بدأت قوات الجيش التركي وفصائل المعارضة السورية المسلحة الموالية لها قبل أسبوع تقريبًا بشن هجوم عسكري ضد المقاتلين الأكراد؛ للسيطرة على مناطق شمال سوريا التي تتمركز فيها قوات سوريا الديمقراطية لإقامة منطقة آمنة بعمق 32 كيلومترًا، ودفع المقاتلين الأكراد بعيدًا عن الحدود التركية الجنوبية، الأمر الذي يمثل تطورًا خطيرًا واعتداء صارخًا غير مقبول على سيادة الدولة السورية، بالإضافة إلى أن هذا الأمر سيؤدي إلى عودة العصابات والجماعات التكفيرية الإرهابية إلى الساحة مجددًا.

تنديد دولي

بعد العدوان التركي على سوريا، خرجت عدة دول ومنظمات، وشخصيات سياسية، بردود أفعال منددة ومحذرة؛ إذ أعرب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، عن قلقه إزاء تطورات الأوضاع في شمال سوريا، وقال أيضًا إن كل العمليات في سوريا يجب أن تتوافق مع القانون الدولي، فيما أعرب الصليب الأحمر الدولي بدوره عن قلقه على أوضاع المدنيين، ودعا مجلس الأمن الدولي تركيا إلى حماية المدنيين، والتحلي بأكبر قدر من ضبط النفس، كما دعا الاتحاد الأوروبي تركيا أيضًا لضبط النفس ووقف عمليتها العسكرية، بالإضافة إلى أن إيران قالت إن العملية التركية لا تصب في مصلحة أمن واستقرار المنطقة، وأدت إلى تعقيد الوضع في المنطقة، ونددت فرنسا، وبريطانيا، وألمانيا بالعملية التركية، داعين لعقد جلسة بمجلس الأمن، فيما قالت إيطاليا إن العملية تهدد بزعزعة استقرار المنطقة، وإلحاق الضرر بالمدنيين. واستدعت هولندا السفير التركي لديها، منددة بالهجوم وداعية أنقرة إلى عدم مواصلة السير في الطريق الذي تسلكه، كذلك جامعة الدول العربية قالت إنها تقف بوضوح ضد التحركات والأعمال العسكرية التي تقوم بها القوات التركية، بينما رأت مصر أن العملية اعتداء صارخ غير مقبول على سيادة دولة عربية، ودعت لاجتماع طارئ للجامعة، بالإضافة إلى العديد من الدول العربية والعالمية، الأمر الذي يوضح عدم شرعية العدوان التركي على الأراضي السورية.

تداعيات العدوان التركي

منذ بدأ العدوان التركي على شمال سوريا، نزح نحو أكثر من 200 ألف شخص من منطقتي تل أبيض ورأس العين وغيرهما، بينما ذكرت الإدارة الكردية شمالي سوريا، أنها بدأت في إخلاء «مخيم مبروكة»، الذي يضم 7 آلاف نازح بعد قصفه من قبل تركيا، بالإضافة إلى الاستهداف العشوائي من قبل الجيش التركي لمدن وبلدات شمال وشرق سوريا، والاستهتار بحياة المدنيين، الأمر الذي يؤدي إلى حدوث موجات نزوح كبيرة جدًّا تسببت في إفراغ مدن بكاملها من سكانها، وتضم مناطق شمال وشرق سوريا في المدن والمخيمات ما يقارب مليون نازح من مختلف مناطق سوريا قبل العدوان التركي، مما يشكل ضغطًا سكانيًّا هائلًا على هذه المنطقة التي تعاني مسبقًا من التهميش وضعف الخدمات، ويعطي رؤية حول حجم الكارثة الإنسانية مع تحول أبناء المنطقة المستضيفين إلى نازحين.

عودة داعش!

تبين أن العمليات التركية تستهدف مناطق في شمال شرقي سوريا، وهي نفسها المناطق التي كان تنظيم داعش الإرهابي يسيطر عليها منذ فترة، قبل تحريرها خاصة «رأس العين، وعين العرب، وتل أبيض، والقامشلي» إضافة إلى القرى الحدودية التي تضم الآلاف من مقاتلي داعش في السجون وعشرات الآلاف من أسرهم في مخيمات، وفي هذا الصدد، قال قائد قوات سوريا الديمقراطية، مظلوم عبدي، في تصريح سابق، إن قواته «تحرس ما بين 9 آلاف و12 ألف مسلح من تنظيم داعش»، وأن العدوان والتوغل التركي يعد بمثابة «الهدية» للجماعات الإرهابية، التي يزدهر نشاطها وتعود للظهور في حالات الفراغ، والتخوفات التي أثيرت بشأن «عودة داعش» بدأت تظهر بوضوح، إذ استغل بالفعل بعض مقاتلي داعش هذه العمليات العسكرية الجارية حاليًا، لتنفيذ عمليات إرهابية، أو الفرار من السجون، إذ فر قرابة 800 أجنبي من مسلحي داعش، من مخيم عين عيسى شمالي البلاد، في أولى نتائج دخول القوات التركية للمنطقة.

تدخل الجيش السوري

في اليوم الخامس من هجوم القوات التركية وفصائل سورية موالية لها على المقاتلين الأكراد بشمال سوريا، بدأت وحدات من الجيش السوري الأحد بالتحرك باتجاه شمال البلاد «لمواجهة العدوان التركي»، وفق ما أفادت به وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا)، إذ انتشرت في بلدة «تل تمر» بريف الحسكة الشمالي الغربي، ومدينة الطبقة وريفها ومطارها العسكري، وعدد كبير من القرى والبلدات في أرياف الرقة الجنوبي والجنوبي الغربي والشمالي، الأمر الذي يفتح الأبواب والاحتمالات للمواجهة والدخول في صراع مباشر مع القوات التركية.

إن من الأفضل لاستقرار المنطقة وسوريا إنهاء التدخل والتوغل التركي السافر على الأراضي السورية، وسحب قواتها من الشمال والشرق؛ لأن استمرار العدوان سيؤدي إلى عواقب وأزمات كبيرة وخطيرة، منها عودة عصابات داعش الإرهابية إلى الساحة مجددًا، وجعل سوريا منطقة نزاع دائم، بالإضافة إلى الأزمة الإنسانية المتمثلة في نزوح الآلاف من المدنيين، إضافة إلى موجة هجرة واسعة للأكراد إلى أوروبا بسبب الأحداث الأخيرة.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

عرض التعليقات
تحميل المزيد