إنها الحرب يا صديقي العزيز، حرب أنت فقط من فيها، أنت فقط من تحارب، لا أحد يعلم ما بك، فقط يعلمون أنك مازلت على قيد الحياة، حتى المقربين منك، حتى عائلتك لن يفهموا تلك الصراعات التي تخوضها وحدك، إنها صراعات الروح والجسد، أنت تصارع الحياة والمجتمع، تصارع الكبت الجنسي والطبيعة، تصارع النصف الملحد في عقلك الباطن، تصارع الحلال والحرام، تصارع من أجل الخروج من سجن الذات، أنت تصارع من أجل البقاء على قيد الحياة، وتود أن لو كان باستطاعتك الهروب من كل هذا (الهروب من الواقع) بمعنى أدق.
الحياة والمجتمع
أنت لا تريد تلك الحياة المملة، لا تريد أن تكون ضمن القطيع المجتمعي، مجرد شخص يستيقظ من نومه ليشرب القهوة مع السيجارة، يرتدي ملابسه في عجالة حتى يلحق الميكروباصات قبل الزحام الشديد الذي سيحدث بعد دقائق قليلة، ويتأخر عن العمل، وكالعادة لم يصل في الوقت المحدد، سوف يظل ينتظر حتى يأتي ميكروباص يستطيع الركوب فيه، في ذلك الزحام تحت أشعة الشمس الحارقة والعرق ينهمر، لكن لا مشكلة في العرق؛ إنه يحمل عطرًا شديد الرائحة لكي ينقذه في تلك المواقف الحرجة، جلبه من سوق الجمعة بسعر مناسب، يجب أن يكون السعر مناسبًا، وإلا ستنهار الميزانية المخصصة للعيش على قيد الحياة، يذهب إلى العمل يلتقي بعض زملائه، يلقي السلام عليهم وفي باطنه يلقي السباب والشتائم، يجلس على الكرسي، يمسك القلم والورقة ويبدأ في العمل الروتيني، ويبقى طوال اليوم يكتب ويشرب القهوة والسجائر، وها هي دقات الساعة الثالثة عصرًا، والآن ينتهى العمل، يذهب إلى المنزل، لكن عليه أولًا الذهاب إلى السوق لشراء بعض الطعام والشراب، لأنه لا يوجد من يقوم بتلك المهمة بدلًا عنه، إنه شاب في العشرين، لم يتزوج حتى الآن، ربما بعد خمس أو 10 سنوات يستطيع ( تكوين نفسه) والزواج، يدخل المنزل، يجلس على الأريكة، يشاهد التلفاز، يشرب السجائر، يأكل ويشرب، ثم يذهب إلى الفراش، يحمد الله أن هذا اليوم قد مر بسلام، ويسأل نفسه ماذا بعد؟
هو كل يوم على ذلك الحال، يسأل نفسه ذلك السؤال، لكن لا يجد الإجابة، لكن يسأل فحسب، ربما يعتقد أنه سيجد الإجابة يومًا ما، ثم يخلد إلى النوم، ويستيقظ في اليوم التالي، ويعيد نفس الشيء، نفس الزحام، نفس العرق، نفس السباب والشتائم، نفس القهوة، نفس السؤال، نفس الحياة… إلخ.
أنت لا تريد هذا، أنت تصارع حتى لا تكون مثله، هو ليس شخصًا سيئًا، لكنك لا تريد تلك الحياة الفارغة الروتينية المملة، أنت تشعر أنك ستكون شخصًا مهمًا يومًا ما، وأن هذه ليست بداية النجاح، إنه طريق طويل ممل، ربما تأتي عليك أوقات يصبح الاستيقاظ وخوض الحياة بتجاربها أمرًا صعبًا، فقد أهلكتك المعارك والصراعات التي خضتها في الأيام السابقة، لكن لا مفر من الحرب.
الكبت الجنسي والطبيعة +18
الكبت الجنسي، شبح الهرمونات الذي يهاجم أغلب الشباب في سن العشرين، أنت ضعيف أمامه ولا تستطيع منه فكاكًا، ولا حتى القضاء عليه، ربما الكبت الجنسي من أصعب الصراعات التي تخوضها، وهو السبب الرئيس في تشتتك، لن تستطيع القراءة بعمق، ولا إنجاز أحلامك، و(كريمة) الفاتنة ذات الجسم الجغرافي، تجلس في عقلك طوال الوقت، ولا تستطيع نسيان نظرات الأستاذة (هيام) المليئة بالشهوة لك، (هيام) صاحبة الثلاثين عامًا، زوجها توفي في حادث القطار الشهير، بالطبع هي الآن مثل البركان الثائر، أنت تعرف أنها تنظر لك، وتعرف أيضًا ماذا تريد منك، دعك من أنك توهم ذاتك بأنك غير مهتم ولا تبالي بها، لكن في الحقيقة أنت خائف، خائف من العقاب الإلهي، وربما القليل من الخوف بسبب عدم ثقتك في قدراتك الجنسية، لا مفر من الكبت سوى الزواج، لكن للأسف الشديد باقي من الزمن خمسة أو 10 سنوات لكي تستطيع (تكوين نفسك) والزواج.
