أصبحت تركيا في كل يوم مع تزايد قوتها وتوغل نفوذها في العالم من جميع الجهات قوة لا يستهان بها، وباتت تمثل رقمًا صعبًا في المعادلة الدولية، وفي كل ثانية يهرول الحزب الحاكم هناك إلى التحلل من المبادئ الكمالية القديمة، وتسعى تركيا في جهد حثيث للعودة إلى هويتها الإسلامية، وأضحت تميل بقوة غير عادية إلى محيطها الإسلامي والعربي، رغم وقوف الأنظمة العربية حجر عثرة في توغلها الثقافي والحضاري في العالم.

ورغم اختلاف أغلب المحللين، والمنظرين، والساسة، والمعارضين الإسلاميين، والعرب المطاردين في الخارج، والذين يسعون إلى دحر الاستبداد في البلاد الإسلامية في كثير من سياسات الرئيس التركي الطيب أردوغان حول خطواته للرجوع بتركيا إلى قوة الإمبراطورية العثمانية القديمة، إلا أن الحالة التركية أصبحت تمثل تجربة استثنائية في العالم الإسلامي، ومحط نظر واهتمام وتقدير من كل المسلمين السنة في العالم، حيث باتت الوحيدة المعبرة عن المسلمين، وهي ضمير الأمة النابض، والشخص الوحيد الذي أصبح يعبر عن أمال وطموحات الجماهير الإسلامية هو أردوغان، وفي كل حادثة تمثل تعديًا على الأمة الإسلامية تتجه أنظار العالم الإسلامي نحو ردة الفعل الرسمية في تركيا؛ لكي تأتي في النهاية متوافقة مع ما يشعر به الإنسان المسلم في شتي بقاع العالم.

تركيا اليوم باتت تتسلل إلى جميع حلفاء أمريكا في الشرق والغرب، وفي كل يوم ترتبط بهم عبر إنشاء شبكة علاقات اقتصادية متشابكة تجعل من مصلحة كل الأطراف أن يسود الهدوء والروية في المنطقة؛ مما يجعل أي قرارات بعقوبات أمريكية مقصدها الحد من النفوذ التركي مضرة لحلفائها قبل أن يأتي الضرر عليها.

تركيا التي تتشابك علاقاتها الإقتصادية النوعية مع الصين، وباكستان، وإيران، وكثير من بلاد أوروبا، مثل الحليف القديم ألمانيا، وحتى أعدى أعدائها فرنسا، وشمال أفريقيا، وآسيا الصغرى وما حولها وبعد عقد اتفاقية التجارة الحرة مع المملكة المتحدة أصبحت تركيا شريك مهم لإنجلترا وحيوي في مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية.

إن تركيا الجديدة أصبح هدفها واضحًا رغم المعوقات، فهي تحاول أن تبني الاقتصاد الذي يمثل البنية التحتية لأية قوة في العالم، ثم بث الوعي بين جماهيرها لكي يقف داعمًا للحزب الحاكم، وتقوم على تطوير قوتها الدفاعية لحماية أمنها القومي والحد من نفوذ المخابرات العالمية في داخل التراب التركي، وفي الأعوام المنصرمة كانت تركيا معارضة بقوة لسياسات أمريكا وحلف الناتو التي هي أحد أعضائه، والذي بات خروجها منه وشيكًا، وفي غياب الدور الأمريكي تحت قيادة دونالد ترامب، اتخذت تركيا خطوات متسارعة للحفاظ على مصالحها مستغلة الغفلة الأمريكية.

ثم إن نجاح السلاح التركي في مواجهة أنظمة دفاعية لقوى عالمية تمثل أحد أبرز مصدري الأسلحة، مثل: فرنسا، وروسيا، أصبح محط نظر واعتبار للجميع في المنطقة.

وبات السؤال المقلق والمرهق للجميع الان هو ما الذي يترقب تركيا ما بعد تقاعد أردوغان؟ ومن سيتولي بعده؟ وهل سوف يكون بذات العبقرية والدهاء؟ وهل سيحافظ على المكاسب والعلاقات والمنجزات التي حققها أردوغان عبر ما يقارب العقدين من الزمان؟

وللأسف فإن عدم تربية كوادر حزبية تستلم زمام القيادة من الحرس القديم للحزب وانحسار الكاريزما والشعبية في شخص أردوغان أمرًا يجب أن يعالج وفي أقرب وقت، كذلك فإن قيادات الجيش التركي التي ما زال منها مرتبط بأجندات خارجية أمرًا بالغ الخطورة، حيث إن ذمة القادة يمكن شراؤها في أي مكان بالعالم، وليس في تركيا وحدها لذلك يحارب النظام التركي إلى تقوية العقيدة الإسلامية، وتذكير كل جندي تركي بمجد الإمبراطورية التركية التي كان سبب مجدها العسكرية الحازمة الصارمة المفكرة، والتي كان أهم خصائصها طول النفس في القتال، والصبر عليه، وتحمل المشاق، والصعاب والتضحية من أجل إنفاذ رسالة القادة المستقاة من العقيدة الإسلامية الصفوة، فالمسلمون العرب الأوائل الذين حملوا هم الرسالة وتبلغيها للشرق والغرب وحملوا هم العقيدة، وتحملوا في سبيلها المستحيل منذ أول نشأتها فحاربوا أكبر إمبراطورتين عظميتين (الروم والفرس)، وكسروهما وقضوا عليهما لم يتمكنوا من فتح بلاد الأناضول وغزو القسطنطينية، والذي نجح في ذلك هم السادة الأتراك، وأصبح السؤال الآن المثار هل ستستطيع الدولة التركية بعث هذا الجيل المحمدي من جديد من أبناء محمد الفاتح وسليم ياووز؟ وهل ستقدر الوقوف في مواجهة الأخطار المحدقة بها من كل جانب؟

هل ستقوم تركيا بمواجهة التكتلات والأحلاف التي تفهم مدي خطر الكيان التركي الجديد الذي نظر إلى كافة العيوب والكوارث التي تم ارتكابها في عهد الدولة العثمانية؟

هل ستحاول تركيا الولوج إلى جميع هذه الملفات، وإصلاحها، وتقوية جبهتها الداخلية، وتوحيد جمهورها المسلم، وبث فيه روح الأمل والعصبية والانتماء لدينه ولهؤلاء السلاطين العظام الذين كانوا يراعون كل مسلم في كل شبر من العالم؟

فلم يعرف المسلمون الذبح والتصفية العرقية لهم إلا بعد زوال مجد العثمانيين، ويكفي أن نقول إن السلطان عبد الحميد الأول رحمه الله كان موته بسبب انفجار في المخ لما وصله خبر ذبح 30 ألف مسلم في ولاية القرم الإسلامية على يد الجيش الروسي.

واليوم يذبح المسلمون صباح مساء ولا بواكي لهم إلا لحفيد السلطان عبد الحميد الأول الرئيس التركي الطيب أردوغان الذي يبذل ما يستطيع من أجل أن لا يؤذي المسلمون رغم قلة الحيلة وضيق اليد ومع حملة تشويه متعمد من قبل جميع الأنظمة في الشرق والغرب.

وسيبقي السؤال المطروح هل ستستطيع تركيا بناء المجد الإسلامي من جديد وتوحيد الصف الإسلامي؟ هذا الجواب الذي ستحمله الأيام الحبالي القادمة بالأخبار الجثام؟

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

عرض التعليقات
تحميل المزيد