فلنبدأ أولا بمن هم الأتراك، فالأتراك ليسوا فقط هم أهل تركيا فالترك ممتدون إلى أواسط آسيا وشمالها فمعظم الدول التي ينتهي اسمها بـ(ستان) أهلها هم من العرق التركي ويتحدثون اللغة التركية مع اختلاف في بعض اللهجات بالطبع.
وملحوظة على الهامش:
الأتراك الذين نتحدث عنهم يقدر عددهم على الأقل ٢٢٠ مليون شخص فمن المؤكد أن ما سيذكر في هذا المقال من مميزات أو عيوب ليس بنسبة 100% منهم ولكل قاعدة شواذ وأن كل مكان فيه الجيد والسيء ولكن سنذكر الغالب في كل طبع وتفسيره كمحاولة لتقريب وجهات النظر.
الأتراك جميعهم منذ آلاف السنوات موطنهم الأصلي هو الجبال «جبال الأناضول» فكانوا يعتمدون في أكلهم وشربهم على الصيد وألبان المواشي وغيرها؛ هذا كان له بالطبع تأثير على عاداتهم وتقاليدهم وطريقة تعاملهم فجعل منهم شخصيات قوية تميل إلى العجرفة أو الجفاء التلقائي وغير المقصود منهم، جعلهم في نفس الوقت شخصيات (عملية) ونشيطة بشكل كبير جدا وجعل المتدين منهم ملتزمًا في تدينه وغير المتدين منهم متماديًا في غوغائيته التي لا يحدها الدين أو تعاليم دينية قوية.
هل هذه ميزة أم عيب؟
هذه الشخصية ميزة وعيب في نفس الوقت فإن في الوقت الذي كانت فيه المحاولات على أشدها لتغيير هوية هذا العرق الإسلامية وقف الترابط الشديد بين شعوب هذا العرق واعتزاز بلغته وشخصيته القوية و(دماغه الناشفة) سدًا منيعا ضد هذه المحاولات وأوقفها، ربما تختلف معي وتقول إنك حينما زرت تركيا لم تر إلا الكفر والعربدة والمجون! نعم لأنك تقيس فقط على إسطنبول وإزمير على الأكثر لكن أنا أتحدث عن تركيا وسكانها الـ80 مليون والتركستان المطاردين من الصين حتى يومنا هذا بسبب إسلامهم وتمسكهم بدينهم وأتراك المسخيت (أهل جورجيا قديما) الذين قتلوا جميعا في مذبحة القطار الذي لا يتوقف و كازاخستان و قرجيزستان و غيرهم الكثير.
أما عن العيب فإن هذه الشخصية جعلت منهم شعوبًا منغلقة بشكل كبير عن باقي العالم لفترة طويلة وحينما انفتحوا على العالم (الوقت الحالي) بدأوا يحاولون التعايش مع الغير لكن جزءًا كبيرًا منهم ظل يتعامل بنفس شخصيته التي كان يتعامل بها في طبيعته وفي مجتمعه وعظم عند البعض (القليل) اعتزازه بنفسه فأصبح ينظر للغير بفوقيه نوعا ما.
(يووك Yook!)
الأتراك شعوب قليلة الكلام جدا كثيرة العمل وهذا أدى بعد فترة إلى تعاملهم مع بعضهم ببعض الإشارات والإيماءات بالرأس أو باليدين التي لا يعتبرونها بينهم وبين بعضهم جفاء أو قلة ذوق ولكن أيضا بعد انفتاحهم على العالم لم يغيروا من هذه الإشارات فأدت إلى فهم البعض لهم أنهم يتعاملون بفوقية ومن ضمن هذه الإشارات:
مثلا أن تسأل بائعا أو سائقا عن شيء فيجاوب عليك فقط بكلمة (يوك Yok = لا يوجد) رافعا رأسه لأعلى إشارة للنفي لكن نظرا لاستخدامنا هذه الاشارة بمعنى (اذهب من هنا أو اغرب عن وجهي) فنفهمها أنها إجابة بتعالٍ أو ما شابه.
تسأل شخصا على مكان ما فيشير إليك بيديه فقط دون أن يتكلم فتظن أنه لا يريد التحدث معك أو يجاوبك على مضض لكن أيضا هو لا يفعلها قاصدا في ٩٩٪ من المواقف.
وغيرها من الأمثلة التي عايشها الكثير مع هذا العرق من البشر.
لا يعلمون غير التركي!