النصف الملحد
النصف الملحد، ذلك الشيطان الذي يسكن داخل عقلك الباطن، هو السبب الرئيس في تلك الأسئلة والتشكيكات التي تراودك في كل وقت وحين، من أين جئت، من هو الرب، وهل هناك رب فعلًا، هل الموت نهاية للدنيا فقط، أم كما يقولون إن هناك بعد الموت يوجد حساب وجنة ونار؟ إنها أسئلة ذات إجابات منطقية، لكن هو لا يريد منك أن تجد الإجابات، يريد أن تبقى مشتتًا تائهًا في الدنيا. إنه يريد الزج بك إلى حافة الفكر الديني، يستطيع فعل ذلك إن كنت ضعيف الإيمان، فضعيف الإيمان من السهل جدًا السيطرة عليه، وكلما أصبحت ضعيفًا، كلما أصبحت لعبة في يده.
كل هذه الصراعات تحدث لك ولا أحد يعلم، أنت لا تريد الاستسلام، أنت تنتظر بشغف أن تعرف ما نهاية كل هذا، أنت تعرف ماذا يحدث إذا استسلمت، أريدك أن تتحمل كل هذا يا صديقي العزيز، أنت عابر جيد فلا تستسلم.
الحلال والحرام
تلك المخاوف التي تطاردك من فعل شيء حرام، أنت الآن لا تضمن الدنيا فتريد ضمان الآخرة، تخاف العاقبة، تخاف أن تسقط في بئر المعاصي والذنوب، لا تريد أن يسيطر عليك شبح الهرمونات وتزني… إلخ، لكن الشيء الجميل أنك ما زلت تخاف من الوقوع في معصية، وهذا أكبر دليل على حب الله لك، زرع الله فيك ذلك النوع من الخوف، لأن جل جلاله يحبك، الله عظيم رحيم، يغفر لنا أن استغفرنا، يغفر لنا لأننا خائفون من المعصية، يغفر لنا على تأنيب الضمير، رباه لك الحمد، لكن تظل عقدة الشعور بالذنب تجاه معصية ارتكبتها باقية حتى مماتك، وتظل فكرة أنك لم تفعل الخير – كما قال الكتاب – تطاردك، هذه هي الحياة يا صديقي.
نجاحك يعتمد على فهمك للحياة وأيضًا فهمك للعقيدة الدينية التي تنتمي لها.
سجن الذات
السجن ليس كما يعتقد الأغلبية الساحقة أنه مجرد قضبان وحوائط وجاويش وعقوبة والإعدام… إلخ.
لا هم مخطئون، يوجد سجن انفرادي يلقب بسجن الذات، ذلك السجن الذي أنشئ داخلك، ربما أستطيع تخيل تصميم سجن الذات، هو غرفة مظلمة تجلس فيها بمفردك، قضبانها من القفص الصدري، والجاويش هو قلبك كلما أخذ أوامر من عقلك بتعذيبك، لا يتركك إلا وأنت تبكي، وتصرخ، وتتألم من شدة العذاب، كل هذا يحدث في سجن الذات، كل هذا يحدث داخلك، وأنت بالتأكيد تشعر به وتتألم أيضًا، وأنت لا تعلم متى تنتهي العقوبة، هناك أشياء كثيرة جدًا، لكي يكون هناك سجن بداخلك، مثل التنمر، الاكتئاب الحاد، التهديد، الخوف، الصدمات بأنواعها المختلفة، القلق، الكتمان… إلخ.
للعلم فإن هذا السجن نحن الذين صنعناه بأنفسنا، والانطوائية هي أول أبواب السجن، واللامبالاة هي أصواره، تقييد الحرية والسجن أشياء مؤلمة، لكن الأشد ألمًا هو السجن الذي بداخلك، إن الذي يود تدميرك سوف يعمل جاهدًا على أن يكون هناك سجن داخلك.
توجد طرق أيضًا لتدميرك والزج بك حتى تدخل سجن الذات، مثل هدم أحلامك أمام عينيك، قتل الطفل الذي بداخلك، وللعلم أيضًا نحن نستطيع بأيدينا إنهاء فترة العقوبة، وتدمير ذلك السجن.
