هل سيكون هناك ثمن للتقارب التركي المصري؟ وهل يعني ذلك التقارب تغيير الموقف التركي حول الانقلاب العسكري في مصر والاعتراف به؟ هل سيكون غلق القنوات الفضائية التي تبث من تركيا مقابل إعادة العلاقات؟ هل سيكون هذا التقارب على مستوى وزراء خارجية الدولتين، أم سيكون على مستوى الرؤساء؟ هل تمتلك المعارضة المصرية في الخارج البدائل المتاحة والمناورة من أجل الاستمرار؟ أم ستكون عائقا في الوصول إلى اتفاق يلبي مصالح الدولتين؟ ما البدائل المطروحة لدى المعارضة المصرية في الخارج، لإعادة تموضع وترتيب أوراقها من جديد، في ظل المستجدات؟ هل تنتظر المعارضة المصرية الفعل لتتعامل معه كرد فعل؟

ربما يكون سبب الرغبة في التفاهم حول حقول الغاز في شرق المتوسط؟ والاتفاق على ترسيم الحدود البحرية هناك بما يحقق مصالح الدولتين؟ وفتح السوق المصري أمام الصناعات التركية باعتبار مصر سوقًا كبيرة وخسارتها، خسارة كبيرة للطرفين؟

التقارب التركي السعودي ربما يكون لنجدة السعودية من مستنقع اليمن بعد غدر الإمارات بالسعودية هناك، واستفحال خطر الحوثيين في اليمن، وسيطرة الإمارات على خليج عدن؟!
ورغبة السعودية في تخفيف الضغط الدولي من أجل غلق ملف مقتل الصحافي، جمال خاشقجي، على اعتبار أن الجريمة تمت على. أرض تركية، ويجب فتح مسار جيد للعلاقة بين البلدين تجاريًّا واقتصاديًّا وسياسيًّا؟

ربما لن يتوقف تدخل تركيا في اليمن عند المكاسب الظاهرية، بل ستحقق انتصارات كافية لرفع معاناة شعب اليمن، وفي الوقت نفسه إحداث تغيير مهم في اليمن بوصفه منافذ بحرية شديدة الأهمية الإستراتيجية.

حدوث شرخ في علاقة محور الشر (السعودية والإمارات ومصر) يعيد ترتيب المصالح من جديد، ويفتح بابًا لتحالفات جديدة، تصب في مصلحة الشعوب العربية. بعد الإعلان عن تقارب دبلوماسي بين القاهرة وأنقرة، خرجت تحليلات عجيبة، كلها تصب في اتجاه الرهان الخاسر، لكل من تركيا والمعارضة المصرية. يقولون إن الإخوان المسلمين يراهنون على موقف تركيا من الانقلاب في مصر وتقول المعارضة التركية إن قطع العلاقات مع مصر بسبب الانقلاب العسكري وما حدث من مجازر، تسبب في خسارة فادحة أيضًا لتركيا وتوقفت مصالحها. وأقول إنه لم يخسر أحد من هذا التقارب لأسباب عديدة.

أولًا: على مستوى التبادل التجاري فإن حجم التجارة بين البلدين في العام الماضي بلغ أكثر من 6 مليارات دولار، وهو يعد الرقم الأعلى في حجم التجارة بين البلدين منذ سنوات مضت.

ثانيًا: لم تتوقف حركة الطيران ولو لمرة واحدة وجميع خطوط الطيران تعمل بانتظام.

ثالثًا: مستوى التمثيل الدبلوماسي لم ينخفض إلى أدنى مستوياته، وتعمل السفارات والقنصليات بشكل منتظم بين الطرفين.

رابعًا: لم تنخفض وتيرة التراشق الإعلامي في مصر حتى الآن رغم المساعي الدبلوماسية، ويستغلون الموقف من أجل إظهار مصر أنها الطرف المنتصر في الأزمة.

خامسًا: لن يصدر بيان يؤيد الانقلاب العسكري في مصر ولا الاعتراف بالحكم العسكري.

سادسًا: لن تكون العلاقات القادمة على مستوى الرؤساء، ربما تقتصر على مستوى وزراء الخارجية.

سابعًا: هذا التقارب من أجل الحصول على مكاسب مشتركة ويعيد تشكيل التحالفات من جديد في المنطقة العربية وتركيا.

ثامنًا: لن يخسر الإخوان المسلمون من ذلك التقارب ولن تخسر تركيا في مواقفها الداعمة لحقوق الإنسان في العالم، وستظل تركيا رمزًا عالميًّا في الدفاع عن المضطهدين في العالم، رغم الضريبة التي تدفعها في ظل التمسك بمنظومة المبادئ والأخلاق، تقارب المصالح الكبرى لا يعني التطابق في المواقف، ولا يعني التخلي عن المبادئ في مقابل المصالح، لأن لتركيا جذورًا وتاريخًا، ولم نشهد غير ذلك التاريخ. إن ما يحدث من تقارب ليس إلا تقاربًا من أجل المصالح، وليس تطابقًا في السياسة والمواقف. لعل الله يحدث بعد ذلك أمرًا، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون. 

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

عرض التعليقات
تحميل المزيد