من ضمن الأسباب التي ساهمت في حفظ هذا العرق لهويته وشخصيته هو احتفاظه الشديد واعتزازه بلغته فبالطبع بفضل هذه الشخصية في حفاظها على لغتها بعد فضل الله صعب على الكثير محاولة اختراقه، فاحتاج كل من حاول تغيير هويته إلى فهم لغته كخطوة أولى وإتقانها ثم فهمهم والتعايش معهم حتى يستطيع التأثير عليهم. ولكن للأسف أثر هذا التمسك سلبا على التعايش مع العالم والتواصل مع الشعوب المختلفة، وإحقاقا للحق فالأتراك شعوب عندها ضعف شديد في مهارات تعلم اللغات الأجنبية فاعتزازه بلغته جعل عقله وتفكيره يرفض تعلم لغة أجنبية بالأساس.
متدينون بالفطرة!
إذا بعد ما ذكرناه من أسباب تبقى السبب الذي كان له نصيب الأسد في أسباب حفاظ هذا العرق على نفسه من الاحتلال أو تغيير الهوية وهو أنها شعوب «متدينة بالفطرة» ربما تضحك على هذه المقولة أو تشعر أنها أيضا غير حقيقية وتقول (هؤلاء من شاربي الخمر) ولكن يمكنك أن تنظر إلى الأسباب التي جعلتنا نقول ذلك، الشعوب التركية مرت على مدار التاريخ بمئات بل آلاف المحاولات للاحتلال ولكن ظلت هي الشعوب الوحيدة التي لم تتغير هويتها لهوية المحتل بل هي التي أثرت فيه، ويمكنك أن تلمس ذلك في قصص معظم الأوروبيين الذين دخلوا في الاسلام ستجد أن 99% منهم إن لم يكن كلهم السبب الأول في إسلامهم هو مجيئهم إلى تركيا ورؤيتهم للمسلمين وكرمهم ومحاولة التحدث معهم عن الإسلام في الوقت الذي كانت فيه تركيا في أوج علمانيتها التي وصلت إلى حد التطرف في بعض الأحيان، ومثال آخر: بعد إسقاط أتاتورك الخلافة الإسلامية «الدولة العثمانية» سقط معها الكثير من ملامح هوية هذه الشعوب الإسلامية ولكن الشيء الوحيد الذي لم يجرؤ على الاقتراب منه هو المساجد مع أنه كانت له عدة محاولات لإسقاط بعض المآذن وقتها وغيره ولكن كان الشعب يثور عليه فيتراجع عنها حتى أن أتاتورك حينما أتى إلى الحكم أتى على أنه الخليفة القادم الذي سيجدد للأمة مجدها وكانت هذه هي الطريقة الوحيدة التي تمكنه من احترام الأتراك له والتفافهم وراءه. هذا سيجعلنا نتطرق لنقطة بسيطة ألا وهي أن هذه الشعوب هي شعوب عاطفية بشكل كبير جدا بمعنى أنه يمكن أن يفدي بروحه إذا تحركت مشاعره أو عواطفه تجاه شخص معين أو فكرة معينة.
وكنقطة أخيرة في هذا المحور فإن التدين الفطري الذي ذكرناه لا يشمل فقط من يسمون الإسلاميين من هذه الشعوب بل ويشمل أيضا علمانييها و ليبرالييها وقومييها ويمكنك أن تلاحظ هذا في العديد من المواقف ففي أكثر من خمس حوادث مختلفة في الثلاث سنوات الأخيرة يحصل اعتداء في المواصلات العامة في تركيا يهود يرتدون الزي الرسمي لهم وتجد من يعتدي عليهم لا يمتون للإسلاميين بصلة حتى أنه في أحد المواقف ضرب أحد الأتراك اثنين من اليهود في محطة المترو بزجاجة الخمر خاصته وبعد التحقيق ظهر أنه كان بكامل قواه العقلية أي لم يكن سكرانا ولكنه قال في التحقيق إن هؤلاء يهود يقتلون المسلمين والأطفال في فلسطين وأنا لا أقبل بهم على أرضي.
وأيضا من هذه الأمثلة التركستانيون المسلمون تجدهم يستشيطون غضبا من وصفهم بالصينيين أو محاولة التحدث معهم باللغة الصينية وتجد أول رد منهم نحن مسلمون ومطاردون من هؤلاء اللادينيين بسبب ديننا لا تتحدث معنا على أننا صينيون، وغيرها الكثير من الأمثلة أيضا التي لا يسع ذكرها جميعا الآن.