الهروب من الواقع
أستطيع صنع عالمي الخاص للهروب من الواقع والمجتمع، لكني أستطيع أن أخذ قسط من الراحة النفسية والهدنة من الصراعات، أدخل غرفتي أطفئ جميع المصابيح حتى تحل العتمة في أرجاء الغرفة، أشغل الموسيقى المعتادة الهادئة التي تمتزج مع آلة الساكسفون، ثم أقترب إلى المكتبة وأختار إحدى روايات الغريب. حسنًا (شآبيب) جيدة.
أشعل سيجارة، وبالطبع لا أنسى صديقي فنجال القهوة، وها أنا بمجرد أشياء قليلة يمكنني صنع عالم خاص بي.
هناك طرق كثيرة للهروب من الواقع، مثل النوم، قراءة كتاب، الاستماع لأغنية، تعاطي المخدرات، وخصوصًا لو كان باستطاعتك الحصول على مخدر الفيل الأزرق (DMT).
أعتقد أن الأغلبية تعرف ما هو (DMT) تقريبًا هو أفضل وأقوى مخدر للهروب من الواقع وصنع عالم جديد، من الصعب جدًا الحصول عليه لأنه محرم دوليًا، وهناك أيضًا (السوشيال ميديا) هي الطريقة الأكثر استخدامًا في الهروب من الواقع، يمكنك أن تتصور أنه يوجد أشخاص تحمل الهاتف النقال طوال الوقت، بطريقة ما أصبحوا مدمنين للهاتف و( للسوشيال ميديا)، ربما اختلفت طرق الهروب من الواقع من شخص لآخر، لكن النصيحة التي أريد أن تأخذها بعين الاعتبار هي أن تبتعد عن المخدرات تمامًا، وبالطبع أنت لا تريد أن تخسر نفسك بعد كل هذه الخسائر التي لحقت بك، ابتعد عن المخدرات فحسب.
حين تفقد القدرة على تحمل تلك الصراعات وتنهار كل ذرة من كيانك، فسوف تسيطر عليك المخاوف بكل قوة، ولن يرحمك النصف الملحد، سوف يزج بك حتى تفقد الأمل في الحياة بأكملها، ربما تكون نهايتك معلقًا على حبل المشنقة الذي صنعته بيدك، أو تسيل في دماؤك بسبب قطع شريان، أو تناول حبوب المسكنات بكثرة مما يؤدي إلى الموت
لذلك يا صديقي لا تستسلم، ستبقى تصارع، ولن يشعر أحد بما يحدث بداخلك
لن تستيقظ في يوم من الأيام وتقابل أحدهم ليقول لك: ما أخبار البراكين والزلازل التي بداخل؟
صدقني لن يحدث هذا، أنت وحدك تمامًا، ولن يفهم أحد ما بداخلك سوى من يحبك، أو الذي مر بتجربة مشابهة،
حتى الكبار لن يكترثوا بك
على الرغم أنك تود أن تحتضن أحدهم وتبكي، لكن لن تستطيع فأنت كبرت على هذه التصرفات الطفولية.
وفي النهاية
مهما كانت تلك الصراعات التي تخوضها بسطية في نظر البشر والمجتمع فلا تهتم بما يقولون لك، فكما أخبرتك في السابق بأنك بمفردك، ولن يفهم أحد ما الذي تمر به، هم فقط يعرفون أنك مازلت على قيد الحياة، علينا فقط ألا نستسلم، وأن نخوض تلك الصراعات بكل ما أتينا من قوة، علينا فقد التحمل والصبر والإيمان بنعم وقدرة الله علينا ومعنا، هناك أشخاص كثر تحدث لهم تلك الصراعات الداخلية وربما أكثر قسوة مما تتوقع، تختلف الصراعات والمتاعب والتجارب، لكن بعد كل هذا اعتصرت الأيام شخصًا مثلي ومثلك، وأنا علي يقين أننا سوف نلقى تلك النهاية التي ننتظرها ونريدها بكل شغف، لا تسمح للنصف الملحد بالسيطرة عليك وإيهامك أن تلك حياتك، وليس لها نهاية سوى الموت، فقط تحمل يا صديقي العزيز، دعنا مما حدث في الماضي، الجروح ستشفى يومًا ما، كل الأشياء التي حدثت في الماضي هي دروس لا أكثر، وتلك الصراعات هي الامتحان النهائي، إما تنجح فيه، أو ترسب، أعتقد أنك عرفت ماذا سيحدث في تلك الحالتين.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست