كان التونسيات بارزات أيضًا في العمل السياسي والميداني خلال الفترة الاستعمارية، حيث كان نساء تونس في طليعة النضال السياسي والميداني،
ومن أبرز النساء اللاتي كن رائدات في هذا الميدان نذكر بشيرة بن مراد وهي التي أسست أول جمعية تونسية في تونس ما قبل الاستقلال وسميت هذه الجمعية بـ«الاتحاد النسائي الاسلامي التونسي».

عملت بشيرة بن مراد في الصحافة، فكانت تكتب بعدة جرائد ومجلات في فترة الثلاثينيات ودعت في أحد خطاباتها الى المساواة المطلقة في الحقوق السياسية بين الرجل والمرأة.

المحور الأخير: المرأة التونسية والمساواة في الميراث

يعتبر إصدار مجلة الأحوال الشخصية في 13 أغسطس 1956 أول مكسب للمرأة التونسية، وكان الزعيم الحبيب بورقيبة يدرك أهمية تحرير المرأة بعد الاستقلال، وضمن إصدارها كل حقوق المرأة سواء حقوقها المدنية أو السياسية، وأعطت هذه المجلة مكانة معتبرة للمرأة في المجتمع، ومن أهم ما نصت عليه منع تعدد الزوجات لتواصل المرأة التونسية مسيرتها التحررية.

وكان من أهم من قام بتدعيم  هذه المجلة محمد الطاهر بن عاشور أحد علماء في المجال الديني واعتبرها لا تعارض الاسلام باعتباره أحد خصوصيات المجتمع التونسي وكذلك مفتي الديار التونسية «محمد عبد العزيز جعيط» غير أنه وجد من عارض صدور هذه المجلة ومن أبرزهم النخب الدينية الذين اعتبروا صدورها انتهاكًا لقواعد الإسلام.

لم تضمن مجلة الأحوال الشخصية كل حقوق المرأة، ونعني بذلك المساواة في الميراث. وقد طرحت هذه النقطة جدلًا واسعًا في الآونة الأخيرة بين فئات المجتمع التونسي، حيث يرى شق منهم أن هذه المساواة التي طرحها الرئيس (الباجي قايد السبسي) انتهاك واضح للشريعة الإسلامية. غير أن الشق المقابل يرى أنها هي مواصلة لتحرير المرأة ويتواصل هذا الجدال إلى حين إصدار هذا القانون وتطبيقه على أرض الواقع.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

المصادر

عرض التعليقات
تحميل المزيد