الوطن أولًا
الاتراك كعرق هم شعوب تعتز بوطنها وأرضها بشكل كبيير جدا حيث إنهم يمكن أن ينتقدوا ما يحدث عليها لدرجة تصل إلى الشجار بالأيدي ولكن في أي موقف يكون فيه الأرض أو الوطن مقابل عدو أو أي شيء آخر فتجد تركيا أولا أو الأرض أولا ومن أمثلة ذلك ما حدث في انقلاب ١٥ يوليو الفاشل في تركيا فتجد العلمانيين والقوميين وغيرهم من الأيديولوجيات التي لا تتفق في أي شيء سوى وحدة الوطن وسلامته وهذا يجعل بعض المتعجرفين منهم (خصوصًا ضباط الشرطة) في أي مشكلة له مع أجنبي تجده يصرخ فيه ويقول (بوراسي تركيا Burası Türkiye = هنا تركيا) بمعنى أنه هذا أيضا يجعل بعض الأجانب يشعرون بأن الاتراك يعطون أنفسهم أكثر من حجمهم ولكن هذا يخرج من منطلق حبه لبلده أو شعوره بأن بلده أهم عنده من أي بلد آخر.
الحشرية والفضول
الأتراك شعوب «عِشَرية» إلى درجة تصل للـ«حِشَرية» بمعنى أنهم كشعوب مترابطة جدا تعتبر أنه من الطبيعي السؤال على الجار والتدخل في شؤونه التي لا يعتبرونها عرفا تدخلا في الحياة الشخصية ولكن هي من باب المعايشة والجيرة المطلوب أن تكون موجودة لذلك تجد أغلب من يأتون جديدا إلى تركيا يشتكون من تدخل الجيران في شؤونهم أو غيره ولكن الأتراك يفعلونها بنوع من حسن النية وهذا الترابط أيضا إلى بعض الفضول الزائد في حياة الغير، مثالا لذلك تجد التركي إذا تعرف عليك بشكل قوي يسألك إلى أين انت ذاهب ومتى ستأتي ولماذا تذهب ومن ستقابل وغيرها من الأسئلة التي في عرفنا هي تدخل زائد أو فضول زائد في الحياة الشخصية لكل شخص.
الضيافة والشهامة
الأتراك شعوب ما زالت تحتفظ بالكثير من الصفات التي كانت تتصف بها مجتمعاتنا العربية ولكنها اندحرت للأسف في الوقت الحالي مثل كرم الضيافة والشهامة والنخوة فالأتراك كرم الضيافة عندهم هي مسألة شرف بالمعنى الحرفي، فالبيت الذي لا يعرف عنه أن أهله عندهم كرم الضيافة يتم التعامل معهم بشكل مختلف جدا، وينبذون ويحذر الناس بعضهم البعض من التعامل معهم. ومن أمثلة هذا فإن الأطفال في القرية الواحدة في الأعياد يجتمعون ويمرون على البيوت ليحصلوا على عيديتهم والبيت الذي لا يعطي العيدية يعتبر جيرانه أن أهله من البخلاء الذين لا يجب التعامل معهم، وعادة قديمة أخرى ما زالت موجودة حتى الآن في الأرياف والمحافظات الريفية فالتزاور يبدأ من بعد صلاة المغرب ويجلس الجيران يتسامرون حتى منتصف الليل فإذا ذهب الضيف قبل منتصف الليل يعتبر أنه غير راضٍ عن الضيافة، وغيرها من الأمثلة.
وبالنسبة للنخوة والشهامة فالأتراك خصوصا أهل القرى والأرياف يمكن أن تشعر فيهم بهذه النخوة بشكل كبير ولكن يمكننا القول إن هذا غير موجود في أهل المدن الكبيرة والسياحية وهذا يفسره بعض الأسباب الأخرى من محاولة شخص نوعا يجهل البروتوكول أو آداب التعامل وحياته كانت جبلية بالشكل الذي ذكرناه التعايش مع سياح أو أجانب أتوا من مختلف البلدان ليستمتعوا ونظرته لهم أنهم عبارة عن بنك متحرك ولابد ان يحصل منهم على المال.
أغبياء!
سمعت من الكثير شكوته أن الأتراك أغبياء ولا يستطيعون الفهم بشكل سريع ومثلها من الشكاوى التي من خلال معايشتي لهم ودراستي لبعض الشخصيات فيهم يمكنني القول إن جزءا كبيرا منهم يتعامل من منطلق أنه ما دام هناك سيستم (نظام) فيجب علينا أن نتبع النظام من دون محاولة التغيير فيه وهذا أيضا يدل على شكل نظام الدولة التركية فهو نظام بيروقراطي بشكل كبير جدا (مثل الكثير من دول العالم) بمعنى أن الخطوات في النظام هي مرتبة من ١ إلى ما لا نهاية إذا حاولت العبور إلى رقم ٥ قبل أن تمر على ٤ فعلى الأغلب أنها ستتعقد بشكل كبير ومن المحتمل ان تحتاج البداية من جديد، و وجود نظام بيروقراطي له ميزته في أنك تعرف أن هناك نظاما محدد الخطوات إذا عبرتها ستصل إلى وجهتك من دون أي مشاكل لكن عيبه هو أنك في بعض الأحيان تقوم بعمل خطوات غير منطقية في بعض الأحوال أو غير ضرورية فقط لتعبر للنقطة التالية.
عصبيون ويغضبون سريعا
الحقيقة أن الأتراك غير ذلك تماما فهم شعب هادئ بنسبة كبيرة جدا ويتعامل بشكل ليس فيه نوع من الغضب ولكن ستجد أهل المدن الكبرى والقريبة من أوروبا كإسطنبول وأزمير ومثلها بسبب الضغط الكبير الذي تعيش فيه هذه المدن والزحام المتزايد فيها وتسارع الحياة فيها الشديد السرعة يؤثر على هدوئهم و هم شخصيات من طبيعتهم التي ذكرنا قابلين للغضب بشكل سريع وهذا ما يؤدي للغضب السريع أو المبالغ فيه منهم، وستجد الأتراك نفسهم سكان باقي المحافظات يشكون من إسطنبول أنها مزدحمة جدا وأهلها يغضبون سريعا ولا يتفاهمون.
الآداب العامة
حقيقةً أن الأتراك عندهم من الآداب العامة الموجودة فيهم ما يجعل منهم مؤهلا للحصول على المركز الأول فيها فهم شعوب عندها احترام الكبير والسيدات هو شيء شبه مقدس بمعنى لا تجد شخصا كبيرا في السن يمكن لشخص أصغر منه أن يرفع صوته عليه أو يناديه باسمه حتى بين الأشقاء فمن العيب أن ينادي الأخ الأصغر لأخيه الكبير باسمه بل يناديه (آبى Abi = أبيه «الأخ الأكبر») والأخ الأصغر لاخته الكبيرة أيضا فيناديها (أبله Abla = الأخت الكبرى).
يظهر أيضا الأدب العام عندهم في احترامهم للمساجد ودور العبادة فمن الممنوع مثلا في تركيا دخول المسجد من دون الجوارب فيقولون إنه من المحتمل أن تحمل قدمك الفطريات أو غيرها من الملوثات وأنت تدخل إلى بيت الله فلا يمكنك الدخول بالشراب وإذا دخلت بدونه ستجد الكثير ممن يعلقون هذا أو ينبهونك أو حتى تجد من يشتري لك جوربا ويقول لك لا تأتي مرة اخرى من دون الجوارب إلى المسجد.
صبرهم على الأطفال مهما فعلوا فلا تجد أو نادرا ما تجد تركيا يضرب طفله أو يصرخ فيه وإن فعل تجد من ينهاه عن ذلك ويقول له إن هذ لا يصح ويجب ان تتفاهم مع طفلك،
رحمتهم مع الحيوانات واحترامها واعتبار أنها روح ونفس مثلها مثل الإنسان فستجد الأتراك يمكن أن يوقفوا طريقا سريعا لعبور قطة أو إنقاذها، وتجد أيضا المطافئ تأتي خصيصا لإنقاذ قطة يمكن أن تكون عالقة في شجرة أو مكان ما.
وغيرها من الآداب والأمثلة الرائعة الموجودة فيهم حتى يومنا هذا.
نهاية إن الأتراك نحن نجهل عنهم الكثير بسبب عدم معايشتنا لهم عن قرب بشكل جيد بسبب اختلاف اللغات والحضارات نوعا ما ولكن ليس كل ما نسمعه عنهم صحيحا وليسه كله خاطئا هذا ما استطعت ذكره الآن وأتمنى أن يكون مفيدا لمن يقرأه وأتمنى ذكر تجارب لك معهم تؤكد ماذكرناه أو صفات أخرى تود أن تسأل عنها ونحاول أن نجد لها تفسيرا بإذن الله.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست